بسم الله الرحمن الرحيم
تشرفت قبل أيام بأن أكون المتحدث في نادي
قرّاء دار البشير أو على الأصح كتّاب دار البشير بالقاهرة فتحدثت في وسيلة
أستخدمها لأول مرة فكانت تظهر الأسئلة والتعليقات بخط صغير ولكن الاسترسال بالحديث
منعني من الاستجابة لكل التعليقات والأسئلة وها أنا قد نقلتها وجمعتها معاً لأجيب
عنها مع وعدي بحديث آخر بإذن الله في وقت لاحق.
أما الأسئلة والتعليقات فأحب أن أجيب عنها
كما وردت في اللقاء وليس بإعادة ترتيبها وفق موضوعاتها وكان يسعدني أن أذكر كلَّ
سائل وسؤاله ولكن فضلت أن أترك كتابة الأسماء وأتوجه بالشكر للجميع فرداً فرداً
لثقتهم الغالية وتوجيه أسئلتهم واستفساراتهم وتعليقاتهم.
السؤال الأول:
هل يوجد مستشرق منصف إنصافاً كاملاً؟
نعم يوجد ولكن كما يقال هو الاستثناء الذي يُثبت القاعدة، فالمستشرق لم يلجأ
هذا المجال في الغالب حبّاً في الإسلام والمسلمين والعرب والعربية، ولكنه مجال يجد
الدعم من الدول الغربية في صور تمويل وفرص وظيفية وحياة أكاديمية مرفهة. ولكن
القلة التي تلتحق بهذا المجال بدافع الحب والرغبة الخالصة للعلم والمعرفة وينأى
بنفسه أن يكون أداة في يد الدول الغربية (التي لم تترك عقلية الاستعلاء والاحتلال
والاستغلال) فيمكنه بعد أن يتعرف إلى الإسلام معرفة حقيقية أن يقدم تصوراً لهذا
الدين بطريقة منصفة تماماً. ونظراً لقلة هؤلاء فأضرب المثال بمستشرقة كندية تحدثت
في مؤتمر عن فتاوى الونشريسي بخصوص المرأة وقدمت معلومات رائعة وكانت منصفة بل
إنها تحدثت عن تفوق الإسلام وسبقه الغرب في إعطاء المرأة حقوقها المالية واستقلال
ذمتها المالية.
ومن
الإنصاف بعض العبارات هنا وهناك لعدد من المستشرقين لا أعتقد أنني في حاجة لذكرها
ولكن أذكر أن الشيخ العلّامة أبي الحسن الندوي حذّر من الاستسلام لعبارات جميلة عن
الإسلام حيث يذكر عشر محاسن حتى يقنعك باعتداله وإنصافه ثم يفتري فرية كبيرة على
السيرة تنسيك كل ما ذكره من محاسن سابقة.
السؤال
الثاني: هل للاستشراق جوانب إيجابية؟
أما
الحديث عن إيجابيات الاستشراق فأبدأ بالقول إنه من الصعب أن تحكم على الاستشراق
كله بأنه سلبي، فلا بد أن يكون لهذا الفرع المعرفي بعض الجوانب الإيجابية حيث إن
من المستشرقين من كان صادقاً وأخلص في دراسته وتعلمه للإسلام ولم يقبل أن يكون
أداة في أيدي الاستخبارات الغربية بل قدم الإسلام تقديماً جيداً منصفاً معتدلاً،
وبعض هؤلاء قد وصل إلى الإيمان وما هي إلاّ إرادة الله عز وجل إن شاء هداه إلى
الدين، وإن بعضهم قد آمن.
وينسب للمستشرقين البدء في تحقيق كثير من
المخطوطات العربية والمحافظة عليها وفهرستها، وقد يرى البعض أنهم لو لم يهتموا
بمخطوطاتنا ويضعون لها الفهارس ويحفظونها لضاعت منذ مئات السنين. وأما ما قاموا به
من تحقيق فإن الأمر يحتاج إلى دراسة فهل أخلصوا في التحقيق وأجادوا، فربما أجادوا
كما أن بعض الباحثين العرب والمسلمين وجدوا لهم أخطاء طوام في التحقيق.
