التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قضايا وحوارات : هذه حقيقة الفاتيكان حوار: عبد الله بن محمد الرشيد

 


 


 

                         10/5/1425       

                         28/06/2004

       (مثل هذه الحملة ليست مستغربة إطلاقاً ولا جديدة على الفاتيكان) هكذا يكشف ضيفنا حقيقة الفاتيكان التي تقوم بحملة شعارها (مليون ضد محمد)، مؤكداً أن ذلك ينبع من الحقد المتأصل في نفوس النصارى ضد المسلمين، مشيراً إلى ألاعيب السياسة وراء هذه الحملة التي تتعاون مع دول الإرهاب للحرب على الإرهاب، ويرى الدكتور مازن مطبقاني أن هذه الحملة ليست موجهة للنصارى فقط، بل هي لجميع شعوب العالم ومنها الشعوب الإسلامية، مؤكداً أن المد الاستشراقي يلعب دوراً مهماً في تحريك مثل هذه الهجمات.

         ويقول الدكتور مازن في ختام حديثه أنه لا ينبغي أن نعول كثيراً على دور الحكومات العربية فهي مشغولة بتثبيت حكمها وتحقيق أدنى قبول شعبي لها، وكيف نعول عليها وهي التي تفتح أراضيها لإرساليات التنصير.

    ويعزو الدكتور ضعف التفاعل الشعبي العام مع هذه القضية إلى وسائل الإعلام العربية التي ما فتئت تحارب الأصولية والإسلامية، وتروج لأفكار الانحلال والانحراف.

     والدكتور مازن صلاح مطبقاني أستاذ مشارك بعمادة البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حصلت على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية عند المستشرقين من قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة عام 1415هـ، وحصلت قبلها على الماجستير في التاريخ الحديث من قسم التاريخ بجامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 1406هـ. واشرف حالياً على موقع في الإنترنت حول الاستشراق هو مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق وعنوانه هو: www.mazen-center.8m.com

  وله عدد من المؤلفات في دراسة الاستشراق والتنصير منها: الاستشراق المعاصر في منظور الإسلام، و الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي، و أصول التنصير في الخليج العربي (ترجمة عن الإنجليزية)

     وحضر عدداً من المؤتمرات الدولية منها: المؤتمر الدولي حول الاستشراق والدراسات الإسلامية، تطوان بالمغرب عام 1997م، و المؤتمر الدولي حول الاستشراق: الخطاب والقراءة بجامعة وهران عام 2001م وغيرها.

       نشرت صحيفة "فليت إم زونتاج" الألمانية في عددها الصادر بتاريخ 30 مايو من عام 2004 م، مقالا بعنوان (مليون ضد محمد) ذكرت فيه أن للفاتيكان منظمة اسمها "رابطة الرهبان لتنصير الشعوب" هي من أقدم منظمات الفاتيكان وأكثرها نفوذا وأقلها شهرة، إنها تعمل في كل مناطق العالم بما في ذلك المناطق التي يسمونها مناطق الصمت؛ كالسعودية واليمن والصين وفيتنام وكمبوديا. بداية نود أن نعرف مدى الامتداد التاريخي لهذا الهجوم العلني ضد المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل رؤوس الديانة المسيحية؟ و بماذا تفسر تبني الفاتيكان لها وهي المرجعية الدينية الأولى لنصارى اليوم؟ وهل هذه العملية مستغربة وجديدة في تاريخ الفاتيكان كمؤسسة؟

     يجب أن لا يغيب عن بالنا لحظة ما ورد في القرآن الكريم حول موقف النصارى من الإسلام والمسلمين ومن ذلك قول الله عز وجل (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) وقوله تعالى (يرضونكم بأفواههم وما تخفي صدورهم أكبر)

