بقلم الدكتور روبرت لستنق Robert Lusting ([1])
تقديم:
المجتمع الأمريكي تحكمه المتعة والرفاهية
وكما كتب عالم الاجتماع المتميز جون هيور واقتبس منه هذه الأسطر من كتابه (الفردوس
الأمريكي) حيث يقول: ففي مجتمعنا الحالي في أمريكا يوجد أبدع مكان
للترفيه- الذي لم يشهد التاريخ البشري من قبل مثله في تنوعه وأصالته وشدته- فهل
تلك الحقيقة الشعب الأكثر ترفيهاً وبالتالي "الأسعد" في العالم؟
إن
الهدف الأساسي لأي ترفيه هو صرف اهتمامنا وجعلنا ننسى. ولكن في مجتمع كهذا مرفّه
وسعيد ما الشيء الذي نريد أن ننساه وأن يصرف اهتمامنا عنه؟ فلو كان المجتمع
الأمريكي اليوم مجتمع رائع- لاحظ تفوقنا الاقتصادي والعسكري- فلماذا نسعى بشدة لنهرب من أكثر رموز إنجازاتنا التي
نفتخر بها- يعني- أنفسنا؟
المقالة:
في
30 يناير 2018م كنت أحاول فهم غموض وغرابة الثقافة الأمريكية التي كانت وراء أزمات
الأفيون والسمنة والاكتئاب. ثم أرسل لي مشترك قديم مقطع فيديو مع الدكتور روبرت
لوستنج المتخصص في المجال، ولقد قام بفك شفرة الكيمياء العصبية للثقافة والاقتصاد
حيث السعادة مكرسة قانونياً كحق أساسي لكل فرد في وثيقة التأسيس.
روبرت
لوستنج أستاذ الغدد الصماء في جامعة كاليفورنيا حيث تخصص في علم الغدد الصماء
العصبية والسمنة لدى الأطفال وهو مؤلف كتاب تدمير العقل الأمريكي حيث يكشف فيه عن
وجود تضارب كبير في الإيديولوجيا الأمريكية بين المتعة والسعادة (والمثل
الاستهلاكية التي انتشرت في جميع أنحاء العالم) والذي يفسره لوستنج تفسيراً مختلفاً
تماماً حيث يقول: "المتعة عمرها قصير والسعادة عمرها طويل، والمتعة غريزية
اما السعادة فروحية. المتعة تأخذ أما السعادة فتعطي، المتعة يمكن تحقيقها من خلال
الأشياء المادية، أما السعادة فلا. يستمتع الشخص منفرداً لكن السعادة تتحقق مع
الآخرين. يؤدي الإفراط في الاستمتاع بجميع أنواعه إلى الإدمان سواء كان مادياً أو
سلوكياً. أما كثرة السعادة فلا تؤدي إلى الإدمان وأخيراً والأهم من كل ذلك:
"المتعة هي الدوبامين أما السعادة فهي السيروتونين" " هما عنصران
من المواد الكيميائية العصبية التي يستخدمها الدماغ ليحقق التواصل بين خلية عصبية
وأخرى، ويقوم بتمرير إثارة الدوبامين إلى الخلية العصبية المجاورة. وعندما تتعرض
الخليتان للإثارة الشديدة فإنهما في أغلب الأحوال يكادان يموتان في أغلب الأحوال.
وبالتالي فإن الخلايا العصبية لديها آلية للدفاع فتقوم بتقليل عدد الخلايا
المتوفرة المستقبلة للإثارة في محاولة لتقليل الضرر وتسمى هذه العملية الضبط
بالتثبيط"down-regulation ويقوم بهذه العملية العديد من المواد
الكيميائية في الجسم.
تتعرض
لجرعة من الإثارة والمتعة تؤدي إلى قدر من النشوة تختل معها وظائف الخلايا
المستقبلة مما يؤدي إلى قيام الجسم بما يسمى الضبط بالتثبيط. وفي المرة القادمة
تحتاج إلى جرعة إثارة أقوى لتحصل على الدرجة نفسها من النشوة لأن عدد المستقبلات
تناقصت وهكذا ستحتاج إلى جرعة إثارة أكبر ثم أكبر ثم أكبر حتى تصل في الأخير إلى
مرحلة حيث لا تحصل فيها على شيء ولو أخذت جرعة إثارة ضخمة. وبعد ذلك تبدأ الخلايا
العصبية بالموت، وهذا ما يدعى الإدمان.
أما السيروتونين فيعتبر مادة كابحة ومثبطة
وليست مادة مثيرة. تمنع المستقبلات من الشعور بالرضا وشرود الذهن الشديد إن شئت
ذلك. ولا يمكنك أن تسبب في إفراز جرعة من السيروتونين في الخلايا العصبية... ويقوم
السيروتونين بضبط الإفرازات ولا يسمح بتنشيط العملية أبعد من الخلايا المستقبلة.
فهو يقوم أساساً بإبطاء الخلايا العصبية بدلاً من إثارتها الزائدة مما يجعلك تشعر
في نهاية المطاف بالرضا والقناعة، وهو ذلك الشعور بالتناغم والانسجام مع العالم إن
شئت ذلك. وهذا ما نسميه السعادة. ولكن يوجد شيء يؤثر على مستوى السيروتونين سلبياً
ألا وهو الدوبامين "إذن كل ما حصلت على متعة أكثر أصبحت أقل سعادة" وقد
قامت كل من مدينة لاس فيجاس وشارع ماديسون وول ستريت في نيويورك والسيليكون فالي
في سان فرانسسكو وواشنطن على وجه الخصوص والتحديد وبطريقة منسقة بالخلط بين مصطلحي
السعادة والمتعة والربط بينهما وكأنك تستطيع أن تشتري السعادة ولكي يستطيعوا أن
يبيعوك نفاياتهم. وهذا ما يسمى الاقتصاد الأمريكي القائم على الترويج لمواد المتعة
والتي تجلب المتعة فقط بدل السعادة وفي هذه العملية أصبحنا بالتأكيد تعساء غير
سعداء والمشكلة هي أنك لا تستطيع أن تصلح المشكلة إلّا إذا استطعت تحديدها. ويصف
الدكتور لوستنج الأشياء البسيطة التي تدعم إفراز السيروتونين وهي كما يأتي: النوم
وصفاء الذهن والتريض وكلها تعمل على تقليل من الكورتيزون (الذي يعمل ضد
السيروتونين) بالإضافة إلى حمية غذائية قليلة الفركتوز عالية التربتوفان والأوميجا
3 (فالفركتوز يستنفذ السيروتونين والأوميجا 3 التي تعزز نقل السيروتونين الذي يعرف
بالغذاء الحقيقي.
تعليقات
إرسال تعليق