التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الإعلام الإسلامي بين الممكن والمستحيل([1])


هذا عنوان محاضرة ألقاها الأستاذ حسين محمد العسكري في النادي الأدبي بالمدينة المنورة في 18 جمادى الأولى 1414هـ وقد كان لي شرف حضورها ثم تفضل المحاضرة بتزويدي بنسخة من نص المحاضرة وفي هذه المقالة سأقدم بعض الحقائق عن موقع الإعلام الإسلامي في خريطة الإعلام الدولي ودعوة صادقة -بإذن الله- ليتحرك الدعاة ليمتلكوا ناصية الإعلام فهم أولى من غيرهم بهذه الوسيلة الخطيرة لنشر الخير الذي اختصهم الله به بما حمّلهم من أمانة الدعوة، كل ذلك من وحي تلك المحاضرة الرائعة.
إن صورة الإعلام الإسلامي يمكن أن تكون قاتمة جداً فالدول الغربية تمتلك 90% من صفحة الأثير بينا يتقاسم العالم كله العشرة الباقية. ولئن فرحت بعض دول العالم الثالث (النامية) أنها امتلكت ناصية الإعلام داخل حدودها بقوة أجهزتها بحيث لم يكد يستطيع المواطن المسكين أن يسمع صوتاً آخر فإن الأمر أصبح شيئاً من الماضي فقد تفتحت العيون الآذان لوجود إعلام دولي مسيطر.
وقد ذكر الأستاذ العسكري تحليلاً صريحاً قال فيه: ونحن لا نحمّل هؤلاء مسؤولية إخفاقات العالم الإسلامي فالمسؤولية يتحملها العالم الإسلامي وبالذات الإعلام.
أما العنصر الثاني من ملامح الصورة القاتمة فهو ما تنفقه الدول الإسلامية في مجال الإعلام كما يقول العسكري (ليس عملية تجارية، فالإعلام إنفاق وصرف لتستطيع أن تنقل وجهة نظرك) وتناول العسكري القضايا الحساسة في العالم الإسلامي وكيف أن وسائل الإعلام الغربية هي التي تتولى نقل أخبار المناطق، فأخبار مآسي القتال أو المذبحة في البوسنة أو في كشمير أو ... ينقلها المراسلون الغربيون الذين يتبعون لوكالات الأنباء العالمية الأربع: يونايتد برس، الأسوشيتد برس ووكالة رويتر ووكالة الصحافة الفرنسية.
ولا بد أن نضيف هنا أن الإنفاق على الإعلام ليس في حجمه فقط ولكن في نوعية هذا الإنفاق، فالعالم الإسلامي ينفق الكثير على الاشتراك في وكالات الإعلام العالمية كما ينفق أكثر على شراء المسلسلات والأفلام الأجنبية التي تكاد تغطي أكثر من 70% من البث التلفزيوني في العالم الإسلامي. إننا لسنا بحاجة إلى ساعات البث الطويلة إذا كنّا لا نستطيع أن نشغلها بمادة جيدة، فليست المنافسة في ساعات البث وإنما في نوعية البث أيضاً. أما المجال الآخر فهو الذي ينبغي أن يتوجه إليه الإنفاق فهو إعداد الكوادر القادرة على الإنتاج الإعلامي، فليست الكوادر الإعلامية هي التي فقط تستطيع تشغيل الأجهزة والضغط على الأزرار وقراءة العدادات وإنما تتسع عملية إعداد هذه الكوادر إلى كتاب القصة والسيناريو والرسم والديكور والمؤثرات الصوتية والسينمائية وحتى صناعة الأجهزة وصيانتها فإن القوم كما ذكر الأستاذ العسكري هم الذين يصنعون الآلات ولن يسمحوا لنا أن نساويهم أو نقترب منهم وكما يقول العسكري (وللمعلومية فليس كل آلة متاحة للبيع وحتى وإن أتيحت فالعالم الإسلامي كما نعرف غالبية دوله فقيرة لا تستطيع أن تشتري الأجهزة المتطورة التي تقذف بها المصانع يومياً إلى ساحة الإعلام.
ومن العناصر التي تزيد الصورة إظلاماً أن سيطرة الغرب على الإعلام الدولي جعلت من قضية هاييتي تلك الجزيرة الصغيرة وطرد الرئيس الذي يُزعم أنه انتخب بطريقة ديمقراطية – وهو بالمناسبة قسيس- قضية عالمية فأصدر مجلس الأمن قراراً بمحاصرتها ومقاطعتها حتى تعيد القسيس إلى حكمه، ومثلها كذلك الانتخابات في كمبوديا أنفقت الأمم المتحدة الملايين وأرسلت عشرين ألف جندي لإجراء الانتخابات وضمان نزاهتها، أما أن يُقتل المسلمون وتنتهك أعراضهم وتدمر بيوتهم ومساجدهم فالأمم المتحدة ومجالسها في إجازة لا تنتهي بعد أن اتخذت من القرارات ما يساعد الصرب والكروات المعتدين فحظرت السلاح على المسلمين وتغاضت عن إمدادات السلاح من اليونان وروسيا للصرب والكروات وكأن أقمارهم الصناعية لا تستطيع أن ترى الدبابات والمدافع تدخل البوسنة لتدك ديار المسلمين.
إن هذه الصورة القاتمة تدعو العالم الإسلامي إلى أن يتحرك بسرعة لتلافي هذه العيوب الخطيرة، ولا بد من التفكير ليس في الحلول القصيرة الأجل، فإن هذه الأمة مدعوة للتخطيط للمدى البعيد لتتمكن من نشر دعوة الله عز وجل وإبلاغها إلى العالم أجمع




         




[1] - صحيفة المدينة المنورة العدد 11263 في 20 شعبان 1414هـ (31 يناير 1994م)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...