    إن جهود التنصير في محاربة الإسلام وأهله قديمة وقد اتخذت عدة أشكال منها العسكري ومنها الفكري ومنها الثقافي ومنها الاجتماعي. أما الفكري والثقافي فقد بدأ منذ وقت مبكر حين ظهر يوحنا الدمشقي يناظر المسلمين ويطعن في الإسلام ومعتقداته. واستمر النصارى يكتبون الكثير حول الإسلام حتى إن الإنتاج الفكري في العصور الوسطى(الأوروبية) كثرت فيها هذه الكتابات وكانت على درجة من السوء والتحيز والتعصب حتى كتب في ذلك ريتشارد سوذرن كتابه المشهور عن صورة الإسلام في القرون الوسطى، ثم جاء بعده نورمان دانيال في كتابه (الإسلام والغرب) وفيه نقد قوي لما كتبه النصارى حول الإسلام في تلك الفترة.

    وظهرت ترجمات لمعاني القرآن الكريم قام بها قساوسة وباحثون أوروبيون كانت نماذج للحقد والكراهية. وقد صرح الكثيرون منهم أنهم بحثوا عن أسوء الأوصاف والنعوت وأطلقوها على الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن نماذجهم القريبة القس البلجيكي- الذي عاش في لبنان- هنري لامانس الذي نعت الرسول صلى الله عليه وسلم بشتى النعوت البذيئة التي لا يليق بعالم أن يتلفظ بها لا أن يكتبها.

    واستمرت الهجمة على الإسلام والمسلمين وعلى شخصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى عصرنا الحاضر الذي تنشط فيه الكنائس الغربية ومؤسسات التنصير المختلفة حتى إن بابا الفاتيكان الحالي قام بجولة في عدد من دول أفريقيا لتشجيع البعثات التنصيرية على العمل وحدد لهم الهدف بأن يعملوا على جعل أفريقيا قارة نصرانية بحلول العام 2000م، ولكن خاب ظنه وتخطيطه. وقد مرت ثلاث سنوات ونصف على هذا التاريخ ومازال الإسلام قوياً في أفريقيا ويزداد الإقبال عليه. ولعلهم أدركوا استحالة تحقيق هذا الهدف فغاظهم فقرروا خطة جديدة لعلها تكون هذه الخطة التي نتحدث عنها الآن.

    ومثل هذه الحملة ليست مستغربة إطلاقاً ولا جديدة على الفاتيكان الذي حرّض النصارى في القديم على القيام بالحملات الصليبية، والذي تعاون مع قوى الاحتلال حديثاً، فلا يستغرب منه مطلقاً أن يشن الحملة تلو الحملة ضد الإسلام والمسلمين.

 

بحكم تخصصكم، ماهي دوافع هذه الحملة ضد النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل تنطلق من منطلق ديني بحت؟ أم أن هناك دوافع سياسية في الموضوع؟

      دوافع هذه الحملة وما قبلها من حملات هو الحقد المتأصل في نفوس النصارى ضد الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومع الدوافع العقدية من حقد دفين على الإسلام فهناك الدوافع السياسية والاقتصادية والثقافية. فإن كان الأوروبيون يزعمون أن جذور الفكر الغربي هي الجذور اليهودية-النصرانية فإن ما يقف ويقاوم هذه الجذور الفكرية وينال القبول في أنحاء العالم هو الإسلام؛ لذلك لا بد من الحملات المحمومة التي نحن بصددها وما سيتلوها والتي لا تخرج أهدافها عن السعي إلى هدم الإسلام والقضاء عليه وذلك من خلال تشويه هذا الدين ومعتقداته وشريعته، وتشويه صورة نبيه عليه الصلاة والسلام. وهذه الحملات تتوجه بالخطاب ليس للنصارى فحسب ولكن لكل شعوب العالم ومنها الشعوب الإسلامية.