أما ما ينسب لهم من فهرسة الحديث الشريف
التي زعموا أن فنسنك قام بها فإنما قاموا بها لتسهل مهمتهم أصلاً كما أن تلاميذ
هذا المستشرق من العرب والمسلمين هم الذين قاموا بالعمل تحت إشرافه كما أكد ذلك
الدكتور قاسم السامرائي على أخطاء في مثل هذه الأعمال.
وإيجابيات المستشرقين أنهم نبهونا إلى
الفكر الغربي ونظرته إلينا من خلال ما كتبوه وما ناقشوه ومن خلال تأثيرهم في
أبنائنا وفي العالم بأجمع، ألا ترى الياباني أو الكوري أو أي جنس آخر إن أراد أن
يدرس عن الإسلام والمسلمين ذهب إلى الغرب ليدرس على يديهم.
وأود أن أضيف إيجابية للمستشرقين أنهم
عندما أعلنوا لبعض طلابهم كرههم للإسلام وبغضهم ثارت الحمية في نفوس بعض الطلاب
فعادوا إلى دينهم وأصبحوا من كبار المنافحين عن الإسلام وحرصوا على فهمه والتعمق
فيه وأضرب لذلك بالدكتور مالك البدري الذي كان يدرس في الجامعة الأمريكية في بيروت
وكذلك الدكتور إسحق الفرحان وغيرهما كثير والحمد لله وكما يقال "ربّ ضارّة
نافعة" وإن كان المستشرقون لم يقصدوا إلى ذلك.
وأود أن أضيف إيجابية عشتها بنفسي وهي أنهم في
مؤتمراتهم يسمحون لك أن تقدم الموضوع الذي ترغب فإن كان مناسباً من الناحية
العلمية ومكتوباً بطريقة علمية فإنهم يقبلون أن تقدم بحثك في مؤتمرهم. وأذكر هنا
أنني تقدمت بمقترح للمؤتمر العالمي السادس والثلاثين حول الدراسات الأسيوية
والشمال أفريقية بعنوان (القيادة في وقت الأزمات: أبو بكر الصدّيق (رضي الله عنه)
النموذج الإسلامي. أعجبهم الموضوع فلم يقبلوه فحسب بل أرادوا عقد حلقة خاصة حول
هذا الأمر واقترحوا أن أدعو ثلاثة باحثين ليشاركوا معي في الحلقة واستأذنوا أن
أقبل ترؤس تلك الحلقة.
أما النقاشات فهي كثيرة وأذكر نموذجين فقط فقد
قدّم مستشرق هولندي حاقد على الإسلام موضوع "فشل البديل الليبرالي" في
المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين. والبديل الليبرالي هو
ما تروّج له الأنظمة العربية مقابل التوجه الإسلامي (أو ما يطلقون عليه الإسلام
السياسي) وتحدث عن دعم الحكومات بطباعة الكتب طباعة فاخرة بأزهد الأثمان، وتوفير
منابر الإعلام لهم، ولكن الكتاب الإسلامي يقتحم كل معارض الكتب ويتفوق على تلك
الكتب الليبرالية، وأما المحاضرات فمن يحضر محاضرات الشيوخ والإسلاميين يفوق
بعشرات المرات من يحضر محاضرات الليبراليين. وبعد أن أنهى محاضرته قمت أناقشه
فقلت: أعجبني عنوان بحثك، هو حكم وهو حُكْمٌ صحيح وأنا أوافق عليه، وأما الأمر
الثاني فأنت وصفت مصطفى أمين وعلي أمين وفؤاد زكريا وسعد الدين إبراهيم بالنخبة
وهم في الواقع نخبة زائفة لأنها تميل إلى فكر غريب علماني لا يتفق مع موقف المسلمين
عموماً. فحاول أن يرد ولكني قلت كلمتي وكان لها تأثير في الجمهور طيب.
وثمة موقف آخر وفي جلسة أخرى من المؤتمر نفسه،
تحدث اثنان من مؤسسة الأهرام عن الحركات الإسلامية وموقفها من الديموقراطية فطلبت
التعليق في نهاية حديثهما وقلت أريد أن أبعث رسالة من هذه الجلسة إلى رئاسة
المؤتمر أن الإسلام يُشتم ويحتقر ويقلل من شأنه وبخاصة الحركات الإسلامية ولا يوجد
من يدافع عن موقفهم. فزعم أنهم وجهوا الدعوات إليهم ولكن لم يحضروا (وهذا في نظري
عذر أقبح من ذنب)
السؤال
الثالث: هل ما زال الاستشراق له دور في العالم الآن؟
إن معظم الناس قد يسمع بكلمة استشراق، فلا يتأثر ولا يعرف لماذا كان
الاستشراق خطيراً. بل ربما رأى البعض أن الحديث عن الاستشراق ترف لا حاجة لنا به.
