لقد قمت من
أجل كتابة هذا الكتاب بإجراء مئات المقابلات مع بنات صغيرات من كمبوديا وتايلاند
والهند وأوغندا وأفريقيا الجنوبية وأوروبا الشرقية. لقد واجهت هذه القصة الأساسية
في كل مرة. وكان ثمانون بالمائة منهن نساء وخمسون بالمائة أطفال ([14])
أُخذوا إلى مكان لا يعرفونه وبغياب الحماية القانونية وشبكة الأسرة وقعوا في الر.
ويقترح استمرارية خط القصة آلية التجارة العالمية.
وكما هو الأمر
في أي سوق فإن تجارة الرقيق يحكمها مسألة العرض والطلب حيث يحقق المجرمون أرباحاً
مجزئة من العمال بلا أجر؛ إنهم الأرخص لإنتاج السلع أو في استخدامهم في الرق
الجنسي أو الخدمة المنزلية لتقديم خدمات بشرية ذات قيمة. وبسبب هذه الفوائد
المالية يتطلع مالكو الرقيق أن ينافسوا بنجاح في أي سوق غالباً. وترتفع هوامش
الربح وفقاً لارتفاع الطلب.
قد لا ندرك
كيف أن كل واحد منّا يدفع الطلب خلال حياتنا اليومية ويعبّر كيفن بيلز Kevin Bales وهو من رواد محاربة الرق الحديث هذه الشبكات التجارية
بقوله" فالرقيق في باكستان قد يكونون هم صنع الأحذية التي نرتديها والسجاد
الذي نقف عليه، والرقيق في الكاربيان هم من وضع السكر في مطابخنا والألعاب في أيدي
أطفالنا. وفي الهند هم من نسج القميص الذي نرتدي ولمّعوا الخاتم في إصبعنا" ([15])
ولضمان
استمرار تدفق العاملين فإن مالكي الرقيق يعتمدون على تجار الرقيق لمواجهة طلباتهم.
وتاجر الرقيق يمكن أن يكون من يوظفهم أو يتجر بهم وغالباً يقوم أفراد لكلا
العملين. وتتضح قدرتهم معضلة لمواجهة الطلب على الرقيق إذا واجهوا أحد شرطين: أن
يكون هناك ندرة في المتوظفين الجدد أو القيام بهذا النشاط غير المشروع مخاطرة
حقيقية. وفي معظم العالم اليوم فإن هذين الشرطين لا يشكلان أي عائق وعلى العكس
فهناك وفرة في الأيدي العاملة وليس هناك ثمة خطورة أو تهديد من القانون. وهكذا فإن
تجارة الرقيق تنمو بوتيرة سريعة.
إن انتشار
الفقر وعدم المساواة الاجتماعية تضمن فائضاً من الأيدي العاملة عميقة كعمق
المحيطات. إن الوالدين اللذان يواجهان أوضاعاً يائسة يمكنهم بيع أطفالهم أو يكونون
قابلين للظروف التي تسمح لتجار الرقيق بالسيطرة على حياة أبنائهم وبناتهم. إن
النساء الشابات في مجتمعات الضعيفات هن الأقرب أن يغامرن بقبول عرض عمل في مناطق بعيدة،
فالفقراء معرضون للموافقة على قروض يقوم تجار الرقيق فيما بعد باستغلالها ليسرقوا
حريتهم. وكل هذه الطرق تحمل فرصاً غير مشكوك فيها في توفير سلاسل من العبيد.
"إن جانب
الإمداد من المعادلة مؤلم بصفة خاصة " كما يقول النائب سام بروواك
"بينما هناك مائة ألف مكان في العام المتقدم كملاذ لاستقرار اللاجئين كل سنة،
فهناك خمسون مليون لاجئ وأشخاص نزعوا من مكانهم في العالم اليوم. هذا النبع الجاهز
لأشخاص لا دولة لهم هم فرصة جاهزة للاستغلال من قبل المتجرين بالبشر"([16])
وخلال فترة
الاقتصاد الأمريكي القائم على الزراعة عدّ تجار الرقيق أن امتلاك الرقيق استثماراً
وكان إمداد اليد العاملة محدوداً، وكانت تكاليف استخراج الرقيق ومواصلاتهم وضمان
أن يكونوا صالحين للخدمة حين يصلون إلى مكان الخدمة يعد كبيراً. ومع أن مالكي
الرقيق عاملوهم كأنهم حيوانات وكان ذلك يساوي معاملة الثور الهدية. وكان هدف مالك
الرقيق أن يحقق قيمة استثماره خلال مرحلة حياته. وكان دليل الملكية هدفاً مهماً.