    أما عن الدوافع السياسية لهذه الحملة فأمر مؤكد ذلك أن الارتباط بين التنصير والاستعمار قديم في حملات الكنائس وارتباطها بالحكومات الغربية. فأوروبا تؤكد على علمانيتها في الداخل ولكنها تدعم كل نشاط تنصيري بالخارج وبخاصة في بلاد المسلمين. وما زلت أذكر الكتاب الذي وفقني الله عز وجل لترجمته حول البعثة "العربية" التنصيرية التي كانت بقيادة صموئيل زويمر وزملائه الأربعة التي وصلت إلى الجزيرة العربية عام 1317هـ (1889م) واستمرت حتى عام 1394ه ـ(1974). وكانت هذه البعثة تعمل تحت حماية بريطانيا وأمريكا حتى إن أحد مسؤولي الخارجية الأمريكية خاطب أحد رؤساء الدول في الخليج العربي بفضاضة وقسوة للسماح للبعثات التنصيرية بالعمل في بلاده.

وهل هذه الحملة تخدم وتدعم المخطط التنصيري؟ أم أنها تسبب تخريباً له بسبب نفرة المسلمين ممن يتهجم على نبيهم؟

      لا بد أنهم درسوا هذه الحملة دراسة عميقة ودقيقة قبل أن تنطلق، فلا شك أنها ستخدم أهدافهم وتحقق لهم ما يريدونه لأن الإعلام العربي الإسلامي منشغل باللهو والترفيه والتسلية في غالبه. ففي الوقت الذي تتعدد القنوات الفضائية التنصيرية ومحطات الإذاعة نجد أن الإعلام الإسلامي منحصر في عدد محدود من القنوات الفضائية وما يتبقى من خطة برامج المحطات الرسمية العربية والإسلامية. فالقنوات الفضائية العربية التجارية تصب جام غضبها على الإسلام والدعاة المسلمين لأنها تسير في ركاب الإعلام الغربي في محاربته للإسلام. وذلك لأن هذا الإعلام ارتبط الإسلام عنده بـ "التطرف" و "العنف" و "الأصولية" مع أن الدعاة المسلمين والحركات الإسلامية في غالبيتها العظمى تدعو إلى العودة الصحيحة إلى الإسلام وتطبيقه في شؤون الحياة كلها: العقدية والتشريعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

     أما أن الحملة سوف تسبب تخريباً للمخطط التنصيري لأن المسلمين ينفرون ممن يتهجم على نبيهم فأمر يمكن أن يحدث لو كان المسلمون يدركون هذه الحملات ويعرفونها، ولو أن الإعلام الإسلامي يفضح ما يقولونه بالتفصيل. وإن حدث تخريب للمخطط التنصيري فلأن هذا الدين محفوظ بحفظ الله له، ولأن الله عز وجل وعد بانتصاره (يريدون ليطفئوا نور الله بأبصارهم) الآية.

توقيت هذه الحملة برأيك هل يحمل دلالات معينة؟ وهل لها علاقة بالحرب على ما يسمى بالإرهاب بحيث تكون هذه الحملة جانباً من جوانب هذه الحرب؟

      يجب أن ندرك أن الغربيين عموماً لا ينطلقون في أي عمل من أعمالهم إلاً بعد دراسة وتنسيق، والتنسيق موجود بين الفاتيكان وقادة الدول الغربية، ولعل من آخر رؤساء الدول الغربية لقاءً للبابا هو الرئيس الأمريكي بوش. وربط الإسلام بالإرهاب أمر اتفق الغربيون وبعض المتغربين عليه. ولو عدنا إلى الحملة التي انطلقت بعد الحادي عشر من سبتمبر لتأكد لنا هذا الأمر، ولكنهم وجدوا أن الإقبال على معرفة الإسلام وحتى الدخول فيه قد ازداد بعد هذه الحملات لذلك فكروا في حملة جديدة للهجوم على شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد بدأها قساوسة ورؤساء كنائس في الولايات المتحدة الأمريكية. وها هو الفاتيكان يشاركهم في هذه الحملات.

 

هل يمكننا أن نقول أن هذا التحامل على النبي صلى الله عليه وسلم متركز أكثر في المذهب الكاثوليكي؟ أم أنه متأصل لدى المذاهب المسيحية الأخرى؟

      إن دارسي الاستشراق وبخاصة الفرنسي منه يؤكدون على أن الاستشراق الفرنسي الكاثوليكي هو أشد المدارس الاستشراقية قسوة وتطرفاً وعنفاً في الهجوم على الإسلام وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم. ولو رجعنا إلى المواجهات بين العلماء المسلمين والمستشرقين الكاثوليك في الدول التي كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي لأدركنا حجم الخبث الكاثوليكي الاستشراقي في هجمته على الإسلام. ويكفي مراجعة صحف ومجلات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر.