ويرى بعض آخر أن الاستشراق قضية من الماضي البعيد، وليس له وجود الآن، ولكننا نرى
أن من الواجب الحديث عن هذا الأمر، وبخاصة في هذا الوقت بالذات الذي كشّر بعض
الكفار في الغرب عن أنيابهم، ووصل الأمر بالبعض أن نادى بهدم الكعبة المشرفة.
إن الاستشراق كلمة ترد كثيراً في وسائل الإعلام المختلفة ولاسيما في الحديث
عن أسباب الحملات الإعلامية المكثفة ضد الإسلام والمسلمين، ولو سألت كثيراً من
الناس: ما هذا الاستشراق الذي غذّى ويغذي هذه الحملات الإعلامية العنيفة ضدنا،
لوجدت أن أكثر الناس سمعوا بالكلمة، ولكنهم لا يدركون حقيقة معناها.
وثمة سبب آخر للاهتمام بالحديث عن
الاستشراق؛ فكم كتب من كتب من أبناء المسلمين ومن الغربيين عن موت الاستشراق أو
نهايته، حيث ردد هذه الفكرة أحد كبار المستشرقين وهو برنارد لويس، عندما قال: إن
الاستشراق، أو مصطلح الاستشراق قد ألقي به في مزابل التاريخ. وتلقف هذه الفكرة
كثير من أبناء المسلمين، محاولين تأكيد موت الاستشراق، اقتناعاً منهم بهذه الفكرة.
فأرجو أن يكون في هذه الكلمات ما يؤكد أن الاستشراق مستمر وماضٍ في مخططاته، وإن
تغير الاسم من الاستشراق إلى دراسات الشرق الأوسط أو الشرق الأدنى أو الدراسات
الإقليمية أو دراسات المناطق، فما هي إلا مسميات لأصل واحد هو الاستشراق.
إن كثيراً مما نراه في العالم الإسلامي
اليوم من تراجع عن تطبيق الإسلام، ومن ميل إلى الغرب أو انبهار به، وتبني الأنظمة
الغربية والعادات والتقاليد والثقافة الغربية إنما هو من تخطيط الاستشراق. لقد زرع
الاستشراق والتنصير في بلادنا عشرات المدارس بل مئاتها ليتـربّى فيها أجيال غريبة
عن عقيدتها وقيمها وثقافتها، تتحدث فيما بينها اللغة الأجنبية أكثر مما تتحدث
العربية، قليل منهم -إن وجد -من يصلي أو يصوم، وإن مارسهما فإنما هما طقوس لا تؤثر
في حياته. فهو يصلي ثم ينطلق ليتعامل بالربا أو ليعيش حياة بعيدة جدّاً عن
الإسلام.
ونتساءل يا أخوتي: ما بال هذه الأمة التي اؤتمنت
على خاتمة الرسالات قد فرّطت فيها، فلا تكاد تمشي في شارع من شوارعها من أقصى
المغرب إلى إندونيسيا حتى ترى من مظاهر التغرب وتقليد الكفار ما يندى له الجبين.
لقد قلدناهم في الظاهر فارتدينا ملابسهم، فلا يكاد يند عن تقليد الغرب في اللباس
إلاّ الفلاحون والقرويون وبعض دول الجزيرة العربية. أما قَصَّات الشعر فحدث ولا
حرج، فلم يعد كثير من المسلمين يعرف الطريقة الصحيحة لتسريحة الشعر؛ وذلك لتأثرنا
بما تبثه وسائل الإعلام المختلفة من تلفزيونات وصحف ومجلات، حيث تجد لدى محلات الحلاقة
مجلات لهذه القَصّات. وقد عرضت إحدى القنوات التلفزيونية برنامجاً للأطفال يعرض
القَصّة الأوربية على أنها القصة العالمية ثم هناك القصات المحلية.