وفي تجارة
الرقيق الحديثة فائض من الرقيق والقدرة على نقلهم مسافات طويلة في وقت قصير نسبياّ
يحول اقتصاد ملكية الرقيق بشكل كبير، فالتكاليف النسبية تجعل الرقيق لا يصلحون
كاستثمار طويل الأجل، وإن حقيقة أن ملكية الرقيق غالباً غير شرعية عالمياً لا
نتائج لها وليس على مالك الرقيق أن يقلق في المحافظة على صحتهم، ويصف كيفن بيلز
بأن الرقيق الحديث "أناس قابلون للرمي" مناسب جداً تماماً مثل البطاريات
المستعملة فحالما يؤدي الرقيق الغرض منه أن تنتهي الحاجة إليه فناك البديل وبثمن
ليس كبيراً ([17])
ودون النظر
إلى الاتجاهات الحديثة في الأسواق العالمية فلا تزال طرق الاسترقاق التقليدية
مستمرة. لقد وجدت العمالية المقيدة لقرون ولا تزال الطريقة الأكثر شيوعاً من أنواع
الرق في العالم اليوم. ففي سيناريو معتاد يقع الفرد تحت سيطرة مالك ثري بعد أخذ
قرض صغير ويضيف المالك نسبة بسيطة من الربح ويضخم التكاليف بإضافتها إلى التكلفة
الأصلية حيث يجدها العامل من المستحيل سدادها. فرقيق الديون ينفقون حياتهم كلها في
خدمة مالك رقيق واحد وتنتقل التزاماتهم إلى أطفالهم. ومن بين السبعة والعشرين
مليوناً من الناس حول العالم الخاضعين للعبودية والاستغلال من أجل الربح فتقدير
منظمة تحرير الرقيق تقدر على أن خمسة عشر مليونا هم عبيد مقيدون في الباكستان
والهند وبنجلاديش والنيبال ([18])
إن قصة بوندا
التي لقيتها في أثناء سفري في جنوب آسيا توضح بالتصوير ابتلاء العمال المقيدين.
لقد استخدم مالك مطحنة رز قروضاً صغيرة لاسترقاق قرية بوندا بكاملها. لقد عمل
العمّال ثمانية عشر ساعة في اليوم ومنعوا من تجاوز جدران المطحنة دون مراقبة وبعد
سنوات من الاضطهاد انهارت زوجة بوندا ذات يوم وقتلت نفسها، وكان يأسه لفقده أطلق
بوندا تحذيره للريح وقد يوماً بوابة في المطحنة مفتوحة وانطلق.
ولم يعامل
مالك المطحنة موظفيه بلطف وأرسل مجموعة لتطارد بوندا وألقوا عليه القبض دون مشقة
وأعادوه إلى المطحنة وجمع مالك المطحنة كل عبيده في اجتماع عام في وسط المجمع ومن
أجل تأديبهم استخدم عصاً ليضرب بوندا حتى ليس بينه وبين الموت مسافة. وعندها قام
بتقييده وهو غائب عن الوعي وربطه في جدار في المنطقة التي يسكنها عبيده وأصبح هذا
سريره يقوم بأداء عمله ثم يعود إلى قيوده.
