كتب الأخ الأستاذ عبد المؤمن النعمان (رحمه الله) سلسلة
من المقالات حول قضية تعدد الزوجات أوضح فيها ضرورة عودة مجتمعاتنا الإسلامية إلى
ممارسة ما أباحه الشرع الحنيف من الزواج مثنى وثلاث ورباع إنقاذاً له من مخاطر
محققة محدقة به لو لم نسرع إلى ذلك. وكانت معالجة الأستاذ عبد المؤمن للموضوع
معالجة شاملة أحاطت بالموضوع من جميع جوانبه برؤية واضحة وبعاطفة صادقة وبحس
إسلامي رفيع.
وقد عتب الأستاذ النعمان في حديث لي معه
على زملائه الكتاب عدم تعضيده في هذه القضية، وحق له أن يعتب فليس أصعب على الكاتب
من أن يشعر بأن ما كتبه كان صرخة في واد، وبخاصة أن هذا الموضوع جذوره عميقة وقد تكالبت قوى الشر على تصويره بصورة
نفرت الناس من مجرد التفكير فيه حتى أولئك الذين لا حظ لهم من الثقافة الغربية.
ولقد وددت أن أستجيب لمقالات الأستاذ لولا مشاغل كثيرة شغلتني عن ذلك حتى شاهدت
مسلسلاً تلفزيونياً أكد لي ضرورة تناول هذا الموضوع.
هذا المسلسل هو (وغداً تبدأ الحياة) ومن
الموضوعات التي تناولها هذا المسلسل تعدد الزوجات. فقد تزوج سعد من مريم نتيجة قصة
حب، وكانت مريم امرأة ثرية قدمت من أموالها لسعد ما جعله تاجراً كبيراً في السوق.
وأصبح بالتالي شخصاً مرموقاً تتهافت عليه النساء. وبعد أن تقـدم في السن ولم تنجب
له مريم ابناً وجد فتاة شابة قبلت الزواج به لثرائه وكان زواجهما سرياً. وكان سعد
هذا يظهر لمريم أنه يحبها وأنها المرأة الوحيدة في حياته، ولكنه كان يخدعها ويوهمهـا
بأنه كثير الأسفار من أجل التجارة وهو في الحقيقة يذهب إلى البيت الآخر.
ولما حملت المرأة الجديدة أخذت تطالب
سعداً بإعلان الزواج، وأخذت تلح عليه في ذلك بل إنها اتصلت بمريم تخبرها بأن زوجها
قد تزوج بامرأة أخرى. ولكن مريم من فرط حبها لزوجها وثقتها المطلقة فيه بل العمياء
أعرضت عن هذه المرأة. وكان مما يخيف سعد من إعلان زواجه بالثانية أنه يشعر بأنه
مدين للمرأة الأولى في ثروته وتجارته.
من هذا الموجز لأحداث المسلسل نتبين أن
القصة صورت زواج سعد من امرأة أخرى على أنه خيانة وخداع، وأنه عمل متوحش وغير
إنساني. وحشدت لذلك جميع المقومات فمريم امرأة رقيقة مخلصة متفانية في خدمة زوجها
وليس فيها ما يدعوه للزواج من أخرى. وصورت الـرجل بأنه مخادع وكاذب. لا شك أن هذا
المسلسل استغل عاطفة المشاهد أبشع استغلال وعطل عقله بل لم يخاطب العقل مطلقاً.
وبالرغم من أن المسلسل قدم المبرر الذي
يعتمد عليه الداعون إلى عدم التعدد إلا بمبررات وجيهة- حسب رأيهم- ومن ذلك عقم
الزوجة إلاّ أنه لم يجعل لهذا المبرر أي جزء من الأحداث كأن يدور حوار بين سعد
وزوجه الأولى مريم حول الإنجاب فربما تقبل مريم بزواجه من ثانية وتبارك هذا الزواج
فيكون في ابن ضرتها تعويض لها عمّا فقدته من نعمة الإنجاب.
إن مراجعة مقالات الأستاذ عبد المؤمن
نعمان توضح لنا المبررات التي قدمها لضرورة العـودة إلى الزواج مثنى وثلاث ورباع
لمن استطاع-وهم ليسوا قلة- ومن ذلك زيادة عدد الإنـاث على الذكور، كما يواجه
المجتمع وجود نسبة من المطلقات اللائي يحتجن إلى رعاية الزوج وحمايته وإعفافه فلا
يجدن قبولاً من الزوجات أن يشاركنهن أزواجهن. إنها والله أنانية عجـيبة. وأما
الترمل فتلك قضية أخرى فكم يتيم كان سيحظى بالرعاية والاهتمام لو أقبل الرجال على
الزواج من الأرامل. إن المرأة كما يقول الطب لا يكتمل نضجها إلاّ بعد أن تنجب
طفلهـا الأول أو الثاني، فهل نحرم المرأة من هذه العلاقة الطاهرة الشريفة فقط بسبب
هذه المبالغات الكاذبة لتعدد الزوجات؟
وإنني أدعو من هذا المنبر الاخوة الذين
يكتبون القصص أن يتقوا الله عز وجل ويعلموا يقيناً أنهم يملكون وسيلة إعلامية
خطيرة تدخل كل بيت فهل يستغلونها فيما يتفق مع تعاليم شريعتنا الغراء؟ فإنهم إن
أخطأوا اليوم ولم يجدوا من يحاسبهم فإنهم سيقفون بين يدي الملك الحق ليسألهم فيما
فعلوا في مواهبهم التي منّ الله عليهم بها، وعندها لا ينفع الندم.
وقفات:
المسلسل
تضمن عمل المرأة في الصحافة حيث رئيس التحرير رجل، وكم من موقف كانت ثمة خلوة
بينهما وانطلقت عبارات الثناء من الرئيس (والغواني يغرهن الثناء) فأي ضرورة لمثل
هذا الموقف؟ ألا تستطيع النساء أن يكن لهن صحافة خاصة بهن أو أن يكتبن دون أن
يختلطن؟
وقفة
ثانية:
تزوج أحد الممثلين من امرأة أجنبية وكان
قبل الزواج يخرج معها إلى السهرات والرقص مع زملائه، فما تزوجها عادت إليه غيرته
العربية (الإسلامية) فرفض السماح لها بمرافقته إلى إحدى الحفلات، فلم تفهم سبب
تغيره مما جعل زميلاً له يقول: ألم تعرف قبل أن تتزوجها أن تقاليدنا تختلف عن
تقاليدهم؟ فهل خروج المرأة مع زوجها إلى الحفلات مسألة تقاليد فقط؟ إن الخطورة في
ذلك هو تحويل الأحكام الشرعية إلى مجرد تقاليد، فهل نتنبه إلى ذلك؟
تعليقات
إرسال تعليق