الحمد لله الذي خلق الأرض وجعل الإنسان
فيها خليفة ليعمرها إلى يوم الدين وصلّى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الهادي
الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
قال لي صاحب: "أراك لا تؤيد تحديد
النسل ولا تنظيمه، أليس من الأفضل أن يكون لك العدد القليل من الأبناء حتى تستطيع
التفرغ لتربيتهم بعناية كبيرة أم يكثر أبناؤك فلا يكون لديك الوقت الكافي لتربيتهم
ولا يكون في إمكانك أن تهتم بنفسك وأمور معيشتك؟ قلت له لنبدأ من قوله تعالى (وما
أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) ومما أتانا الرسول صلى الله عليه وسلم
(تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) فهو أولاً يقرر الزواج
ثم يحدده أكثر فيرغّب بزواج الودود ونصل إلى شاهدنا وهي الولود ويتسنى لنا أن نفهم
الحكمة من ذلك بقوله (فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة). ويطلب منّا سيد الكائنات
صلى الله عليه وسلم أن نزيد في سواد أمته يوم يأتي النبيون ومنهم أقوامهم ويفوز
نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه أكثر نفراً. إذاً من واجبنا أن نؤمن وأن نصدق وأن
نتبع، فإذا ما آمنا فتحت أمامنا مغاليق المنطق لمعرفة بعد نظره صلى الله عليه
وسلم.
فتحديد النسل كما ترى هو العكس تماماً مما
نصح به ديننا الحنيف بصريح القول والعبارة والمنهج والسياسة. فالجهاد في سبيل الله
لإحقاق الحق ونشر كلمة التوحيد بين البشر يتطلب إمكانات بشرية وغير بشرية واسعة ولا
يمكن للمجتمع المسلم أو دولة الإسلام أن تهيئها دون الإكثار من النسل وبالتالي
الإنتاج والاستهلاك، وفي هذا المقام يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه "لا
يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلّا ضربهم الله بالذل" وكيف لنا أن نجاهد ونحن
ما خرجنا من الاحتلال والاستعمار الغربي إلّا وقعنا فريسة لأفكارهم ومعتقداتهم أو
كدنا. وأسأل هذ الصاحب من أين خرجت نظريات تحديد النسل أو تنظيمه؟ أليس هو مالثوس
عالم الاقتصاد الإنجليزي الذي أخاف العالم وأرعبه مما سمّاه بالتفجر السكاني، ومن
القيّم على هذه الحركة (حركة تحديد النسل وتنظيم الأسرة) غير الغرب وهل أراد الغرب
لنا خيراً في يوم من الأيام؟ إن الغرب حين يقوم بصرف المبالغ الطائلة والجهود
البشرية المكثفة لنشر ما يسميه ب تنظيم النسل (خوفاً من مواجهة الناس باسمها
الحقيقي) إنه لا يفعل هذا إلّا لتحطيم مجتمعاتنا وتقويض أركان عقيدتنا وإضعاف شوكتنا
وإبقائنا تحت إمرته.
وإن ذكر هذا الصاحب قول بعض الصحابة (كان
القرآن ينزل وكنّا نعزل) أقول كان هذا يحدث على مستوى أفراد قلائل لم يكن له تأثير
على زيادة سواد المسلمين وتجييش الجيوش للجهاد في سبيل الله وإقامة الحضارة
والمدينة الإسلامية. أما اليوم ويصبح التحديد والتنظيم عمل شائع يقوم به الكثير
دون الالتفات إلى مضارّه البعيدة والقريبة المدى فهذا هو هدف الغرب يتحقق.
والتناسل في فكر الغرب شيء مادي بحت بينما
هو عندنا نحن المسلمين روحي مادي، فالأبناء هبة من الله لا نملك لها رداً ولا
تأخيراً ولا تقديما، ومعنى الحديث الشريف أن هذه النطفة لو كانت على صخرة صمّاء
وأراد الله أن يخلق منها بشراً لخلق ونأتي نحن بقوانا البشرية المحدودة وعقلنا
القاصر نعتقد أننا قادرون على ذلك وأنّى لنا.
وخلاصة القول إنه لا حاجة بنا إلى الخوف
مما يسميه الغرب بالتفجر السكاني فقد حبانا الله بثروات لا طائل لها نرجو أن نكون
لها من الشاكرين، ومن أراد التأكد من ذلك فما عليه إلّا أن يفتح قلبه وعقله وينظر
حوله. أما التنظيم والتفرغ للتربية وهذا أيضاً من خلق الغرب فانهيار العلاقات
والروابط الأسرية والسعي الأعمى وراء المادة وطلب الكماليات والبحث عن الترف
والنعيم لا يتركان مجالاً للأب أو الأم أن يكونا سكناً لبعضهما البعض ناهيك عن
الأبناء. فلو جعنا إلى منهجنا الإسلامي في الحياة لوجدنا أن الإنسان ليس في حاجة
إلى تحديد ولا إلى تنظيم وما هذه إلّا مسميات لخطط هدامة تحاك ضد الإسلام وبقية
شعوب الأرض. نرجو الله أن يحصننا منها (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا
يعلمون)
12ربيع
الآخر 1395هـ
مازن صلاح مطبقاني
كلية
الآداب
مرجع
: حركة تحديد النسل لأبي الأعلى المودودي
تعليقات
إرسال تعليق