ويسعدني أن
أنقل النهاية السعيدة لقصة بوندا، فهناك مؤسسة محاربة الرق اسمها منظمة العدل
الدولية IJM قامت بحملة على مطحنة الرز
وحررت بوندا وقريته كلها. وقامت الشرطة المحلية باعتقال مالك المطحنة وحاكمته على
جرائمه. وفي هذا الكتاب أقم تفصيلات كيف أن فريق منظمة العدل الدولية الشجاع من
المحققين في الجرائم والمحامين يعملون مع وكالات قوات الأمن المحلية لإنقاذ الرقيق
من أوضاع مؤلمة حول العالم. إنّ مساعيهم التي لا تعرف الكلل والملل نحو العدل
نيابة عن البريئين على الرغم من المخاطرة الشخصية الكبيرة والتضحيات قد أعطتني
الإلهام أكثر من الكلمات.
وكان ذلك هو
المفاجئة غير المتوقعة لرحلتي لمراقبة ازدياد الرق حول العالم. لقد وجّهت نفسي
عاطفياً أن أصل إلى أعماق الاكتئاب واليأس. ولأكون صادقاً فقد مررت بمواقف غير
سارة في حياتي ومنها اليوم الذي تخفيت فيه لفحص بيت دعارة في نوم بن Phenom Penn مثلاً حيث شعرت بحزن شديد. فقد دعاني مالك بيت دعارة أن أختار واحدة من
الفتيات اللاتي أعمارهم 13 سنة اللاتي كن يزحمن الصوفات أمامي، وبزيادة بضعة
دولارات كان بإمكاني الحصول على ثنتين منهن لكل الليل كما عر عليّ. لم أتحمل أن
أفكر بحال البنات اللاتي تعرضن لذلك عشرات المرات كل ليلة.
ولكن حالي لم
ينتهي في وضع اليأس، وكان السبب الرئيسي أنني قابلت نماذج بطولية من محاربي الرق
يرفضون الاستسلام. شعرت كأنني رجعت إلى الوراء وحصلت على ميزة تناول وجبة مع هاريت
تبمان Harriet Tubman أو مع وليام ويلبرفوس William Wilberforce أو فريدريك دوجلاس Fredrick Douglas أمثال محاربي الرق في الماضي، هؤلاء الأبطال المحدثين لا
ينفقون طاقاتهم تعيقهم الظروف الواقفة أمامهم وأمام حركات معاداة الرق. إنهم
ببساطة يرفضون عالماً يمكن أن يكون الفرد في ملك شخص آخر.
وتُعدّ كرو
نام Kru Nam واحدة من محاربي الرق الذين
يعملون في الخطوط الأمامية في الحرب ضد عبودية الجنس وهي رسّامة وتحمل درجة جامعية
في الفن وقررت أن تستخدم موهبتها الطبيعية لمعالجة البلاء فأطلقت مشروعاً لتصل إلى
أطفال الشوارع في مدينة تشيانق ماي Chiang Mai ثاني أكبر مدينة في تايلند. وحالما أطلقت الأولاد ومعهم
فرشاة الرسم صنعوا سلسلة من الصور المزعجة مضيفين إلى القصة المرعبة.
وأدركت كرو
نام سريعاً أن معظم الأطفال ليسوا من تايلند حيث جاء معظمهم من بورما وبمزيج من
الدهانات شارك الفيتناميون والكمبوديون في الخليط، ومن خلال رسوماتهم استطاعوا أن
يخبروا كيف وصلوا إلى شوارع تشاينق ماي.
تحدث الأولاد
البورميون عن الرجل المحترم التايلندي الذي زار قريتهم في جنوب بورما وبرفقته ولد
بورم عمره أربع عشرة سنة كان يرتدي ملابس جيدة ويتحدث اللغة التايلندية بطلاقة،
وشرح الرجل للوالدين أنه يقدم منحاً دراسية للأولاد الصغار للدراسة في تايلند،
وأنه سيدفع تكاليف المدرسة ويتكلف بمعيشتهم "انظروا إلى هذا الولد من منطقتكم
كيف أصبح وإذا سمحتم لي بأخذ ولدكم سأفعل له الأمر نفسه"
وعلى الرغم من
أن الناس القبليين البورميين كانوا مترددين لمفارقة بناتهم الصغار فإنهم أعطوا
الرخصة للأولاد أن يرحلوا بعيداً بحثاً عن المعيشة، وكثير من الأسر وافقت أن تترك
أولادها ليذهبوا مع الرجل التايلندي، وحالما وصلوا تشايق ماي قام الرجل التايلندي
ببيعهم لملاك حانات الجنس وبيوت الدعارة.
