التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من ذكريات الرياض وحديث في الاقتصاد وغيره

حوار مع رئيس وزراء بريطاني أسبق (جون ميجور)

        كُلّفت من قبل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية قبل سنوات أن أرافق جون ميجور في أثناء زيارته للرياض بدعوة من بنك الكويت الوطني، ففي أثناء تنقلاتنا في مدينة الرياض، وفي إحدى التنقلات دار حديث فسألت رئيس الوزراء عن الخمور في بريطانيا وأن الصحف البريطانية توجّه اللوم لحكومة العمال، فقال تلك صحف التابلويد (صحف الفضائح) فقلت له ولكن تحدثت عن ذلك الإندبندنت والتايمز والجارديان فكان من رأيه حتى إن هذه الصحف قريبة من التابلويد. وأضفت إن اللوم ليس فقط على حكومة العمال فقال الحكومة سمحت ببيع الخمور وتداولها 24 ساعة في اليوم حتى لا تكون الفاكهة المحرمّة وكان ذلك اجتهاداً خاطئاً، وسألته هل اللوبي المدافع عن الكحول قوي إلى هذه الدرجة، فقال لا.

        وأثرت موضوع القمار وأنه إحدى أزمات المجتمع البريطاني، قال لا أعرف أنها أزمة وسأل مرافقه المولود عام 1954 بينما جون ميجور مولود عام 1943، هل حقّاً عندنا أزمة كحول وقمار؟ فقال له نعم بالنسبة للكحول ولكنه لم يتحدث عن القمار.

      وقال السير إنه لا يقامر ولا يحب القمار. ويبدو أن مرافقه لا يحب الحديث بل ربما هو يجيد الاستماع لأن عمله الحراسة والأمن.

        وسألني عن الشماغ ولبس الرأس وتاريخه، وسأل عن الحجاب والأجيال الجديدة التي ترتدي الجينز والملابس الغربية، وكيف أن الجيل القديم متمسك بالحجاب الكثيف بينما الجيل الجديد متأورب (لم يقل ذلك تماماً) فبالنسبة للشماغ أو غطاء الرأس (الغترة) قلت هو للوقاية من الشمس والغبار (وللزينة أيضاً) والشماغ خاص بنا في الجزيرة وفي العراق الذي يغلب عليه اللون الأسود والأبيض وهو في الغالب مصنوع في بريطانيا وسويسرا والآن في الصين.

وسألني ماذا تدرّس فقلت له الاستشراق والاتجاهات الفكرية والنظام السياسي في الإسلام فقال هذه موضوعات كثيرة فأخبرته أنني أعددت رسالة الدكتوراه عن برنارد لويس، فلم يعلّق إمّا لأنّ الموضوع لا يهمه كثيراً فهو رجل مال وبنوك.

        ودار حديث مع هيلين إيفان Hellen Evan وهي تعمل مع رئيس مجلس إدارة البنك الكويتي الوطني وتتقن اللغة الصينية وهي التي طلبت سيرتي الذاتية لأن رئيس مجلس إدارة البنك طلب الاطلاع عليها حين قيل له إنني سأكون مرافقاً للسير جون ميجور. وفيما كانوا يتحدثون عن الأزمة المالية في العالم فقلت إن أساس الأزمة المالية هو فقدان الأمانة والصدق والشركات المتعددة الجنسية.

وفي أحد المشاوير دار بيني وبينه حوار فسألته عن الاتجاه في أوروبا إلى الإسلام وتشريعاته لحل المعضلات الاقتصادية فلم يجب، وهنا قلت له عليكم أن تدركوا أن الاقتصاد الإسلامي قائم على دعامتين أساسيتين:

1- المالك الحقيقي للمال هو الله سبحانه وتعالى وملكية البشر إنما هي على سبيل المجاز أو الإعارة، ولذلك على المالك الثاني أن يراعي تشريعات المالك الحقيقي. وأنتم لا تراعون أية قيم أو تشريعات سوى ما ابتدعتموه ولذلك أبحتم تجارة المواد الإباحية حتى إن برلمان الدنمرك وافق على تجارة تلك المواد لأنها تدر دخلاً على البلاد يقدر بالملايين. وسمحتم بالقمار والخمور وكل أنواع الفجور من أجل المال ولأنكم لا تعرفون أن المالك الحقيقي لا يرضى بهذه السلوكيات.

2-موارد الكرة الأرضية تناسب حجم السكان فاقتصادنا قائم على الوفرة بينما اقتصادكم قائم على الندرة، فمسألة الندرة خرافة لا تليق بخالق الكون الذي ما خلق من خلق إلّا وقدر رزقه وعمره. وشتان بين الاثنين فالله عز وجل حين خلق الأرض (وقدّر فيها أقواتها) أما في اقتصاد الندرة فالناس يتصارعون على موارد محدودة وتلك في الحقيقة نظرة قاصرة فإن بعض الدول الغربية وأمريكا اللاتينية حين يزيد إنتاجها تلقي بالفائض في البحر أو تحرقه حتى لا تنخفض الأسعار وليس مسلماً من يفعل ذلك.

ولا تدرون أن الإسلام ربط الإيمان بالله عز وجل بالإنفاق والإحسان (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فكُّ رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة (تخلى المسلمون أو تكاسلوا وهرولت الجهات التنصيرية للإنقاذ) يتيماَ ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة) وانظر إلى قوله تعالى (أرأيت الذي يكذّب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين) وانظر إلى بلاغة القرآن فهو لم يقل (يطعم المسكين) وإنما قال لا يحض على طعام المسكين وهو أبلغ وأدعى إلى الاستجابة لإطعام المسكين.


 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...