(*(
تحتاج الكتابة حول المراكز
الاستشراقية جهداً ووقتا ذلك أن المطلوب رصد نشاطات عشرات الألوف من الباحثين
الغربيين والمسلمين لمئات من السنين. ولكن هذا المبحث الموجز يهدف الى إعطاء فكرة
سريعة عن أبرز المراكز الاستشراقية توضح بعض الملامح الأساسية لها، وتدعو إلى مزيد
من الدراسة.
إيطاليا
لا بد من البدء في إيطاليا ذلك أنها مهد
الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا، فقد كان الباباوات هم الذين وجهوا الى
دراسة اللغة العربية ومن هنا صدر القرار البابوي بإنشاء ستة كراسٍ لتعليم اللغة
العربية في باريس ونابولي وصالونيك وغيرها. وقد تعاون مجموعة من نصارى الشام مع
الكنيسة الكاثوليكية لنشر الديانة الكاثوليكية في المشرق. وقد بدأ هذا التعاون
باتحاد الكنيستين المارونية والكاثوليكية عام 1575م.وقام المارونيون بترجمة العديد
من كتب اللاهوت الى اللغة العربية
واستمر اهتمام إيطاليا بالعالم الإسلامي وظهر
مستشرقون في المجالات المختلفة ومن هؤلاء على سبيل المثال المستشرق الأمير كإتياني
الذي أصدر مؤلفه الكبير حوليات الإسلام. ومنهم أيضا المستشرق كارلو نيللو
الذي درّس الفلك والأدب في جامعة القاهرة. (يراجع نجيب العقيقي في كتابه المستشرقون،
الجزء الأول)
هولندا:
أحب
أن أذكر هنا أن كتاب الدكتور قاسم السامرائي (الاستشراق بين الموضوعية
والافتعالية) يعد مرجعاً مهماً في دراسة الاستشراق الهولندي الذي رجع بدوره
الى عدة مراجع باللغة الهولندية حول هذا الاستشراق بالإضافة الى إقامته مدة طويلة
هناك وعمله في جامعة لايدن ومؤسسة برل Brill.
فقد ذكر الدكتور السامرائي أن الاستشراق الهولندي لا يختلف عن الاستشراق الأوروبي
في أنه انطلق مدفوعاً بالروح التنصيرية، وأن هولندا كانت تدور في الفلك البابوي
الكاثوليكي(ص103)
وقد اهتم المستشرقون الهولنديون باللغة
العربية ومعاجمها كما اهتموا بتحقيق النصوص العربية. ومما يميز الاستشراق الهولندي
وجود مؤسسة برل التي تولت طباعة الموسوعة الإسلامية ونشرها في طبعتيها الأولى والثانية.
كما تقوم هذه المؤسسة بطباعة كثير من الكتب حول الإسلام والمسلمين.
ومن أبرز المستشرقين الهولنديين سنوك
هورخرونيه الذي ادعى الإسلام وتسمى باسم الحاج عبد الغفار، وذهب الى مكة المكرمة
ومكث ستة أشهر حتى طردته السلطات من هناك، فرحل الى إندونيسيا ليعمل مع السلطات
الهولندية المحتلة لتدعيم الاحتلال في ذلك البلد الإسلامي. ومن أعلام الاستشراق
الهولندي أيضا: دي خويه (ت1909) وفنسنك صاحب المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي،
وله كتاب في العقيدة الإسلامية، وكذلك المستشرق منسنك والمستشرق دوزي.
وذكر الدكتور السامرائي أن الاستشراق الهولندي
شهد في السنوات الماضية ظهور تيار من المستشرقين الشباب الذين يميلون الى النظرة
الموضوعية الى الإسلام وقضاياه وهذا مما أثار حنق وغضب المستشرقين الأكبر سناً.
ولهولندا مركز للبحوث والدراسات العربية والإسلامية في مصر. وقد تولّت جامعة ليدن
تنظيم مؤتمر عالمي حول الإسلام في القرن الواحد والعشرين في الفترة من 3-7 يونيو
1996 بالتعاون مع وزارة الشؤون الدينية الإندونيسية. وحضر المؤتمر مئة وعشرون
باحثاً من أنحاء العالم. وقد بحث المؤتمرون أوضاع العالم الإسلامي في القرن القادم
من خلال ثلاثة محاور: الإسلام والمجتمع الدولي، والإسلام والتنمية والإسلام
والتعليم. وتقرر أن يعقد المؤتمر الثاني في إندونيسيا بعد سنتين كما دعا وزير
الشؤون الدينية المغربي إلى استضافة المؤتمر الثالث في بلاده عام 2000.
