([1])
نشرت إحدى الصحف في صفحتها الأخيرة يوم
الجمعة 16 ذو القعدة 1413هـ خبراً بعنوان" الأجهزة الإلكترونية تقبض على
المجرمين في بريطانيا" تناول أهمية الأجهزة الإلكترونية- وهي الكاميرا
المنصوبة في الشوارع – في القبض على المجرمين، وكيف استطاعت هذه الأجهزة في
المساعدة في تخفيض عدد الجرائم، فهل هذا النجاح في السيطرة على الجريمة سيستمر؟ إن
المجرمين سيعرفون مواقع هذه الكاميرات ويبطلون مفعولها وتعود الجريمة إلى
"الازدهار" من جديد، وعند ذلك ستفكر الجهات الرسمية في البحث عن وسائل
أخرى للكشف عن الجريمة قبل وقوعها أو بعد وقوعها.
لا شك لدي أن العلماء الغربيين لم يتوقفوا
عن إجراء البحوث لمعرفة دوافع الجريمة وكيفية مواجهتها والقضاء عليها، بيد أن
بحوثهم لا زالت قاصرة عن الوصول إلى معرفة دوافع الجريمة واقتراح الحلول المناسبة
للحد منها. فالمادية الطاغية التي تسيطر على الغرب قد حطّمت نسبة كبيرة جداً من
النوازع الفردية في الابتعاد عن الجريمة بل عدم ارتكابها أو مقاومتها. ولقد وصل
الغرب هذا المستوى المنحط من المادية خلال قرون من الانفصال بين الدين والحياة
(العلمانية المقيتة). ولقد سار الغرب في طريق إقصاء الدين إلى حد اللارجعة إلّا أن
يشاء الله للغرب الهداية، ونقوم نحن المسلمين بدورنا الحقيقي في تطبيق الإسلام
والدعوة إليه.
ولعل من أعظم ما تتميز به هذه الأمة
"التقوى" "التقوى" التي تحكم تصرفات الفرد من أدق التصرفات إلى
أعظمها شأنا، فالتقوى كما عرّفها العلماء المسلمون "العمل بالتنزيل والخوف من
الجليل والاستعداد ليوم الرحيل" وسئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن التقوى
فقال: أرأيت لو كنت في طريق فيه أشواك فماذا تفعل؟" ولا تقتصر التقوى على
الفرد في شؤونه الخاصة بل إن الله عز وجل أمر زعماء هذه الأمة أن يراعوها في
العقود والاتفاقيات الدولية أيضاً. وقد نصح أحد المربين تلميذاً له أن يكرر قول
"الله معي، الله يراني" فكان هذا دافعاً له للابتعاد عن الذنوب.
ويروى عن أحد علمائنا أنه واجه مجموعة من
اللصوص – حينما كان في سني طلب العلم- فسألوه عمّا عنده من مال فلم يكذب عليهم،
ولمّا سأله كبير اللصوص عن سبب صدقه، أخبره بنصيحة والدته أن لا يكذب. وهنا أفاق كبير
اللصوص فقال هذا الغلام لا يكذب لأمر تلقاه من أمه وأنا أعصي الله ... فتاب وتاب
بقية اللصوص.
وقد ثبت في السنّة الصحيحة اعتراف رجل
وامرأة بالزنا وإصرارهما على التطهر من الذنب الذي ارتكباه، وقد كانت العقوبة
تطهيراً لهما، فهل بلغت أمة من الأمم هذه الدرجة الرفيعة في مراقبة الذات؟
إن العودة إلى الوازع الديني كفيل
بالقضاء على الجريمة إلى حد كبير، وهذا لا يعني أن تتراخى السلطات عن المراقبة،
ولكن فرق بين مراقبة ومراقبة. ومما يضاف إلى هذه القضية ما يزعمه الغرب من الحرية
الشخصية بينما تأتي هذه الوسائل لتراقب تصرفات الأفراد بأحدث الوسائل التكنولوجية،
فقد ظهر في الغرب رواية جورج أورويل (1984) الذي ترجمه الأستاذ عزيز ضياء يتوقع أن
يصبح الإنسان الغربي خاضعاً للمراقبة في كل خصوصياته مما ينفي أسطورة الحرية
الشخصية في الغرب.
وهذه الرقابة الدقيقة لحياة الناس
يقابلها في الإسلام تحريم التجسس على حياة الفرد كما جاء في قوله تعالى (ولا
تجسسوا)، وقد ورد في صحيح البخاري أن رجلاً اطلع من جحر في حُجر النبي صلى الله
عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم مُدرى (حديدة كالمسلة) يحك بها رأسه فقال
لو أعلم أنك كنت تنظر لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر) وورد في
حديث آخر أنه لو فُقئت عين المطلع لذهبت هدراً ، وقد ذكر القرطبي في تفسير قوله
تعالى (ولا تجسسوا) أن معناها "خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين -أي لا
يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطلع عليه بعد أن ستره الله"
فها هو الغرب يتشدق بحقوق الإنسان، ويزعم
أنه الذي وضع مواثيق حقوق الإنسان في العصر الحديث، ويتجاهل هذا التراث العظيم من
تكريم الإنسان والحرص على كرامته وحقوقه التي جاء بها الإسلام، ولكن الغرب يربط
بين الإسلام وممارسات المسلمين التي ابتعدت كثيراً عن الأصل. إن الخير كل الخير في
العودة لهذا الدين.
تعليقات
إرسال تعليق