التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الوقف والتنمية الاجتماعية في الإسلام

عقدت قبل أيام ندوة مباركة في رحاب البيت العتيق حول الوقف ودروه في التنمية الاجتماعية والثقافية في حياة الأمة الإسلامية ودعيت للكتابة حول الوقف وأهميته في حياة الأمة، وأردت أن أستجيب للدعوة الكريمة لولا أنني لم أجد الوقت وفيما كنت أبحث في ملفاتي وجدت أنني كتبت عن أهمية الوقف تعليقاً على مؤتمر عقد قبل أشهر وكان مؤتمراً عالمياً حول التنمية الاجتماعية للنظر في أحوال الدول الفقيرة وكيف يمكن للدول الغنية مساعدتها كما يزعمون. وفيما كنت أتابع وسائل الإعلام في حديثها حول هذا المؤتمر التقطت مقابلة إذاعية مع الكاتب الإسلامي المعروف الأستاذ فهمي هويدي. وقد أشار الكاتب الفاضل في حديثه إلى مؤسسة الوقف في الإسلام وأهميتها في تحقيق التوازن في المجتمع الإسلامي بالتعاون مع المؤسسات الأخرى كالزكاة والهبة والصدقة والميراث والتوزيع العادل للثروة والتكافل الاجتماعي بصورة المختلفة.
        ولمّـا كان حوار الإذاعة محدد بزمن قصير فلم أستطع أن أحتفظ في ذهني بكثير من المعلومات التي أوردها الأستاذ فهمي هويدي، ولذلك رجعت إلى كتاب مهم من كتب " التنوير " الحقيقي وهو كتاب الدكتور المجاهد الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله تعالى من روائع حضارتنا وفي هذا الكتاب فصل مهم عن المؤسسات الخيرية في الحضارة الإسلامية تحدث فيه السباعي عن الوقف وكان مما قاله:" كان الوقف هو الحجر الأساسي الذي قامت عليه كل المؤسسات الخيرية في تاريخ حضارتنا. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من ضرب المثل الأعلى لأمته، فأوقف سبع بساتين على الفقراء والمساكين والغزاة وذوي الحاجات.. ثم تتابع المسلمون بعد ذلك جيلاً بعد جيل يوقفون الأراضي والبساتين والدور والغلات لأعمال البر."(ص136-137)
ومن المؤسسات الخيرية بناء الخانات والفنادق للمسافرين المنقطعين ذوي الفقر، ومنها التكايا والزوايا التي ينقطع فيها من شاء لعبادة الله عز وجل، ومنها بناء بيوت خاصة للفقراء. ومن المؤسسات الخيرية التي أفرد لها الدكتور السباعي فصلاً خاصاً المستشفيات والمدارس. وقد تناولت الأستاذة زينب أحمد حنفي في مقالتها في جريدة عكاظ يوم الأحد 27محرم 1416 هذا الموضوع تحت عنوان (مستشفيات كوقف إسلامي) وأشارت إلى أن الدعوة إلى إنشاء هذه المشروعات لا يقلل أبداً من الجهود المباركة التي تبذلها وزارة الصحة في بلادنا، ولكنه سيكون مجالاً للأثرياء من أبناء هذه البلاد الذين منّ الله عليهم بنعمة المال أن يضعوا المال في مجال تحتاجه الأمة. وختمت مقالتها بقولها بأن تطبيق هذا المشروع "سيخفف الضغط على المستشفيات الحكومية، وإلزام الجميع بالتعامل مع الطب كمهنة إنسانية قبل كل شيء"
    وثمة جانب مهم في هذا الموضوع وهو الأوقاف الخاصة -وقد كتبت مرتين من قبل-التي لا تزال الإفادة منها محدودة كما يشير إلى ذلك كثير من الناس لأسباب متعددة لا أريد العودة إلى الحديث عنها، ولكني قرأت قبل أسابيع أن إحدى الدول المجاورة قد أنشأت مؤسسة أو هيئة خاصة للإشراف على هذه الأوقاف ومتابعة استغلالها الاستغلال الصحيح وتوزيع الواردات بأمانة وعدل. فهل لنا أن نفكر في دراسة هذا المشروع وتبني تطبيقه على الأوقاف الخاصة. ويمكن البدء في المشروع بتوزيع استبانات على أصحاب الأوقاف الخاصة الحالية ومدى الإفادة منها وتحقيقها للهدف الذي أراده الأسلاف رحمهم الله تعالى فكم من الأوقاف لا يعرف أصحابها عنها شيئا لأن بعض النظار يعتقدون أنه ليس من حقهم أن يعرفوا أي شيء.
        وأضيف إن كثيراً من المدارس الوقفية لم يعد لها وجود فليس في المدينة المنورة سوى عدد محدد من هذه المدارس مع أن هناك عشرات الأوقاف لمدارس ليست موجودة في أرض الواقع وباستطاعة هذه الأوقاف أن توفر عدداً طيباً من المقاعد الدراسية لأبنائنا وإخواننا المقيمين معنا لو فتحت فهل ينظر في ذلك؟ كما أن هناك أوقاف على طلبة العلم فهل يجعل جزء منها لاستضافة العلماء ومكافأتهم لإلقاء المحاضرات وإعداد البحوث ودعم مشروعات البحث العلمي المعطلة أو المتعثرة؟ والله الموفق

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...