فرنسا:
تعد المدرسة الفرنسية من أهم المدارس
الاستشراقية وبخاصة منذ إنشاء (مدرسة اللغات الشرقية الحية) سنة 1795 والتي رأسها
المستشرق المشهور سلفستر دي ساسي. وكان هذا المستشرق يعد عميد الاستشراق الأوروبي
في النصف الأول من القرن التاسع عشر دون منافس. (السامرائي، الفهرس الوصفي
للمنشورات الاستشراقية في جامعة الإمام ،1408، ص 15)
ويقول السامرائي (ص9) عن كتاب ساسي في قواعد
اللغة العربية إنّه "قد لوّن الاستشراق الأوروبي بصبغة فرنسية." أما
اهتمامات دي ساسي فقد تنوعت حيث شملت اللغة العربية وآدابها والتاريخ والفرق والجغرافيا.
وهي فترة كما يقول السامرائي افتقدت الى التخصص حيث كان المستشرق بمجرد دخوله هذا
المجال يظن أنه يستطيع أن يكتب في كل ما يخص الإسلام والمسلمين. ولكن هذا النمط
استمر كثيراً بعد هذه الفترة حتى يومنا هذا.
ونشط الاستشراق الفرنسي قبل الحملة
الفرنسية على مصر وبعدها، فقد اصطحب نابليون معه عدداً كبيراً من العلماء في
المجالات المختلفة ليحدث هزة انبهار لدى المسلمين وعلمائهم بالحضارة الغربية. وليزيد
في دراسة أوضاع المجتمعات الإسلامية. وقد صدر عن هذه الحملة كتاباً ضخما بعنوان وصف
مصر كما إن نفوذ الاستشراق الفرنسي استمر بعد وصول محمد علي سرششمة الى السلطة
حيث بدأت البعثات العلمية في عهده وكانت تحت إشراف المستشرق الفرنسي جومار. وقد
أرسلت تركيا وإيران والمغرب الأقصى بعثات مماثلة. ويقول الأستاذ محمد الصباغ في
كتابه عن الابتعاث ومخاطره أن السبب في أن أولى البعثات العلمية قد توجهت الى
فرنسا أنها كانت أول الدول الأوروبية التي اتخذت العلمانية منهج حياة، وان الفساد
الأخلاقي كان ينتشر فيها أكثر من غيرها من الدول الأوروبية.
ويذكر المنوني في كتابه المهم يقظة المغرب
العربي الحديث أن المشرف على البعثة المغربية كتب الى السلطات الفرنسية لتسمح
للمبتعثين بالبقاء في فرنسا مدة من الزمن بعد انتهاء مهمتهم ليتشبعوا بالحضارة
الفرنسية وعظمة فرنسا. ويقول المستشرق الإنجليزي برنارد لويس أن المعلمين
الفرنسيين الذين بعثتهم فرنسا لتدريب الجيش التركي حملوا معهم كتبا مختارة في
الأدب والفكر، كما إن الطلاب المبتعثين شُجّعوا على قراءة كتب الأدب والثقافة.
وكانت المحطة الثانية في الاستشراق الفرنسي
احتلال الجزائر عام 1830 فوجدت شعباً يفوقها علماً وحضارة وتقدماً فعملت على
تجهيله وإفقاره. فاستولت على الأوقاف وهدمت المساجد واستولت على الأراضي بالقوة أو
بفرض ضريبة عالية لا يستطيع الجزائري دفعها فيضطر الى بيع أرضه مما أدى أيضا الى
تحطم البنية الاجتماعية.
وأنشأ الاستشراق الفرنسي جامعة الجزائر عام
1880 مبتدئا بكلية الآداب، وكانت مركزا استشراقيا انطلق منه كثير من المستشرقين.
ونهب الفرنسيون الوثائق التي تعود الى العهود السابقة، كما نهبوا عشية مغادرتهم
البلاد ما تبقى من وثائق تخص فترة الاحتلال وذلك ليلزموا أبناء البلاد السفر الى
فرنسا والإقامة فيها لدراسة تاريخ بلادهم.
