التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحركة الإسلامية في نظر الغرب



        بين يدي نشرة معهد الشرق الأوسط بالعاصمة الأمريكية لشهر يوليو 1992م، وهي مكونة من ست عشرة صفحة وتحمل موضوعات متنوعة، ولكني توقفت عند أحدها وهو: "الحركات الإسلامية، دراسة مسحية إقليمية" وقد قام بهذه الدراسة كل من كريستينا بالمر (Kristina Palmer) وسائرز رودي (Sayers Rudy) من قسم برنامج معهد الشرق الأوسط من خلال إجراء لقاءات مع مسئولية حكومية، وعلماء وأكاديميين وصحافيين وحتى من عامة الناس في باريس والجزائر وعمان والقاهرة والخرطوم، والضفة الغربية. وقد تلقى الباحثان دعما سخيا من كل من مؤسسة جون د. وكاترين ماكارثر (John D. and Catherine T. MacArthur)، وكذلك من صندوق المساعدات الخارجية الأمريكي. هذا وسوف تذاع هذه المقابلات في أربع حلقات من خلال برامج الإذاعية القومية العامة في أواخر هذا الصيف.
        تركزت الأسئلة في المقابلات حول أصول الحركة الإسلامية، وأهدافها وتأثيرها، والعلاقات المختلفة بين الإسلام السياسي، والأنظمة القائمة وقد توصل الباحثان إلى نتائج مهمة حول الحركة الإسلامية منها:
        أولا: لا تبدو الحركة الإسلامية قوية بين الفقراء فقط. كما هو الشائع في الغرب حاليا. بل تضم في صفوفها تجارا أثرياء وسياسيين أيضا.
        ثانيا: الحركة الإسلامية حركة انتقادية حديثة، ولا تحمل أية صفات موروثة سواء عسكرية أو رجعية، أو صفات من زمن القرون الوسطى (الأوربية طبعا)
        ثالثا: ظهرت الحركة الإسلامية أساسا كرد فعل للإخفاقات الاقتصادية والسياسية لدى الأنظمة العربية المتسلطة وكذلك ضد الأيديولوجيات الأجنبية من مثل القومية والاشتراكية. وليست الحركة الإسلامية مجرد رد فعل محصور بالإمبريالية والصراع العربي الإسرائيلي.
        رابعا: إن "الصحوة الإسلامية" التي يعبر عنها بقرار شخصي يجب عدم النظر إليها على أنها إشارة إلى التزام سياسي نشط.
        وأخيراً وليس آخراً -كما يقول التقرير-إن البرامج السياسية الإسلامية التي تؤكد على المشاركة الحياتية، وكذلك النظرات للدولة المثالية ربما لا تكون ساذجة ومخيفة للمرأة، ولكنها تستحق الدراسة في عالم يبدو أنه يعاني من متاعب أيديولوجية وتسط سياسي وفقر.
       هذه أبرز نتائج هذه الدراسة الاستطلاعية التي سيستمع إليها الجمهور الأمريكي في أواخر هذا الصيف، وربما تناقلتها وسائل الإعلام الغربية لتبرز منها ما تشاء وتخفي ما تشاء، كما ستفعل الأمر نفسه وسائل إعلام الدول المعنية (العربية الإسلامية).
        ولا بد لنا من وقفات مع هذا التقرير الذي يؤكد حرص الغرب على المعرفة والدراسة، وهو في هذا السعي لا يبخل بالأموال والجهود. وسيصل بلا شك إلى المعرفة التي قد يصل من خلالها إلى حقيقة الحركات الإسلامية، وبالتالي يستطيع وضع الخطط اللازمة للتعامل مع هذه الحركات. وأعود هنا فأكرر دعوة سابقة. فلا يصح أن نظل في جهل أو شبه جهل بالعالم من حولنا، وأين المؤسسات التجارية لدينا لتبذل مما أعطاها الله.
        جميل أن يكون من استنتاجات الدراسة إدراك الغرب أن دعوة الله تنتشر -والحمد لله-بين صفوف الفقراء والأغنياء على السواء، حيث كانت الدراسات الغربية سابقا تشير إلى أن الحركات الإسلامية تنتشر بين صفوف الفقراء والمعدمين، وترى تلك الدراسات السابقة أن إيقاف المد الإسلامي لا يحتاج إلّا إلى تشجيع برامج المعونات الغذائية، أو توجيه الحكومات الحالية لتطعم الأفواه الجائعة. وكأن هذا الدين جاء للفقراء وحدهم أو لإنقاذ الفقراء. والإسلام جاء حقا لإنقاذ الفقراء بإصلاح الأغنياء، وتربيتهم وتهذيب نفوسهم، وإعادتهم إلى إنسانيتهم التي أفقدهم إياها طغيان المال، ومع ذلك يجب أن لا ننسى أن من أوائل من أسلم رجال كان لديهم الثروة والمال والجاه، وهكذا فالحركة الإسلامية إنما هي هداية من الله يختار لها من يشاء.