وإذا
تركنا اللباس والشعر، وانتقلنا إلى طعامنا وشرابنا، فماذا نجد؟ لقد غرقنا في تقليد
القوم في طعامهم وشرابهم، لقد أدمنّا المشروبات الغازية التي توزع لدينا بملايين
الأطنان، وصرنا نعبئها في قوارير في بلادنا، ونفخر بأنها صناعة وطنية، وليس لها
والله من الوطنية إلاّ الاسم. وأدمنّا المايونيز والكاتشب والتوباسكو، وتعودنا
الهامبرجر، ألا تعلمون أيها الأحبة أن الجزء الأول من اسم هذا الطعام الهام يعني
لحم الخنزير – أجاركم الله-وإن كانت كتب اللغة الإنجليزية المدرسيّة في المملكة
تسمّي هذا الطعام، «الطعام الزبالة»، ولكن مع ذلك نصرُّ على تنـاوله بل والإكثار
منه. ونتساءل: كيف وصلنا إلى التأثر بهم في الطعام إلى هذه الدرجة؟ أليس من
الاختلاط بهم، والعيش معهم، ومشاهدة أفلامهم، والدراسة في مدارسهم وجامعاتهم؟
وإذا
انتقلنا إلى اللغة التي نتحدث بها، فيا لهول ما نقف عليه من كم الألفاظ الأجنبية
التي دخلت لغتنا! كأننا نفتخر أننا نعرف بضع كلمات باللغة الإنجليزية أو غيرها من
اللغات الأوربية. وما أشبه الليلة بالبارحة، فقبل قرون كان شباب النصارى يتسابقون
إلى معرفة اللغة العربية وإتقانها، بل إنهم أصبحوا يقولون الشعر باللغة العربية،
بينما لا يحسنون اللاتينية لغة العلم والمعرفة عندهم. وكان الشباب النصارى أيضاً
يرتدون الأزياء العربية ليعلنوا عن تحضرهم ورقيهم. فصاح أحد كبار الرهبان النصارى
قائلاً: «إذا لم يكف هؤلاء الشبان الرقعاء عن التشبه بالعرب والمسلمين فسوف
نعاقبهم عقاباً أليماً». فأين العالِم المسلم أو الفقيه الذي ينادي في شباب
المسلمين اليوم أن تمسكوا بالإسلام واتركوا ما أنتم فيه من تقليد أعمى...؟
وإذا
دخلنا بيوتنا لننظر في أوضاع تلك البيوت، فإذ بها ممزقة لا محبة فيها ولا رحمة،
ولا سكن... الرجل في واد والمرأة في وادٍ آخر والأولاد طبعاً في وادٍ ثالث. تُضطهد
المرأةُ لجهل الرجل بالإسلام، ويعاني الرجل من استرجال المرأة، ناهيك عن ميوعة
الشباب، حتى صح فينا قول الشاعر:
وما عجبي أن النساء ترجلت ولكن تأنيث الرجال عجيب
كما
تعاني بيوتنا من التأثر بالدعوة الغربية المزعومة لتحرر المرأة. وما ذاك إلاّ لجهل
المرأة أن التحرر الحقيقي إنما هو في الإسلام، فهي تحارب الرجل وتستخدم معه كل
الأسلحة التي تملك والتي لا تملك. أما الرجل فبدلاً من أن يعلمها كيف أن الإسلام
أكرم المرأة وأمر بالإحسان إليها والرفق بها، ومثال ذلك سيد الخلق صلى الله عليه وسلم
الذي يقول: (خيركم، خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) تجده يعلن الحرب عليها أيضاً.
وقد يكون أيضاً من دعاة تحرر المرأة المزعوم فلا يرى بأساً من أن تخرج المرأة
متبرجة؛ بل تراه يدعو إلى ذلك ليقال عنه: إنه متحضر أو متقدم أو بلغ درجة عالية من
الرقي. وما سبب ذلك إلاّ تلك السموم التي زرعتها وسائل الإعلام المختلفة في بيوتنا
وفي أسرنا من خلال الأفلام والروايات، ومن خلال تقديم النماذج الغربية على أنها
النماذج المثالية التي يجب أن نقلدها ونسير على منوالها.
وليس
أمر الاهتمام بالمرأة مصادفة، ولكن أعداء هذه الأمة جربوا كافة الأسلحة لمحاربتها،
فوجدوا أن تغريب المرأة وإغراءها بالخروج والمطالبة بالمساواة المزعومة ودعوتها
إلى أخذ الحقوق والزج بها في مجالات اللهو والخنا والميوعة من أقوى الأسلحة
لمحاربة هذه الأمة. ولا يغيب عن بالنا أن نابليون حين جاء مصر محتلاً جاء بعدد من
المومسات الفرنسيات، واختطف عدداً من النساء المصريات وأجبرهن على الدعارة، فهو
سلاح قديم جدّاً.