وكان الأولاد
الذين يعيشون في الشوارع محظوظين لأنهم استطاعوا الهروب فقد أخبروا كرو نام أن
كثيراً من الأولاد لا يزالون محتجزين في حانات الجنس وغلى الدم في عروقها كيف لم
تستطع أن تقف متفرجة دون عمل شيء ما.
لم يكن لدى
كرو نام خطة عندما سارت إلى حانات الجنس في حملتها الأولى، ولكن كانت رسالتها
واضحة: أنقذوا بقدر ما تستطيع من الأولاد الذين تجدهم. وقد أخبرها أولاد الشوارع
أن المالك كان يحتجز عشرات الأولاد بين أعمار العاشرة والثالثة عشر ويُجبر الأولاد
على ممارسة الجنس مع الزبائن الذين يدفعون المقابل.
لم تحاول كرو
نام التفاوض مع المالك، كانت تعرف أن عليها ألا تضيع وقتها، ولكن لخيبة أملها لم
يكن هناك أكثر من ستة أولاد يجلسون على طاولة الترفيه لترفيه الزبائن الرجال بينما
كان الأولاد الآخرون في مواعيد مع رجال آخرين.
لم تكن بحاجة
إلى مؤرخين فاقتربت من الأولاد واحداً واحداً حيث كان يجلس ولد بهدوء وقالت دعنا
نذهب سآخذك بعيداً من هنا، وبعد لحظات كان برفقتها ستة أولاد وخرجت بهم من الباب
إلى منزلها الآمن في مدينة تشاينق ماي.
وعلى الرغم من
أن كرو نام قامت بعدة زيارات لحانات الجنس كان عليها أن تكون حذرة فقد نشر الملاك الكلمة
أنهم سيقتلونها إذا دخلت حاناتهم.
وقامت
باستخدام استراتيجية جديدة وهي تكون فرق شوارعية لمهاجمة سوق الليل في مدينة
تشاينق ماي والاتصال بالصغار حال مغادرة الحافلة من الحدود البورمية التايلندية
وطاف الباحثون عن الطفال في الشوارع للبحث عن الأطفال القابلين للصيد. لقد تحول
الأمر إلى صراع بين الحياة والموت للوصول إليهم أولاً.
وخطرت لكرو
نام ذات مرة أنها إن تحركت إلى أعلى الجدول قبل أن يصل الأولاد إلى تشاينق ماي
سيكون لها الغلبة على الباحثين عن الأولاد، ولذلك انتقلت أربعين ميلاً إلى الشمال
إلى الحدود حيث مدينة ماي ساي Mae Sai وهي مدينة
رئيسية لتجارة الأقدام بين بورما وتايلند.
وفي ماي ساي
أنشأت ملجأً للأطفال الهاربين وقد وجد ستون طفلاً من الأولاد والبنات ملجأ كل ليلة
عن كرو نام وكان عليها أن تغيّر موقع المنزل عدة مرات وقد أجبرها الجيران على
الرحيل في كل مرة فهم لا يريدون هؤلاء "الأولاد القذرين" في منطقتهم.
ولذلك قامت بشراء قطعة كبيرة من الأرض تبعد حوالي 15 ميلاً من مدينة ماي ساي في
منطقة المثلث الذهبي حيث تلتقي حدود كل من لاوس وبورما وتايلند. لم يكن لديها
المال الكافي لبناء سكن مناسب ولذلك اضطر الأولاد أن يسكنوا في ملاجئ مؤقتة مع كرو
نام.
لا يمكن
التأثير على كرو نام وليس لديها منظمة كبيرة تقف خلفها وكل ما لديها هيكل من
الموظفين لا يزيدون على ثلاثة مساعدين وتتلقى مساعدة متواضعة من مؤسسة غير حكومية
في تايلند ولك ما لديها عاطفة متوقدة لإنقاذ هؤلاء الصغار من البنات والأولاد حتى
لا يلقوا في أيدي ملاك العبيد الشريرين.