وأنشأ الفرنسيون في العصر الحاضر الكثير
من مراكز الدراسات الاستشراقية والأقسام العلمية في جامعاتهم ومنها جامعة السوربون
في باريس وجامعة ليون وجامعة مارسيليا وجامعة اكس ان بروفانس وغيرها. ومن المراكز
المهمة معهد دراسات المجتمعات المتوسطية، ومركز دراسات وبحوث العالم العربي
والإسلامي بإكس. وتستضيف فرنسا حالياً عدداً من الباحثين المسلمين الذي انحرفوا
عقديا وفكرياً وتهيئ لهم الفرص لبث فكرهم. ولا تكاد تفتح إحدى الصحف المهاجرة إلّا
وتقرأ أسماء هؤلاء كأن العالم الإسلامي لم ينجب إلاّ المنحرفين.
بريطانيا
أنشئت أول أقسام اللغة العربية في الجامعات
البريطانية في عامي 1632و1636 في جامعتي كمبردج وأكسفورد على التوالي. وكانت
الدراسات العربية الإسلامية يغلب عليها الطابع الفردي. ولكن في هذه الأثناء كانت
شركة الهند الشرقية تعمل جاهدة على اكمال احتلالها للهند ثم تسليمها للحكومة
البريطانية. وقد قامت الشركة بإنشاء مراكز استشراقية في الهند لتدريب موظفين
يستطيعون التعامل مع أهل البلاد. وانشئت كذلك جمعيات استشراقية مثل الجمعية البنغالية
في أواخر القرن التاسع عشر.
انتشرت المراكز الاستشراقية في بريطانيا
وظلت العاصمة لندن خالية من مثل هذا المركز حتى صرح اللورد كيرزن في إحدى جلسات
البرلمان الإنجليزي بضرورة إنشاء مثل هذا المركز وانه من المكونات الضرورية
للإمبراطورية. وتأسست مدرسة الدراسات الشرقية عام 1916، وانتقل إليه بعض
المستشرقين الكبار من أمثال توماس أرنولد والفرد جيوم وغيرهما، واستمرت المدرسة في
النمو والازدهار حتى أصبحت المركز الاستشراقي الأول في بريطانيا، بل تنافس أكبر
المراكز الاستشراقية في العالم.
وكلفت الحكومة البريطانية لجنة لدراسة
أوضاع الدراسات السلافية والأوروبية الشرقية والشرقية والأفريقية عام 1947. ووضعت
اللجنة تقريراً بلغت صفحاته اثنتين وتسعين ومئة صفحة تتضمن توصيات مهمة منها زيادة
دعم مراكز الدراسات الاستشراقية، وتوفير الكثير من الوظائف والمنح للدارسين، وحددت
اللجنة الجهات المستفيدة من هذه الدراسات وهي: الحكومة البريطانية في المقام الأول،
والبعثات التنصيرية، وهيئة الإذاعة البريطانية ووزارة التجارة والمؤسسات التجارية
التي لها مصالح مع العالم الإسلامي.
واحتاجت الحكومة البريطانية إلى إعادة
النظر في أوضاع الدراسات العربية والإسلامية بعد الحرب العالمية الثانية فكلفت
لجنة برئاسة سير وليام هايتر عام 1961 للقيام بهذا العمل. وقدمت مؤسسة روكفللر
دعماً مالياً لهذه اللجنة لزيارة عشر جامعات أمريكية وجامعتين كنديتين للإفادة من
التجربة الأمريكية في مجال الدراسات العربية الإسلامية.
وقدمت اللجنة تقريرها في حوالي مئتي
صفحة تضمنت خلاصة الرحلة الأمريكية ومقابلات مع المسؤولين عن الدراسات العربية
الإسلامية في الجامعات البريطانية، وجاءت التوصيات من جديد لدعم هذه الدراسات
والإفادة من الخبرة الأمريكية.
ولا بد من ذكر أن الاستشراق البريطاني لم
يتخل يوما عن الأهداف السياسية حتى وإن ظهرت بعض الاهتمامات العلمية الخاصة وقد
لاحظت ان هذه الصلة الوثيقة تمثلت في تكليف أحد أساتذة مدرسة الدراسات الشرقية
والأفريقية بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية عام 1954 وإلقاء محاضرات في حوالي
عشرين جامعة أمريكية والاتصال بوسائل الإعلام المختلفة .ولم تذكر وثائق المدرسة
طبيعة المحاضرات ولكنها لا تخرج عن الترويج للمواقف السياسية البريطانية تجاه
قضايا العالم الإسلامي وبخاصة قضية فلسطين حيث كانت بريطانيا تعد للغزو الثلاثي
عام 1956.