نعم
الإسلام حرر المرأة وليس غيره، فقد انتقل بها من كونها متاعاً وسلعة إلى إعطائها
مكانتها التي ارتضاها لها، حيث ضمن لها آدميتها وكرامتها؛ بل زاد على ذلك بأن نادى
وأصر على معاملة المرأة بالرحمة. ألم يكن من بين آخر وصايا الرسول صلى الله عليه
وسلم الإحسان إلى النساء عموماً بقولـه: «واستوصوا بالنساء خيراً».
السؤال الرابع: ما
رأيك حول دور الأزهر الشريف وجامعته في ذلك؟
الأزهر
الشريف وجامعته قلعة من قلاع الإسلام قديماً وحديثاً مهما حاول أعداء الأمة
محاربته والتقليل من شأنه أو الحد من دوره ونفوذه، وفي الماضي انطلق نقد الاستشراق
من الأزهر وعلمائه الكبار وقائمة هؤلاء الأعلام طويلة لا يمكن الإحاطة بها ولكني
سأذكر الدكتور المجاهد الفقيه مصطفى السباعي رحمه الله وعبد الحليم محمود وحسين
الهراوي وغيرهم كثير، ودراسة الاستشراق والرسائل العلمية لا تزال تصدر من الأزهر
الشريف وطلاب الأزهر في مجال الدعوة باللغات الأجنبية تجدهم في كثير من بلاد
العالم. ولكن المنتظر والمؤمل أكثر بكثير من بضع دراسات هنا وهناك وكتاب ينشر أو
ندوة تقام. ونسأل الله أن يعود الأزهر إلى سابق عهده في الريادة ليس في دراسة
الاستشراق ولكن في دراسة الاستغراب وغير ذلك.
السؤال
الخامس: هل هناك آليات إسلامية (رسمية أو أهلية) حالياً لمواجهة خطط المستشرقين؟
الآليات موجودة ولكن التنفيذ غائب، فعلى
المستوى الرسمي أنشأت جامعة في السعودية قسماً في كلية الدعوة بالمدينة المنورة
وبدأت الدراسة فيها وتخرج في القسم عشرات الطلاب معظمهم لا يتقن أي لغة أجنبية
فانتهى بهم الدرب عند تحضير رسالتهم أو كتابة بعض البحوث من أجل الترقية ولكنهم لم
ينطلقوا لمعرفة الاستشراق معرفة حقيقية فظلت بحوثهم حبيسة الرفوف ولم يخرجوا إلى
العالم ويقابلوا المستشرقين ويدخلوا في نقاشات جادة معهم. كما صدرت دراسات حول
الاستشراق في دول عديدة في العراق والأردن وبلاد الشام والمغرب العربي ولكنها في
الغالب جهود فردية لم تتحول إلى عمل مؤسساتي ليواجه الاستشراق مواجهة حقيقية
وننتقل من ذات موضع الدرس إلى أن نجعل المستشرقين والبلاد التي ينتمون إليها موضع
الدرس والبحث والنقد والتوجيه.
إن رسالة الإسلام هي أن ننقل هذا الدين إلى
العالمين (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا
وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
والآية الأخرى التي توضح موضع هذه الأمة بين الأمم (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ
أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ
عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ) الآية.
عندما تأخرت المؤسسات الرسمية الحكومية عن
القيام بدورها بدراسة الاستشراق ومواجهته بدلاً من الرضوخ له والوقوع فريسة له
وبخاصة مع انتشار عشرات الألوف من الطلاب العرب والمسلمين يدرسون في الغرب
بالإضافة إلى عشرات الجامعات الأجنبية في بلادنا ومع احترامي للجامعات الكبيرة
ولكن في الآونة الأخيرة كثرت الجامعات الغربية التي افتتحت فروعاً لها في بلادنا
فصارت كأنها دكاكين الجامعات.
والعمل الأهلي تقف في وجهه عشرات العوائق
والعراقيل والمصاعب والصعوبات لأن الدولة القومية كما وصفها الأستاذ الكبير
الدكتور عبد الوهاب المسيرة قد تغوّلت حتى كأننا أصبحنا في الوضع الذي تحدث عنه
صاحب رواية 1984.