ولا تعرف كرو
نام لويس بورجا التي تنقذ البنات والأولاد الذين يُجبرون على العمل في بيوت
الدعارة في ليما، بيرو، ولم تكن قابلت بادر سيزر لو ديزتو Pader Cesare Le Diserto الذي يسرق البنات المتاجر بهن من مافيات
أوروبا الشرقية، ولكنها تشترك معهم في النداء الذي أتحدث عنه في هذا الكتاب. لم
يخرج أي منهم للبحث عن الرق، وكلهم مدوا يداً مخلصة للاجئ بحاجة أو مشرد من أطفال
الشوارع وتعرض لمعرفة الاتجاه القبيح للاتجار بالبشر، وانتقالهم من عمر مفرد إلى
المحاربة من أجل العدل على نطاق واسع هو الصورة الكبيرة لمحاربة الرق.
ويهدف هذا
الكتاب ليكون دليلاً لمحاربة الرق في العصر الحاضر، وبهذا الخصوص فإنه لا يتظاهر
بأنه دراسة مستفيضة للرق العالمي في القرن الواحد والعشرين وإنما يتبع طريق مجموعة
من محاربي الرق غير العاديين في أوضاعهم المختلفة ونتوصل إلى الإحساس بالذين وقعوا
ضحايا ونبحث في حالهم التاريخي والقوى الاجتماعية التي تشكل زمنهم ومكانهم، ونتعرف
على كيفية يقاومون استخدام تجار الرقيق القوة والعنف لاستغلال الضعفاء، ونكسب
فهماً داخلياً في الاستراتيجيات المحددة التي يستخدمها محاربو الرق ليحققوا الحرية
للضحايا.
هذه القصص
توضح أن محاربي الرق في العصر الحديث ليسوا من النوع نفسه، إن النساء اللاتي يحتضن
الجنود الأطفال في أوغندا يتحركن في عالم مختلف عن أولئك المحاربين للرق في لوس
أنجلوس الذين يواجهون عمال السخرة في مصانع الأزياء. يطلق رجل أعمال سويسري للرقيق
المحرر في كامبوديا بنما يستخدم محام مولود في أمريكا نظام العدل لتحرير قرية
كاملة في جنوب آسيا. يعتمد بعض محاربي الرق على إيمانهم بالله بينما يخلصون للحب
والعدل الذي يلهم الآخرين.
وعلى الرغم من
أوضاعهم الفريدة فإن هؤلاء المحاربون للرق يشتركون بفهم عام للحظة المعاصرة ،
يدركون أن الحرية البشرية تقف في مفترق طرق في زماننا ومن قوى كبرى تهدف إلى تحويل
البشر إلى سلع يمكن بيعها وشراؤها كأي قطعة نملك لتعلن (ليس للبيع) يؤكد أن كل فرد
لديه الحق غير الغريب أن يكون حراً وأن يواجه مصيره الذي قرّره ربّه.
ولإلهام
الآخرين أن يشتركوا معهم هو هفي الأكبر لكتابة هذا الكتاب فمحاربي الرق الذين
أعرضهم هنا هم استثنائيون حقاً ولكنهم لن يستطيعوا كسب المعركة وحدهم، إنهم
يواجهون قولا أكبر منهم ويحاربون. ومع أن كرو نام تتمتع بالشجاعة ولديها إمكانيات
ولكنها لا تستطيع وحدها أن توقف تجارة الرقيق في تايلند فمدى مشروعها ومنظوره في
حدود العادي لمنظمة محاربة الرقيق، فهم يحتاجون بإلحاح إلى الدعم وموجة جديدة من
محاربي الرق للاشتراك معها في هذا الصراع.
يلاحظ طلابي
في جامعة سان فرانسسكو غالباً أنهم لو ولدوا في الزمن الخطأ وفوق كل ذلك فإن كل
القضايا المهمة في التاريخ قد حسمت، وكأنهم ولدوا عام 1975 في ليفربول رغبة متدفقة
لموسيقى البوب ولديهم حب عميق ليكون لهم حرفة ولكن لقد انتهى الأمر.