   لقد وصل الأمر بالمحتلين الفرنسيين أو ما كان يطلق عليهم (المعمّرين) أن كانوا يطلقون على الخادمة اسم (فاطمة) فمن أراد أن يبحث عن خادمة يقول إنه يبحث عن (فاطمة)

     والأمر لا يختلف بالنسبة للمذاهب النصرانية الأخرى فيكفي الرجوع إلى كتابات مارتن لوثر مؤسس البروتستانت لنعرف حجم الحقد والكراهية للإسلام والمسلمين والرسول صلى الله عليه وسلم. ومما يؤكد على العداء البروتستانتي هو ما نشاهده من بحوث ودراسات تقوم بها مؤسسات بروتستانتية ومراكز بحوث وأقسام علمية في هذه المؤسسات لدراسة أوضاع المسلمين في أوروبا وأمريكا. فهناك دراسات واسعة قام بها مدير مركز العلاقات النصرانية الإسلامية بجامعة بيرمنجهام ببريطانيا حول المسلمين في أوروبا. وكذلك ما قامت به جامعة نيويورك من عقد دورات لدراسة المسلمين في أوروبا. وقد عقد معهد دراسة الأديان بجامعة ليدن بهولندا مؤتمره السنوي بعنوان (التغيرات الدينية في سياق متعدد) تركزت العديد من بحوثه حول المسلمين في أوروبا.

 

كيف ترى إلى هذه المفارقة إلى منظمة يعمل تحت لوائها 85 ألف قسيس، و 450 ألف جمعية دينية، وأكثر من مليون مدرس يجوبون العالم كله، قرية قرية، ومدينة مدينة، وهي تملك 42 ألف مدرسة، و1600 مستشفى، و 6000 مؤسسة لمساعدة المحتاجين، و780 ملجأ لمرضى السرطان، و12 مؤسسة خيرية واجتماعية حول العالم. وتجيش أكثر من مليون شخص لحسابها بحرية مطلقة في حين أن المؤسسات الدعوية والإغاثية الإسلامية، تحاسب حاسباً عسيراً ويضيق عليها؟

      نعم إنها لمفارقة كبيرة ومحزنة ما نشاهده من ضخامة الجهد التنصيري وسكوت العالم عنه، بينما تقوم الدنيا ولا تقعد لقيام بضع مؤسسات إسلامية إغاثية. نعم الأرقام التنصيرية ضخمة ولا يمكن مقارنتها بما يقوم به المسلمون، ومع ذلك فإن الغربيين وبخاصة أمريكا –زعمية من يزعم محاربة الإرهاب- لا تتوقف عن محاربة الجمعيات والمؤسسات الإسلامية. ولكن يجب أن لا يغيب عن بالنا الدعم الذي تلقاه المنظمات التنصيرية من الحكومات الغربية بينما يندر هذا التأييد من الدول الإسلامية للمنظمات الإسلامية الإغاثية والدعوية. ومع كل ذلك علينا أن نتذكر أنهم ينفقون هذه الأموال التي ستكون عليهم حسرة ثم يغلبون كما جاء في الآية الكريمة (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون..) الآية.

هل للمد الاستشراقي دور في إذكاء هذه المحاولات لتشويه صورة النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل مازالت الفاتيكان تستفيد من الاستشراق؟ وما قولك فيمن يرى أن الاستشراق والحديث عنه أصبح جزءاً من فترة تاريخية ماضية؟

       نعم للمد الاستشراقي دور في هذه الحملات فالاستشراق –في الغالب- والتنصير وجهان لعمله واحدة. فالمنصر عندما يعمل في البلاد الإسلامية لا بد أن يكون مستشرقاً: عارفاً بالإسلام واللغات التي يتكلمها المسلمون، عارفاً بتاريخهم وعقيدتهم وثقافتهم. وقد انطلق الاستشراق في أصله ونشأته وجذوره من الكنيسة فمنها بدأ وإليها يعود.