ومع ذلك فلا يزال الأمل قائماً أن تتحرر إرادة
الشعوب الإسلامية فتنطلق إلى دراسة الآخر استشراقاً واستغراباً وأن تصبح جامعاتنا
قوية فلا نعد نحتاج إلى دكاكين الجامعات أو إلى الابتعاث بعشرات الألوف من الطلاب
والطالبات ولو أضفت إلى هذه العدد الأولاد والبنات في المدارس الغربية
السؤال
السادس: هل يتم تدريس الاستشراق في الجامعات؟
نعم مادة الاستشراق في كثير من الجامعات
في المملكة ولكن لا أعرف عن وجود هذه المادة في جامعات عربية وإسلامية. غير أن لي
ملاحظة أن من يقوم بتدريس هذه المادة قد يكون من أبعد الناس عن فهمها وإنما هي
ساعات تُضاف إلى نصابه التدريسي. أو إن هذه المادة كغيرها من المواد ربما استأثر
بها أستاذ فلا يسمح لأحد غيره أن يقوم بتدريسها.
وينبغي أن من يتصدى لتدريس هذه المادة أن
يكون ملمّاً أولاً بلغة من لغات المستشرقين أو حتى درس على أيدي المستشرقين
والتأكد من سلامة توجهه وفكره فبعض من درس على يد المستشرقين أكاد أقول إنه تصيبهم
لوثة وانحراف. وأن تكون مادة الاستشراق مادة تبني في الطالب روح المواجهة مع
الأعداء بالإضافة إلى تكوين روح الداعية فنحن بالنسبة للأمم الأخرى علينا مسؤولية
الشهادة عليها، كما أن من مسؤوليتنا أن ننقل هذا الدين إلى العالم (قُلْ هَٰذِهِ
سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وكذلك قول الحق سبحانه
وتعالى (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى
النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ) الآية.
والتخصص في الاستشراق ينطلق من دراسة هذه
المادة حيث يتخصص بعض الطلاب في الاستشراق والعلوم الإسلامية من قرآن كريم وحديث
وفقه وتفسير ولغة أو يتخصص في المؤسسات الاستشراقية من حيث تأسيسها وأهدافها
وقوانينها وإنجازاتها من مؤتمرات وندوات ومطبوعات وبرامج مختلفة. أو يتخصص بعلاقة
الاستشراق بالسياسة ودعم الحكومات الغربية وأمريكا لهذا النوع من الدارسات. أو
يتخصص في أعلام المستشرقين الذين كان لهم تأثير كبير فكرياً وسياسياً واقتصادياً.
وأقترح أن يكون هناك تخصص في الاستشراق من خلال البحث الميداني في النشاطات
الاستشراقية، وأن تكون دراسة الاستشراق هي الطريق التي تؤدي إلى دراسة الغرب
والفكر الغربي والاستغراب.
السؤال
السابع: ما رأيك في كتابات زيغرد هونكه، جوستاف لوبون، سيديو؟
زيغرد هونكه مستشرقة كبيرة ولها كتابات مهمة
نالت شهرتها من كتابها (شمس الله تشرق على الغرب) وليس شمس العرب، وقد أبدعت في
الكتاب لولا بعض الملاحظات القليلة التي لا تؤثر في قيمة الكتاب، أما المستشرق
جوستاف لوبون فقد نال أكبر من حجمه من الثناء فهو قد ذكر عبارات صادقة وثناء على
الإسلام والمسلمين ولكنه أخطأ في مسألة الوحي والحديث عن رسالة الإسلام هل هي
للعالم أو العرب، كما وجد بعض الباحثين أخطاء للمترجم عادل زعيتر تحاول تخفيف بعض
عبارات لوبون.
أما سيديو فهناك رسالة ماجستير بكلية الدعوة
بالمدينة المنورة تناولته بالنقد ومما قرأت من تلك الرسالة أنه لا يختلف كثيراً عن
المستشرقين الذين كالوا للإسلام من التهم والتشويه. ولكن ليس ما قلت رأياً علمياً
وإنما هي قراءات سريعة.