ويلاحظ أنه في بريطانيا وغيرها من
الدول الأوروبية تجد النشاطات المخالفة للعقيدة الإسلامية ترويجا وتقديراً بحجة
توفير منابر الرأي الحر، وقد رصدت لبعض الجمعيات الأدبية والفكرية نشاطاتها فوجدت
أن أمثال نوال السعداوي ومحمد سعيد العشماوي هم الذين يمثلون البلاد الإسلامية مع
أن الغرب يعلم أن هؤلاء يمثلون التمرد على المنهج الأصيل وليس لاتجاه الإسلامي
الصحيح. ومن ذلك مثلاً أن الجمعية الملكية للعلاقات الدولية وهيئة الإذاعة
البريطانية اشتركتا في عقد ندوات بعنوان:
(العلاقات
العربية الأوروبية) فلم يدع لها إلاّ أصحاب الفكر المتغرب، وكأّن القوم لا يريدون
أن يسمعوا إلاّ صدى آرائهم.
الولايات
المتحدة الأمريكية:
نشأ الاستشراق في أوائل القرن التاسع
عشر يغلب عليه الطابع الديني، ولكن مع عدم إغفال الأطماع السياسية. فكيف يكون
لبريطانيا إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس ولا يكون لأمريكا اهتمامات إمبريالية.
واشترك الهدفان وتأسست الجمعية الشرقية عام 1840 وأرسلت باحثيها الى العالم العربي
الإسلامي. وحرصت بعض الجامعات الأمريكية أن تنال نصيبها من المخطوطات الإسلامية
فاشترت جامعة برنستون Princeton
كمية من المخطوطات حتى أصبحت تضم ثاني أكبر مجموعة مخطوطات إسلامية.
ونشطت البعثات التنصيرية الى بلاد الشام
فأسست المدارس والمعاهد العلمية، وفي أواخر القرن التاسع عشر وفي عام
1889م(1307هه) وصلت الى البصرة طلائع البعثة العربية (سميت كذلك تمويها) وكانت
برئاسة المنصّر المشهور صموئيل زويمر. واستمرت هذه البعثة حتى عام 1393(1973).
وشهد الاستشراق الأمريكي نهضة شاملة
بعد منتصف القرن العشرين حينما أخلت بريطانيا مواقعها للنفوذ الأمريكي كما ذكر ذلك
مايلز كوبلاند في كتابه لعبة الأمم، ووجد الأمريكيون أنهم بحاجة الى عدد
كبير من المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط؛ فأصدرت الحكومة الأمريكية مرسوما (1952)
خصص بموجبة مبالغ كبيرة لتشجيع الجامعات على افتتاح أقسام الدراسات العربية
الإسلامية. واستقدم لذلك خبراء في هذا المجال من الجامعات الأوروبية. وحضر من
بريطانيا كل من جوستاف فون جرونباوم وهاملتون جب وبرنارد لويس وغيرهم، فأسس
هاملتون جب مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد وجرونباوم أسس مركزاً في
جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس.
وقد طوّرت الدراسات العربية الإسلامية
في الولايات المتحدة لتأخذ مفهوماً جديداً وشكلاً جديداً فقد انتهى الى حد كبير
عهد المستشرق الذي يزعم لنفسه معرفة كل ما يخص العالم العربي الإسلامي في جميع
المجالات. فأخذت الدراسات تصبح أكثر دقة وتخصصا في منطقة معينة وفي فرع من فروع
المعرفة. وقد فتح هذا التجديد المجال أمام التخصصات المختلفة لتسهم في تطور
الدراسات العربية الإسلامية بحيث تكون بعض الرسائل العلمية للماجستير والدكتوراه
تحت إشراف أكثر من قسم علمي.