     وجميل أن يكون من نتائج الدراسة أن الصحوة الإسلامية التزام شخصي أولا وليست بالضرورة انخراط في عمل سياسي نشط. وأوضحت الدراسة أيضا أن الصحوة الإسلامية تشمل الحياة بجوانبها كلها وبخاصة أنها ظهرت في عالم أصبحت أيديولوجياته بالية مهترئة، ويعج بالتسلط السياسي والفقر.
    وهكذا جاؤوا إلى بلادنا العربية المسلمة ليدرسوا همومنا وتطلعاتها، وليقدموا النتائج لأبناء بلدهم، ويبذلون المال والنفس من أجل المعرفة، والمعرفة قوة. فهل درسنا أنفسنا أولا دراسة من يريد الإصلاح والتغيير ثم انطلقنا إلى العالم جميعه ندرسه فالغرب مثلا برغم ما يزعمه بعض الكتاب بأنه "مجتمع مدني" مفتوح ما تزال فيه كثير من الجوانب التي تحتاج إلى الدراسة، ولا بد أن نفيد من أبنائنا الذين يدرسون في الغرب، أو يعملون فيه أو الذين هاجروا إليه طلبا للرزق والطمأنينة، فهؤلاء يمكنهم أن يقدموا لأمتهم الإسلامية معرفة دقيقة وعميقة بجوانب المجتمعات الغربية وبخاصة إذ ما كان لدى هؤلاء المعايير الصحيحة التي ينظرون بها إلى الأمور.
      إن هذا الدور الذي يقوم به الغرب حاليا من دراسة أحوال الشعوب والحكم عليها سلبا أو إيجابا بقدر بعدها أو قربها من القيم والمفاهيم الغربية في السياسة والاقتصاد والاجتماع، هذا الدور قد اختار له ربنا عز وجل أمة أخرى هي أمة الإسلام حين كلفهم بقوله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}. فعودة إلى الإسلام تنقلنا من شعوب تخضعه لدراسات الباحثين الغربيين إلى دارسين للغرب والعالم وموجهين له ومصححين لمفاهيمه وقيمه {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.


دراسة الصحوة الاسلامية
يتردد في الكتابات العلمية وكذلك في وسائل الإعلام وصف الصحوة الإسلامية ب (الأصولية). وهي تسمية خادعة لأن "الأصولية" حركة نصرانية بروتستانتية ظهرت في العشرين من القرن الميلادي الحالي تنادي بالعودة إلى النصوص" المقدسة" والالتزام بها حرفياً. وهي دعوة إلى الجمود، كما إنها دعوة إلى محاربة المدنية الحديثة. ويلاحظ أن لليهود حركة أصولية مماثلة تنادي بمحاربة المادية المعاصرة ووسائل المدنية وتقنياتها!! وإطلاق مصطلح "أصولية" على الحركات الإسلامية إنما هو من قبيل حرب النعوت والألقاب الذي يعد من وسائل الحرب وقد استخدمه المشركون في حربهم للرسول وكذلك استخدمه أعداء الأنبياء في كل زمن، فقد أطلق أعداء أحد الأنبياء على الذين اتبعوا نبيهم (أراذلنا) وأطلق على النبي (مجنون، كاهن، شاعر، ساحر الخ).
وهكذا فالحركة الإسلامية أو الصحوة الإسلامية لا يصح أن نطلق عليها أصولية بهذا المفهوم الغربي، فدعوة الحركة الإسلامية العودة إلى تطبيق الإسلام تطبيقا سليما إنما هي دعوة إلى الحركة والحياة، والدليل على أن المسلمين حينما طبقوا أصولهم كانوا هم أرقى أمة عرفها التاريخ ولن يعرف أمة أرقى من المسلمين، فحينما تمسك المسلمون بإسلامهم كانوا أمة العلم والحضارة، وقد كتب الملك البريطاني جورج الرابع إلى الخليفة المسلم يقول له "لقد سمعنا ما تتمتع به بلادكم من رقي وحضارة، وأرجو أن يتنازل سيادتكم بتشريف ابني وبناتي بالدراسة في مدارسكم والنهل من علومكم، وذيّل خطابه بعبارة ’خادمكم المطيع‘.
وجاء الاستقلال ظاهرياً حيث تأكد الاحتلال الأجنبي أن لا يسلم الأمور حين خروجه إلاّ إلى فئة ترعى مصالحه وتحارب الحركات الإسلامية، بل إن الغرب كما يقول الأستاذ محمد قطب قام بعملية ما يسمى ب(صناعة الزعيم) حيث اختار بعض من تثقف ثقافة غربية وقام بمسلسلات النفي والسجن لهؤلاء أو الخطف من الجو ثم أعادهم لتنظر إليهم الجماهير على أنهم الأبطال المحررون فيتبعوهم .