السؤال
الثامن: ما الأعمال القادمة لكم؟
الحمد لله ما لدي من كتابات غير منشورة قد
تساوي ما نشرت وربما زادت، وقد أعددت العديد من الكتب التي تصلح للنشر بعد قليل من
الجهد في التحرير والتنسيق. ومن مشروعاتي القادمة إعداد الكتب الآتية للنشر:
1- الطبعة الثانية من كتب الرحلات: رحلاتي إلى
أوروبا، ورحلاتي إلى بلاد الإنجليز، ورحلاتي إلى مشرق الشمس
2- رحلاتي من المدينة المنورة إلى العالم العربي
(تضم مصر والأردن ولبنان وبعض مدن المملكة مثل حائل وينبع)
3- من أروقة المؤتمرات (هي تقارير عن مؤتمرات حضرتها
في أنحاء العالم تتسم أغلبها بالاهتمام بالاستشراق)
4- كتاب اللقاءات والحوارات (وهي لقاءات في الصحافة
والإذاعة والتلفاز والإنترنت)
5- كتاب قواعد عملية لدراسة الاستغراب (للدراسات
الأوروبية والأمريكية)
السؤال
التاسع: هل هناك في الغرب من تناول أدب نجيب الكيلاني كمثال منهجي للأدب الإسلامي
الحديث.
لم
أطلع على مثل هذه الدراسات وأعتقد أنه لا يغيب عن المستشرقين هذا النوع من الأدب
ولكنهم يتناولونه في أضيق نطاق وفي حدود أهدافهم في محاربة الأمة الإسلامية في
عقيدتها ولغتها. ويتركز عادة اهتمام الدوائر الاستشراقية بالأدب العربي الحديث
المتغرب. وفي مؤتمر من المؤتمرات (المؤتمر العالمي الخامس والثلاثون للدراسات
الأسيوية والشمال أفريقية الذي عقد في بودابست بالمجر) لقيت باحثة مستشرقة فسألتها
ألا تعرفون عن نجيب الكيلاني وأحمد علي باكثير وعبد الرحمن العشماوي وغيرهم من
الأدباء والشعراء ذوي التوجه الإسلامي فكان جوابها إنه لا يصلنا من العالم العربي
سوى كتابات يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ ومحمد شكري وفاطمة
المرنيسي وليلى الشيخ وأهداف سويف وأمثالهم. فتساءلت هل نحن مقصرون في إيصال هذا
الأدب إليهم أو هم لا يريدون معرفته.
السؤال
العاشر: ما توقعاتكم لأوروبا في ضوء هجرات اللاجئين المسلمين؟
لا
زلت أتذكر كتاب الأستاذ عبد الحليم خفاجي (المستقبل للإسلام في أوروبا) ويرى فيه
أن هناك فرصاً عظيمة لانتشار الإسلام وزيادة قوته في أوروبا حيث إن أجواء الحرية
تسمح لهم بالانتشار على الرغم من القيود والعراقيل ومسألة المهاجرين أو اللاجئين
إنما هي امتداد للوجود الإسلامي هناك.
وأرى
أن هناك ضرورة للاهتمام بالمسلمين في أوروبا والمسلمين الجدد فأوروبا تهتم بهؤلاء
المسلمين حتى إنهم أنشؤوا مشروعاً ضخماً لدراسة المسلمين في أوروبا ويمكن الاطلاع
على هذا المشروع من خلال الموقع الضخم جداً www.euro-islam.info، وكيف أن جامعة نيويورك على سبيل المثال عقدت دورة قبل إحدى عشرة
سنة لتدريب التربويين والعاملين في مجال التعليم على مواجهة أوروبا المسلمة أو
الإسلامية. وكذلك هناك اهتمام كبير من جامعة يوتا Utah حيث تعقد مؤتمراً سنوياً حول المسلمين في أوروبا حتى إنني كنت ضيف
برنامج الزائر الدولي في تلك الجامعة، فقلت لماذا هذا الخوف والرعب من الوجود
الإسلامي في أوروبا، إن هؤلاء القوم موجودون في أوروبا وجوداً دائماً فعليكم أن
تنظروا في الجوانب الإيجابية للمسلمين، فالمسلمون لديهم من القيم والأخلاق
والمبادئ ما يمكن أن يفيد المجتمع الأوروبي والأمريكي. وذكرت له إن من بين
المسلمين الألوف من العلماء في شتى فنون المعارف من طب وهندسة وعلوم مختلفة وعلوم
إنسانية، ويمكن لهؤلاء أن يقدموا للمجتمعات الأوروبية الكثير الكثير. وهذا الوجود
الإسلامي الفعال في أوروبا يجعلني أتساءل دائماً لماذا تبدع عقول العرب والمسلمين
في الغرب بينما يصيبها العقم إن وجدت في أوطانها الأصلية؟ والإجابة بلا شك سهلة
ميسورة إنهم يجدون الحرية والكرامة وهما شرطان أساسيان للإبداع.