     ولا شك أن الاستشراق الإيطالي وعناية الفاتيكان به كبيرة. وهو مجال مازال بحاجة إلى دراسة عميقة لمعرفة ما يدور في الأوساط الاستشراقية الإيطالية. وحبذا لو قام المسلمون الإيطاليون بمثل هذه الدراسات.

    أما القول بأن الاستشراق والحديث عنه أصبح جزءاً من فترة تاريخية ماضية فلا يقول بذلك إلاّ شخص لا يعرف الاستشراق ولا يدري ما الاستشراق. يكفي الاطلاع على مواقع أقسام دراسات الشرق الأوسط، والمعاهد للدراسات الإسلامية في الغرب ليدرك عمق الارتباط بين الاستشراق القديم المتمثل في كبار المستشرقين ك جولدزيهر ومارجليوث وشاخت وكولسون ليدرك أن الاستشراق قائم ومستمر. ولو بحثنا في المراجع والكتب التي يستقي منها خبراء الشرق الأوسط المعاصرين لأدركنا أن الاستشراق لم يمت وإن تم إدخال بعض التعديلات على أشكال الاهتمام وطريقة تناول قضايا العالم الإسلامي.

     ولقد وجد المستشرقون في بعض أبناء البلاد العربية الإسلامية من يقوم بالمهمة نيابة عنهم في الهجوم على الإسلام وتاريخه وقيمه وأخلاقه.

 

بعد هذه الحملة التي تزعمتها الفاتيكان ضد النبي صلى الله عليه وسلم، ما رسالتك إلى من يعتقد بجدوى حوار الأديان؟

    حوار الأديان أمر يتزعمه الغرب في الوقت الحاضر يزعمون به الرغبة في التعرف إلى العقائد الأخرى والتقريب بين الأديان. ولكن الأصل في الحوار هو أننا أصحاب الدعوة الحق الذي علينا أن ننطلق بدعوتنا إلى عقر دارهم عملاً بقول الله تعالى (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (بلغوا عنّي ولو آية) وقوله صلى الله عليه وسلم (نضّر الله امرأً سمع مقالتي فبلغها إلى من لم يسمعها، فربّ مبلّغٍ أوعى من سامع، أو رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)

     نحن نملك الهداية والرحمة والخير للبشرية فعلينا أن لا نترك فرصة للحوار وبخاصة أن الله عز وجل يعلم أنهم سيطلبون الحوار والجدال فأمرنا أن لا نجادلهم إلاّ بالتي هي أحسن (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن) وقوله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ولا تجادلهم إلاّ بالتي هي أحسن)

     أما حوار الأديان في شكله الحالي فلا يخدم أهداف المسلمين لأنه يعقد في سرية و نادراً ما يحضره علماء مسلمون أقوياء، وهو لا ينطلق من أسس ثابتة مثل اعتراف النصارى أو المتحاورين النصارى برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم. لأن الحوار الحقيقي الذي ينطلق بين أنداد فإذا كانوا لا يعترفون برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم فأي حوار يمكن أن يكون معهم.

   ولذلك لا ينبغي أن يكون الحوار إلاّ من قبل مسلمين أقوياء في عقيدتهم عارفين بعقائد النصارى وأن يكون الحوار علنياً، فقد علمت أنهم يحرصون على سرية هذه الحوارات مما لا يتيح للمسلمين إظهار ما عندهم من الحق الذي يعرفه النصارى كما يعرفون أبناءهم كما جاء في قوله تعالى (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) وأكده أحد الإخوة الذين أسلموا في أمريكا وكان يدرس اللاهوت وهو روبرت كرين (عبد الحق الفاروق) الذي كان مستشاراً للرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون. حيث عرف زملاؤه إقباله على الإسلام فاجتمعوا به ليستنكروا توجهه إلى الإسلام، وليقولوا له "إن لديك مشكلة ونحن نريد حلها" فقال لهم:" أنتم تعرفون أنه ليس لدي مشكلة وإنما أنا أتبع الحق الذي تعرفون.." فما كان منهم إلاّ أن رضخوا الحق واعترفوا معه أنه على الحق وأن الإسلام هو الدين الحق.