ويهمني في هذا الإيجاز أن أتناول بعض النماذج من رصد الغربيين للحركات الإسلامية (الأصولية):
1-
محاضر جلسات الكونجرس الأمريكي. لقد استضاف الكونجرس الأمريكي على مدي ثلاثة أيام من سنة 1985م عدداً من الباحثين الأكاديميين من الجامعات الأمريكية لتقديم شهاداتهم أو رؤيتهم للحركات الإسلامية في العالم الإسلامي، واستعرض الكونجرس بعض الدراسات لباحثين لم يتمكنوا من الحضور. وجمعت محاضر هذه الجلسات في كتاب بلغ عدد صفحاته اثنتين وأربعين وأربعمائة. وقد قام الدكتور أحمد خضر إبراهيم بترجمة جزء كبير من هذه المحاضر ونشرها على مدى خمسين حلقة في مجلة المجتمع قبل حرب الخليج الثانية، والمحاضر في لغتها الأصلية موجودة لدى مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
2- كتاب الأصولية في العالم العربي. تأليف ريتشارد هرير دكمجيان وترجمة الدكتور عبد الوارث سعيد ونشر دار الوفاء بالمنصورة (مصر)سنة1409م، والكتاب عمل مخابراتي في المقام الأول حيث يرصد نشاطات اثنتين وتسعين جماعة إسلامية في العالم العربي من خلال منشوراتها العلنية والسرية ومن خلال المقابلات الشخصية مع طائفة من المنتسبين إلى هذه الجماعات.
ويشهد الواقع أن الباحث كان دقيقاً في كثير من المعلومات التي ضمها الكتاب، غير أن الكاتب بحكم خلفيته الغربية وأصله الأرميني انحرف في فهم بعض القضايا التي تتعلق بالصحوة، والكتاب في مجمله يستحق القراءة العميقة لأنه يقدم توصيات للحكومات الغربية وللحكومات العربية الإسلامية التي تسير في ركاب الغرب حول كيفية التعامل مع الحركات الإسلامية.
وقد صدرت في عام 1995م طبعة ثانية من الكتاب أضاف إليها المؤلف دراسات لعدد أكبر من الجماعات الإسلامية وصل إلى مائة وثماني جماعات، وقد تلقى المؤلف الدعم من الحكومة الأمريكية في دراسته في الطبعة الأولى وربما في الطبعة الثانية أيضاً، ويلاحظ أنه اهتم فقط بالجماعات التي تبدي معارضة للحكومات الإسلامية أما النشاطات الإسلامية والدعوة إلى العودة إلى الإسلام التي تعمل ضمن الأنظمة القائمة فلم يعر لها أي اهتمام.
3- المركز الأكاديمي الإسرائيلي للبحوث. يذكر الدكتور أحمد عبد الحميد غراب أن هذا المركز قد أنشئ عام 1982م في القاهرة بناءً على مقررات معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، ويهدف المركز إلى تسهيل مهمة الباحثين اليهود للقيام بجمع المعلومات في مصر والاتصالات بالجامعات المصرية، كما يقوم المركز باستقطاب بعض الباحثين من مصريين وغيرهم لتقديم بحوثهم المتصلة بالمجتمعات العربية الإسلامية ويغدق عليهم من الأموال ما يغري ذوي النفوس الضعيفة للتعاون معه، ويقوم المركز بعقد ندوات أسبوعية وإصدارات نشرات تهدف إلى إثارة انبهار المسلمين بالتقدم العلمي والتقني في إسرائيل.
4- المخابرات المركزية الأمريكية. قبل أكثر من عشر سنوات كانت جامعة هارفارد تنوي عقد ندوة عن الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي، وقبل بدء الندوة اكتشف أن المخابرات المركزية الأمريكية كانت ممولاً لهذه الندوة مما دعا الجامعة لإلغاء الندوة وفصل الأستاذ الجامعي الذي كان السبب في قبول هذا التمويل. وفي عام 1995م تنشر الشرق الأوسط على صدر صفحاتها نبأ دعوة المخابرات المركزية الأمريكية لعدد من أساتذة الجامعات لتقديم رؤيتهم لموضع الصحوة الإسلامية (الأصولية)، وقد انقسم الموقف بين أن تعامل الصحوة في جميع البلاد الإسلامية معاملة واحدة أو تعامل تلك الحركات التي تدعو إلى العنف معاملة مختلفة عما تعامل به الحركات السلمية.
المرجع:( مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق)



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...