ولم تقتصر الدراسات العربية الإسلامية
على الأقسام العلمية في الجامعات بل انضم إليها عدد كبير من مراكز البحوث التابعة
لمؤسسات بحثية واستخبارية لها مصالح في المناطق موضع الدراسة. ومن هذه المؤسسات:
كارنجي وفورد وراند وروكفللر، وغيرها كثير. ويلاحظ أن الحكومة الأمريكية تعتمد
كثيراً في اتخاذ قراراتها على نتائج البحوث التي تجريها هذه المراكز. فقد كلف سلاح
الجو الأمريكي مؤسسة راند بإجراء بحث عن علاقة تركيا بالغرب. كما تقوم لجان
الكونجرس المختلفة وبخاصة لجنة الشؤون الخارجية بدعوة بعض أساتذة الجامعات لإلقاء
محاضرات على أعضاء اللجان أو تقديم شهاداتهم حول قضايا معينة.
وكما ذكر عن الاستشراقين الهولندي
والألماني بوجود أصوات معتدلة فإنه ظهر في الولايات المتحدة عدد من الباحثين
ينادون بوقف التشويه المتعمد لصورة الإسلام والمسلمين في الإعلام الأمريكي أو في
الكتابات الأكاديمية ومن هؤلاء مثلا اسبوزيتو. كما يلاحظ أن بعض من يتعاطف مع
العالم الإسلامي أدرك خطل الإسراف الأمريكي في تأييد المصالح اليهودية وتقديمها
حتى على مصالح الولايات المتحدة. ومع تقديرنا لكل من يتحدث عن الإسلام بإيجابية
فينبغي أن نظل على حذر. كما إنه يتوجب على المسلمين أن يحرصوا على أن يكون لهم
وجود في خارطة الإعلام الغربي.
ألمانيا:
اهتم الباحثون الألمان بالدراسات
العربية الإسلامية منذ عهد مبكر فقد ثبت أن مارتن لوثر كان من الذين تأثروا بالفكر
الإسلامي حينما تمرد على الكنيسة الكاثوليكية في روما. ولكن موقف لوثر كان عدائيا
جداً من الإسلام وبخاصة الدولة العثمانية. وقد تميز المستشرقون الألمان بالجدية في
البحث حتى اصطبغت الدراسات الإسلامية في أوروبا في وقت من الأوقات بالصبغة
الألمانية. ويقول في ذلك الدكتور السامرائي (الفهرس الوصفي، ص 17):" ومع كل
هذا فإن المدرسة الألمانية وحدها أظهرت اهتماما علميا جادا بالإسلام في وقت مبكر
عن غيرها من المدارس الاستشراقية الأوروبية... وذكر أمثلة على هذا الاهتمام
بالمخطوطات وبالتاريخ الإسلامي حيث ظهر كتاب مغازي الواقدي وبدأ تحقيق كتاب الطبري.
وظهرت جهود بروكلمان في كتابه (تاريخ الأدب العربي)
وما زال الاستشراق الألماني مزدهراً في
العديد من الجامعات. وقد لحق الاستشراق الألماني غيره في الاهتمام بالقضايا
المعاصرة فقد قدم المستشرق رينهارد شولتز محاضرة في شهر سبتمبر 1986 في جامعة
برنستون بالولايات المتحدة بعنوان "الإسلام السياسي في القرن العشرين" وكما
هو الحال مع المستشرقين الهولنديين الشباب الذي أخذوا خطاً جديدا يتسم بالموضوعية
والعلمية فيذكر الدكتور السيد الشاهد أن هناك بعض الباحثين الألمان الذين كتبوا عن
الإسلام بموضوعية وتجرد، ودعا الدكتور الشاهد الى إجراء الحوار مع هؤلاء للإفادة
من مواقفهم المعتدلة.
إسبانيا
نشأ الاستشراق الإسباني في أحضان حركة
عدائية لكل ما هو عربي ومسلم، وكان هدفها التحقير والانتقام والتشويه. وقد وصف
المستعرب الإسباني خوان غويتسولو في كتابه في الاستشراق الإسباني (ص156)
نماذجاً من هذا النوع حين يكتبون عن الإسلام والمسلمين بقوله إنهم " إنما
يكتبون ويتصرفون وينطقون باسم المسيحية في مواجهة حضارة متدنية ، وفي أفضل
الأحوال، فإن استحضار الماضي المجيد الذي عرفه العالم الإسلامي يدفعهم الى التفجع
على نحو متحذلق على الانحطاط الحالي(انحطاطا كان في رأيهم محتما ولا مناص منه)
وعلى عجزه الطبيعي عن هضم التقدم الأوروبي "ووصف غويتسولو دراسات المستشرقين
الإسبان للغات الإسلامية بأنهم يدرسونها كما لو كانت " لغات حضارات منقرضة،
ومقطوعة عن اللغات الحالية التي هي وريثها الشرعي ،حاكمين عليها بذلك بأن تشكل
عدماً أو ما هو أقل من العدم."