كيف تقيم موقف الحكومات الإسلامية من هذا الهجوم الذي تتبناه الفاتيكان؟ وهل تتفق من أنهم جزء من الحملة بسبب دعمها للإرساليات التنصيرية، وفتح أراضيها لوفودهم؟

     يجب أن لا نتوقع الكثير من الحكومات الإسلامية فهي منشغلة بتثبت أنظمتها وتحقيق الحد الأدنى من القبول من شعوبها. فكيف تتوقع منها أن تقوم بعمل حقيقي لوقف الهجمات التنصيرية. ولو كان الهجوم التنصيري على شخصية أحد الزعماء العرب المسلمين لكان الأمر مختلفاً لجندت الطاقات الإعلامية الممكنة وغير الممكنة للذب عن عرض هذا الزعيم.

نعم كثير من الحكومات الإسلامية فتحت أبواب بلادها للتنصير وأساليبه الخبيثة الماكرة، وعرفت ارتباط هذه البعثات التنصيرية بالدول الغربية وغضت الطرف عن ذلك. فلا حول ولا قوة إلاّ بالله.

     ما واجب الأمة المسلمة أفراداً ومؤسسات تجاه نبيها محمد صلى الله عليه وسلم، وإلى ماذا تعزو الضعف الشعبي العام تجاه هذه القضية وانحسار التفاعل معها في أوساط ونخب معينة؟

       واجب الأمة الإسلامية كبير أولاً على المستوى المؤسساتي، فهذه المؤسسات يجب أن تسعى إلى تحريك الأفراد للعمل ضد هذه الحملات بكتابة الخطابات والعرائض إلى الفاتيكان نفسه، وإلى الحكومات الغربية تستنكر وتندد بكل من يحاول تشويه صورة المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولنذكرهم بالصورة العظيمة التي يقدمها القرآن الكريم والسنّة المطهرة لعيسى المسيح عليه السلام ولأمه.

     كما يجب على الإعلام العربي الإسلامي أن يتصدى لهذه الحملات فيوضح تفاصيلها ومنطلقاتها والقائمين عليها، وأن يقدم للمسلمين الحقائق عن الديانة النصرانية وما مرت به من تحريفات. لماذا يستخدم المنصرون الإعلام بصورة قوية أما الدعوة الإسلامية فما زالت بحاجة إلى استخدام هذه الوسيلة أولاً في الدعوة إلى الخير وإلى الهداية والرشاد، ثم الذب عن رسالة الإسلام وعن الرسول صلى الله عليه وسلم.

     أما على المستوى الفردي فإن على المسلم أن يتذكر قولة الصدّيق رضي الله عنه "الله الله أن يؤتى الإسلام وأنا حي" فجعل نفسه مسؤولاً عن الإسلام كله... فأين نحن من تحمل المسؤولية. وإنها لمسؤولية يجب أن يتحملها العلماء وبخاصة القادرين على الكتابة باللغات الأجنبية من فرنسية وإنجليزية وألمانية وإيطالية ليبعثوا إلى الصحف ووسائل الإعلام المختلفة وليرسلوا الرسائل إلى المواقع التنصيرية التي تطعن في الإسلام وفي رسوله صلى الله عليه وسلم.

     أما الضعف الشعبي العام تجاه هذه القضية وذلك لأن وسائل إعلامنا انشغلت بملء وقتنا بالتفاهات والتسلية والترفيه، فكيف بربك نهتم بالقضايا الكبرى ولا شغل للإعلام الفضائي سوى الفنانين والفنانات والاهتمام بما يزعمونه الإبداع في الغناء والرقص والتمثيل. أين العناية بالإبداع في الكتابة والتأليف والدفاع عن الإسلام وأهله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...