ليتنا ندرسهم كما يدرسوننا، أو ليتنا
ندرس أنفسنا كما يدرسوننا، أو ليتنا ندرس أي شيء، مرت في ذهني هذه الخواطر وأنا أدير
مؤشر الإذاعة وإذ بالحديث عن كتاب صدر حديثاً تناول فيه الكاتب الثقافة العربية
الإسلامية ووصفها بأنها ثقافة شفهية تعتمد على الروايات والمنقول. وأن العرب
يصدقون كل ما يُروى، واستشهد الكاتب برواية الحديث الشريف وكيف أن بعض الوضاعين
كانوا يقولون إذا أعجبنا القول وضعنا له سنداً، وكانوا يزعمون إننا نكذب لهم لا
عليهم. أي إذا كان الأمر مستحسناً نسبوه للرسول صلى الله عليه وسلم، وما أعظم هذه
الفرية.
ومضى الكاتب أو معد العرض في استعراض
قضايا من التاريخ الإسلامي فهالني حجم الافتراءات التي وردت في الكتاب والعرض فقلت
هل ثقافتنا العربية الإسلامية هي ثقافة شفوية تعتمد على الرواية وأن التمحيص في
الروايات لم يستطع أن يتبين الغث من السمين والصادق من الكاذب.
لم أتعجب أن تقدم هيئة الإذاعة
البريطانية على عرض مثل هذا الكتاب، فكم من مرة سمعت عروض الكتب في إذاعة لندن
وتساءلت من الذي يبحث في هذه الإذاعة عن الكتب. وكيف يجدونها ولا يجدون سواها.
ولكني تذكرت أن إذاعة لندن نشأت قبل أكثر من خمسين سنة وكانت تصدر مجلة
المستمع العربي ثم أصبحت هنا لندن ثم المشاهد
السياسي، وكانت المستمع العربي تستقطب المستشرقين الكبار
للكتابة فيها من أمثال آربري وبرنارد لويس ومارجليوث وغيرهم. واستمرت الإذاعة في
هذا النهج الاستشراقي.
ولكن ما بال مجلة عربية إسلامية (مجلة المجلة) تصدر في
لندن تقدم بعد أيام من برنامج إذاعة لندن تفسح المجال لمؤلف الكتاب الذي قدمته
إذاعة لندن وهو الدكتور محمد سعيد العشماوي أكثر من أربع صفحات ليقدم افتراءاته
على التاريخ الإسلامي وعلى الإسلام عموماً. ولا يكون الرد على المجلة إلّا في بضعة
أسطر كتبت على استحياء لتقول المجلة إننا نفسح المجال للرأي الآخر ولو صدقوا لما
فسحوا المجال من الأساس لمثل العشماوي لينشر ترهاته وأفكاره الخاطئة على الناس.
ونعود لبرنامج إذاعة لندن، فهل صحيح أن
الثقافة العربية الإسلامية ثقافة شفوية تعتني بالرواية وتصدّق كل ما يُروى؟ هل غاب
عن الدكتور أن القرآن الكريم كتب من أول آية نزلت وأنه حفظه المئات من الصحابة
الكرام رضوان الله عليهم وأنه جُمع كاملاً في خلافة الصدّيق رضي الله عنه، ثم أعيد
التدوين في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ولا زلنا نقول الخط
العثماني. ألم يتعلم العشماوي وسواه كم بذل علماء الحديث في جمعه ونقده وتنقيته
وقد ألّفوا في الموضوعات حتى قال السيوطي رحمه الله عن الوضع في الحديث "يتصدّى لهم الجهابذة" إنهم كانوا أمة قوة تفتخر بقوة علمها وإيمانها وقوة حفظها.كيف
يمكن أن نكون أمة شفوية وهذا التراث المكتوب لا زال كثير منه مخطوطاً وموزعاً في
أنحاء العالم. ثم ألا يعرف ما ورد في القرآن الكريم عن تصديق أي خبر أو نبأ (يا
أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على
ما فعلتم نادمين) ألا يعرف الرواية التي ذكرت كيف أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
لم يقبل حديث الاستئذان إلّا بشاهدين ليس تكذيبا لمن روى الحديث (فكل الصحابة
عدول) ولكن للتأكيد على مسألة الحرص في رواية حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.
يبدو أن إذاعة لندن تصر على استمرار
النهج الاستشراقي في اختيارها الكتب التي تعرضها ولكننا نقول فهم إن مصداقية
الإذاعة ورواجها لا يسمحان لها مطلقاً أن تستمر في هذا النهج باختيار الكتب التي
تطعن في الإسلام والمسلمين.
وإذا كان العشماوي لا يعرف أن الدولة
الإسلامية نشأت في عهد الرسول صلى الله عليه ولم فليرجع إلى كتاب العلّامة عبد
الحي الكتّاني المسمّى التراتيب الإدارية أو الحكومة النبوية فلعله يتعلم أن
المسلمين عرفوا الدولة بجميع مؤسساتها ونظمها في وقت مبكر، فهل يتعلمون؟؟
تعليقات
إرسال تعليق