واختلط الدافع الديني الحاقد بدافع
استعماري سياسي حينما بدأت حركات الاحتلال الأوروبي للعالم الإسلامي وطمعت إسبانيا
في المناطق المجاورة لها فجندت مستشرقيها لإعداد الدراسات لمعرفة" مواصفات
السكان وطبائعهم وتجارتهم وزراعتهم، وكذلك معرفة اللغات واللهجات المحلية. وقد
أنشأت الحكومة الاسبانية العديد من المراكز لتعليم العربية العامية والمغربية، وقد
تجاوزت خمسين مدرسة.
وما تزال إسبانيا تحتفظ بالكثير من
المخطوطات العربية في مكتباتها الكبرى كمكتبة الاسكوريال ومكتبة مدريد الوطنية،
ومكتبة جمعية الأبحاث الوطنية.
المراكز
الاستشراقية في العالم الإسلامي.
حرص الأوروبيون والأمريكيون على إنشاء
مراكز للدراسات العربية والإسلامية في العالم الإسلامي لتكون أقرب الى هذه البلاد
ويستخدمها الطلاب والباحثون الغربيون كمراكز للبحث والدراسة ولتعلم اللغات
الإسلامية، ولنشر الثقافة الغربية. وقد بدأ الغرب في إنشاء هذه المراكز منذ القرن
التاسع عشر حيث أنشأت البعثات التنصيرية الغربية الكليات والجامعات ومراكز البحوث
وفيما يلي بعضها:
فرنسا
1-المعهد
الفرنسي للآثار الشرقية في القاهرة(1880)
2-معهد
الدراسات العليا في تونس (1945)
3-معهد
الدراسات المغربية – الرباط (1931)
4-المعهد
الفرنسي في دمشق (1930)
ويتبع
السفارات الفرنسية في أنحاء العالم مراكز ثقافية تقدم دورات في اللغة الفرنسية
والحضارة الفرنسية، كما تقدم معلومات عن فرنسا.
بريطانيا
1-مركز
الدراسات العربية في الشرق الأوسط. شملان بلبنان
2-كلية
دلهي (1792-187)
2-كلية
فورت-وليام ب كلكتا بالهند (1799-1836)
3-كلية
الملكة فيكتوريا وهي مدرسة ثانوية بمصر ودرس بها كثير من أبناء الطبقة الثرية في
أنحاء العالم العربي، والتعليم فيها باللغة الانجليزية.
وللسفارة البريطانية في كل بلد مركز ثقافي يتبع المجلس الثقافي البريطاني
ويقدم دورات في تعليم اللغة الانجليزية، ولديهم مكتبة يقضي فيها الشباب أوقات فراغهم،
ولا بد انهم يحتكون ببعض الانجليز العاملين في هذه المراكز.
معهد
الدراسات المغربية في تطوان.
الولايات
المتحدة الأمريكية:
1-الجامعة
الأمريكية -بيروت
2-الجامعة
الأمريكية-القاهرة
3-الكلية
الأمريكية ببيروت -وهي مدرسة ثانوية درس فيها بعض كبار المسؤولين في العالم
العربي.
4-جامعة
الشرق الأوسط بإسطنبول بتركيا
5-مدرسة
الدراسات الشرقية الأمريكية بالقدس
6-المدرسة
الأمريكية للأبحاث الشرقية ببغداد.
7-معهد
الدراسات اليمنية في صنعاء باليمن.
ولأمريكا
معاهد لتعليم اللغة العربية لموظفي سفاراتها في العالم العربي في كل من تونس وفاس
بالمغرب.
واليمن
وكذلك لإجراء البحوث والدراسات على المجتمعات العربية الإسلامية.
* قمت
بإعداد كتاب عن مراكز البحوث والمعاهد وأقسام الدراسات العربية والإسلامي في
واشنطن العاصمة تعريفاً بهذه المراكز والمعاهد من حيث نشأتها وأهدافها والتعريف
بالعاملين فيها وإنتاجها العلمي ونشاطاتها مع بعض التحليل لنماذج من نشاطات هذه
المؤسسات وقد بلغت صفحات الكتاب مائتي صفحة تقريباً. وأرجو أن يطبع قريباً بإذن
الله.
تعليقات
إرسال تعليق