ومن
المصائب أن المسلمين في أوروبا يرتبطون ببعض البلاد العربية الإسلامية التي تحاول
أن تنقل صراعات المسلمين إلى داخل أوروبا وكذلك الاستخبارات الغربية بالتعاون مع
بعض العرب والمسلمين الذين يزعمون انتساباً لهذا الدين وهم له كارهون يحاولون
العبث بالوجود الإسلامي هناك ولكن لنتذكر قول الله تعالى (إنّ الَّذِينَ كَفَرُوا
يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا
ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)
السؤال
الحادي عشر: نأمل من دار البشير تبني مشروع فكري لدراسات الاستغراب
أضمُّ صوتي إلى هذا الاقتراح وإن لم يكن في
برنامج الدار أو في رخصتها ونشاطاتها فيمكن أن تقدم جائزة لمن يكتب أفضل كتاب في
دراسة الغرب والطريقة العملية لذلك فتكون بذلك قد خدمت الموضوع خدمة جليلة.
السؤال
الثاني عشر: منْ مِنَ المستشرقين تميزت كتاباته عن حضارتنا؟
هناك العديد من المستشرقين من أُعجب بالحضارة
الإسلامية حتى لو أطلق عليها حضارة العرب أو الحضارة العربية وأذكر منهم أندريه
ميكيل وروزنثال وجوستاف لوبون وغيرهم ويمكنك أن تقرأ هذه المقالة حول هؤلاء
https://www.alukah.net/culture/0/21707/
https://platform.almanhal.com/Files/2/67982
لكن لا بد أن نتنبه إلى أن أمر الإشادة
بالحضارة الإسلامية له جانبان أحدهما ذكره مالك بن نبي رحمه الله وهو نوع من
المخدر أن نظل ندور في فلك أن أجدادنا صنعوا حضارة يتغنى بها العالم ولكننا لسنا
قادرين على أن ننتج حضارة مماثلة اليوم وبقبع في ذيل الأمم نستجدي منهم ما تنتجه
حضارتهم ومدنيتهم. أما الجانب الآخر فإن كنتم فعلاً تشيدون بحضارتنا فعليكم أن
تتعاملوا معنا بندية تليق بمن يستطيع أن ينتج حضارة مثلها اليوم وأن تعامل الأمة
الإسلامية على قدم المساواة.
السؤال
الثالث عشر: من أشهر من تحدث عن الدولة العثمانية من المستشرقين؟
لا شك أن الذين كتبوا عن الدولة العثمانية من
المستشرقين كثيرون ولعل من أشهرهم برنارد لويس الذي أصدر عدة كتب عنها، وكذلك
جيفري لويس وغيرهما كثير وحيث إنني لست متخصص في موضوعات الاستشراق المتخصصة فخير
من يجيب عن هذا السؤال الدكتور أحمد الشرقاوي وكذلك الدكتور محمد حرب وهناك غيرهما
ممن يستطيع أن يدلي بدلوه.
السؤال
الرابع عشر: ما رأيكم في الرواية التاريخية وهل ستكتب رواية تاريخية؟
الرواية التاريخية إن التزمت بحقائق التاريخ
كما كتبها المؤرخون الثقاة فأهلاً بها وكم نحن بحاجة إلى أن يكون لدينا روايات
تاريخية تبرز عظمة التاريخ الإسلامي وإنجازات الأمة الإسلامية وقيم العدل والكرامة
والحرية التي تحققت في ظلالها أكثر من أي حضارة أخرى. أما الروايات التاريخية التي
تهدف إلى تشويه التاريخ الإسلامي بوسائل عديدة فأمر مرفوض. ولا أريد أن أذكر سيء
الذكر جورجي زيدان ورواياته فهي معروفة لأي باحث جاد. أما عن كتابتي للرواية
التاريخية فلا أملك الأدوات اللازمة لمثل هذا العمل.
تعليقات
إرسال تعليق