لا يمكن أن
يكونوا أكثر خطأً لقد وصلنا للحظة حاسمة في صراعنا من أجل حرية البشر، ارتفعت
الستارة والمستقبل ينتظر ما ذا سيكشف. وكلنا نتعجب كيف كنّا سوف نتصرف في هذا
الصراع الأسطوري في التاريخ البشري. هل كنّا سوف نقف ونُعدّ ومن اشجعان ودعاة
العدل؟ كيف كنّا سنستجيب في عام 1942 عندما طرق الجنود النازيون أبوابنا بحثاً عن
جيراننا اليهود؟ هل كنّا سنكون من المتعاونين الذين يكشفون للجنود، هل يمكن أن
يجدوا اليهود في حيّنا؟ أو كنا سنلعب دور المتفرج الذي يتظاهر بالجهل الذي لا يهتم
إلّا بشأنه ونشاهد الدراما وهو تتكشف من نافذة غرفتنا الأمامية؟ أو ربما قمنا
بالجرأة وتصرفنا كمدافع وأعطينا جيراننا ملجأً في غرفة داخلية أو ساعدناهم ليهربوا
عبر الحدود؟ أو كنّا سنقف ليعدونا ضمن من يطالب بالعدل؟
تصوروا أننا
كنّا نعيش في ولاية تنسي عام 1855م وجاءت هاريوت توبمان إلى بابنا "نحن نقوم
بتهريب رقيق هارب عبر سكة حديد الأنفاق ونحتاج منازل آمنة حيث يجدون المأوى
والطعام والراحة" يمكن أن تكون قالت: توصلنا إلى نقطة الحقيقة "المخبرون
في الشبكة يقولون إنكم قد تكونون مستعدين لفتح منازلكم كمحطة هل يمكن مساعدتنا؟ لو
جاءت هاريوت توبمان تنادي هل كنّا سنقف مع العدل؟
وما ذا لو
كنّا برفقة اليسوعيين الذين أسسوا منظمة في العالم الجديد في عام 1624ويهددنا تجار
الرقيق الإسبان لإلغاء مهمتنا حيث عمل السكان الأصليين ويحافظون على روابطهم
القبلية "نحن نسيطر على هذه المنطقة" كان يمكن أن يكونون قالوا أنتم
تفسدون تجارتنا الرابحة في المواطنين الأصليين" ألغوا منظمتكم حالاً أو سنقوم
بإغلاقها بطريقتنا، هل سنقف في وجههم ونعدّ ضمن أهل العدل"
هناك أوقات
لقراءة التاريخ وهناك أوقات لصناعة التاريخ نحن نعيش الآن في تلك اللحظات الملحمية
في المعركة من أجل حرة البشر. لا علينا أن نتعجب كيف يمكن أن نستجيب للحظة
الحقيقة. نحن الذين نقف على المسرح ونستطيع تغيير اتجاه رياح التاريخ بتصرفاتنا وأجيال
المستقبل ستنظر إلى الخلف وتحكم على اختياراتنا وسوف نلهمها أو نكون مخيبين
لأمالها.
يمكنك أن تظن
أن في الأمر دراما ولكني لا أعرف طريقة أخرى للتعبير على الإلحاح في إنقاذ مليون
طفل التي تقد اليونسف يجبرون على أن يبيعوا أجسادهم اليوم للمستغِلّين جنسياً، وفي
بلد واحد أوغندا مثلاً هناك أربعون ألف اختطفوا وأُجْبِروا على العمل جنوداً أو
رقيقاً جنسياً، وفي جنوب آسيا يُجْبر كل يوم ملايين الأطفال لتكسير الصخور من
مقالع الحجارة أو يلفون السجائر في مصنع، إن مصائر الأطفال حول العالم معلّق وهم
لا حول لهم ليصبحوا أحراراً.
وكما قدّم
إدموند بورك Edmund Burke التحدي بطريقة بليغة قبل قرنين
كل ما يحتاجه انتصار الشيطان أن الرجال (والنساء) الطيبين أن لا يفعلوا شيئا"
تعليقات
إرسال تعليق