"أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه
"مثل ضربته العرب لمن يشاهد شخصاً سمع به فيكون عند المشاهدة مخيباً للآمال.
ولكن إذا كان السماع شراً والمشاهدة أسوأ فهل لذلك مثل عند العرب؟ هذا ما فكرت به
عندما رأيت نصر حامد أبو زيد في جامعة لايدن بهولندا قبل شهرين تقريباً، فلا خير
في السماع عنه ولا خير في رؤيته ولا في الاستماع إليه.
أبو زيد هذا أضله الشيطان فأصدر العديد من
الكتب التي ثبتت فيها ردته لأنه تجرأ على الأحكام الشرعية القطعية فجحد بعضها
وأنكر كثيراً مما ورد في القرآن الكريم حول العرش والكرسي واعترض على أحكام
الميراث وزعم بأن رسالة الإسلام كانت للعرب فقط. وهذا ما تشدق به في محاضرته التي
ألقاها في المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين.
وجدت أبا زيد وقد استضافته جامعة لايدن
أستاذاً زائراً مدة عامين هو وزوجته في حين تشكو الجامعة -كما أخبرني أحد
أساتذتها- من قلة الإمكانات المادية لاستضافة علماء من العالم الإسلامي أو تقديم
منح لباحثين مسلمين. ولعل الشرط في توفر الإمكانات المادية أن يكون الباحث على
شاكلة أبي زيد. ولكن أن تحتفي الجامعات الغربية بأمثال أبي زيد في الانحراف
والعقلية والتفكير أمر يمكن فهمه بالنسبة لهؤلاء الأوروبيين الذين يرون في أمثال
أبي زيد صورة للمسلم المتحرر من عقيدته ودينه، كما إن هؤلاء تجدهم على اتفاق مع
بعض الأوروبيين في نقد الاسلام. وللحقيقة فإن الأوروبيين لا يحترمون هؤلاء ولا
يقدرونهم وإنما يقدمون لهم التسهيلات ليستمروا في أداء دور مرسوم في الطعن في الإسلام ليقال انظروا هؤلاء من المسلمين وهم الذين ينتقدون الإسلام.
وقد كتب الأخ الكبير الأستاذ محمد صلاح الدين
مقالته القيمة بعنوان:" الانتصار... للكفر" وكنت قبل أن أقرأ مقالته
أفكر في إعداد مقالة لمناقشة الموضوع من زاوية ما أسميه " التطفيف الصحفي
" وأصبح عرفاً " الكيل بمكيالين " أو ما يسمى " المعايير
المزدوجة " ولكني فضلت الرجوع إلى القرآن الكريم في مسألة التطفيف فوجدت قول
الله تعالى{ويلٌ للمطففين، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ، وإذا كالوهم أو
وزنوهم يخسرون ، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ،ليوم عظيم} وقد شرح القرطبي الكلمة
لغوياً بقوله:" المطفف مأخوذ من الطفيف وهو القليل ، و المطفف هو المقل حق
صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل أو وزن ، وأشار القرطبي إلى أن التطفيف يكون في
الكيل والوزن والوضوء والصلاة والحديث. ونقل عن الإمام مالك في الموطأ قوله
"لكل شيء وفاء وتطفيف."
وهذا ما فعلته الجريدة الدولية الواسعة
الانتشار التي انتقدها الأستاذ محمد صلاح الدين. والتطفيف رغم ما توعد الله مرتكبه
فهو أمر قليل في حق هذه الصحيفة ومثيلاتها ممن ينتصر للباطل على الحق. فإذا كان
جزاء المطفف الويل الذي وصفه ابن عباس رضي الله عنهما بأنه: "واد في جهنم يسيل فيه صديد أهل النار" فما ذا يكون عذاب من ينتصر للباطل هذا الانتصار
المطلق. والحقيقة إنهم لم يطففوا بل جاروا جوراً عظيماً.
لقد صورت الجريدة -إياها- موقف بعض من أسمتهم
بالمثقفين بالذهول حين صدر أعلى حكم قضائي في مصر بردة أبي زيد ووجوب تطليق زوجته
منه. فهل عرفت الجريدة ما الذهول ليتهم يقرؤون قول الله تعالى: {يا أيها الناس
اتقوا ربَّكُم إنّ زلزلةِ الساعةِ شيءٌ عظيم، يوم تَروْنَها تَذْهَلُ كُلُّ
مُرْضِعَةٍ عمّا أرضعت وتضع كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وترى الناس سكارى وما هم
بسكارى ولكن عذاب الله شديد} (الحج1-2)
وظهر " التطفيف الصحفي " في الصفحة
الأولى من ملحق ديني لإحدى الصحف حيث أوردت الخبر ومعه صورة أبي زيد وزوجه سافرة
تبتسم لزوجها وهو يبتسم لها. وكتب بجوار الصورة التعليق الآتي: الدكتور حامد نصر
-والصحيح نصر حامد- أبو زيد الأستاذ الجامعي المصري الذي صدر الحكم بالتفريق بينه
وبين زوجته باعتباره مرتداً تعهد بالكفاح ضد الحكم..." فهل ما يفعله أبو زيد يعد كفاحاً، وهل سيكافح
أبو زيد وحده أم ستنضم إليه هذه الصحيفة ومثيلاتها؟ ولعل من صور كفاح الصحيفة أنها
اختارت صورة لأبي زيد وهو يبتسم لزوجته ليقول القارئ الساذج كيف يريدون التفريق
بين هذين الزوجين السعيدين المبتسمين؟ هذين الزوجين الضحيتين؟
وكانت ثالثة الأثافي -كما يقال- أن جريدة
عربية تصدر في لندن نشرت موضوعا كتبت عنوانه بالخط العريض تقول فيه:" نصر أبو
زيد وقس فلسطيني يدافعان عن الإسلام ضد تسليمة نسرين" وجاء في طيات الخبر -
غير الموقع من هانوفر-:" أما المفاجأة الحقيقية فكانت الدكتور نصر أبو زيد
الذي انتصر في تلك الساحة للإسلام انتصاراً يشهد له ن ولعله يكتب له في ميزان
حسناته يوم يلقى ربه." ولكن ما قاله أبو زيد لتسليمة نسرين أنت غير متخصصة في
اللاهوت أو في القانون أو في التاريخ أو في الاجتماع فلماذا تتعرضين لنقد الإسلام ومهاجمته فالإسلام صرح أشم " وكأنه يقول لها إنه إن أرادت نقد الاسلام فعليها
أن تكون مستعدة لذلك. وإن لم يقصد أبو زيد هذا فهل تاب هو نفسه عما قاله في حق الإسلام حتى يتصدى للآخرين أو الأخريات؟
فيا أيتها الصحف التي جعلت منهجها الدفاع عن
المنحرفين والضالين الذين يطعنون في مسلمات الأمة وثوابتها نقول لهم ارعووا قليلاً
فإن الله سبحانه وتعالى يغار على حرماته أن تنتهك واحترموا مشاعر الأمة الإسلامية
فإن جمهور القراء لا يرضى بهذا الأسلوب في الدفاع عن المنحرفين. ولو كانت هذه
الصحف تريد أن تقدم خدمة صحفية لكان عليهم أن يوردوا أقوال الطرفين في القضية فكما
قرأنا ما قاله إدوارد الخراط وجمال القصاص وإبراهيم أصلان فلماذا لم نقرأ رأي الطرف الآخر
الذي يرى أن الحُكم الذي أصدرته المحكمة المصرية حكم عادل ونزيه ويسعى إلى
حماية الأمة من هذه الانحرافات؟
تعليقات
إرسال تعليق