إن حجاج بيت الله الحرام وزوار المسجد
النبوي الشريف وأهالي الحرمين الشريفين يتطلعون إلى تطوير المواصلات بين الحرمين
الشريفين. فإن طريق المدينة المنورة-مكة المكرمة الذي أنجز في عهده الملك خالد رحمه
الله، وها هو الحجر الأساس لطريق القصيم –ينبع مروراً بالمدينة المنورة قد وُضع (اكتمل منذ سنوات). وهذا
الطريق سيوفر لحجاج بيت الله الحرام والزوار والمعتمرين وسيلة حديثة للمواصلات كما
أنها ستقوى الصلات بين أجزاء المملكة العربية السعودية شرقها بغربها وشمالها
بجنوبها.
وقد كانت أول مقالة لي في زاويتي
الأسبوعية في صحيفة المدينة المنورة بعنوان "سكة حديد الحجاز هل تعود؟"
(13/3/1412هـ) ولم يتوفر لي الوقت للبحث في هذا الموضوع ولكني قبل أيام كنت أطالع
بعض أعداد مجلة أهلاً وسهلاً فوجدت مقالة رائعة بعنوان (السكك الحديدية
بالمملكة في عهد الملك عبد العزيز) بقلم الدكتور محمد بن عبد الله السلمان تناول
فيه جهود الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى في إنشاء سكة الحديد بين المنطقة الشرقية
والوسطى. حتى إنه عندما شرّف جلالته حفل افتتاح ذلك المشروع المبارك أبدى رغبته في
ذلك الحفل أن يستمر العمل بمد سكة حديد تصل إلى جدة بحيث تصبح المملكة تربطها شبكة
حديد من شرقها إلى غربها بطول حوالي ألفي كيلو متر.
وقد دعا الملك عبد العزيز إلى المؤتمر الإسلامي
العالمي الأول عام 1344و1345 وأوصى ذلك المؤتمر بإعادة تشغيل سكة حديد الحجاز
وإكمالها لتصل إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة وذلك عن طريق تبرعات إسلامية عامة
كما أشار الدكتور السلمان في بحثه.
وقد أجرت صحيفة المدينة المنورة
قبل مدة استطلاعات صحفية مع عدد من المتخصصين في المجال الاقتصادي لإبداء مرئياتهم
في هذا الموضوع الحيوي كما نشرت مجلة اليمامة مقالة أو أكثر وقد اطلعت على
كتابات رائعة للشيخ محمد أحمد جمال رحمه الله تعالى تناول فيها الحديث عن سكة
الحديد بين الحرمين الشريفين وإيصالها إلى الشام ومنها إلى تركيا والبلاد
الإسلامية الأخرى. وكم أعجبتني كلمات الأستاذ محمد حسين زيدان –رحمه الله تعالى- التي كتبها في كتابه (ذكريات عهود ثلاثة)
يصف فيها وصول القطار إلى المدينة المنورة:" ووصل القاطر يجري على سكته
الحديدية فإذا هو يحدث التطور …تنويع الأكل المجلوب من الشام
كالبرتقال (قبل أياما اشتريت طماطم فلسطينية) – أتفاءل بقرب الفرج -والبطيخ اليافاوي، والدقيق (الفرخة) وحنطة
الجولان (أعادها الله إلى المسلمين) وأنواع اليامش كأنما المدينة أصبحت سوقاً
لخيرات الشام.."
إن وجود سكة حديد بين الحرمين الشريفين
لأمر جد عظيم لما توفره من خدمات عظيمة بين المدينتين وتحيي بإذن الله كثيراً من
القرى والمناطق الواقعة على الخط كما أنها توفر عشرات الآلاف من الوظائف. ففي
زيارة لبريطانيا وجدت أن هيئة السكك الحديدية تصدر مجلة لموظفيها الذين يبلغون
مئات الألوف، فقلت في نفسي ليت لنا سكك حديدية فكم ستسهم بإذن الله في تقدم
البلاد. فنحن بحمد الله لدينا ناقلة جوية وطنية يعمل فيها أكثر من عشرين ألف موظف
وتعد من المؤسسات الناجحة.
ومن مزايا السكك الحديدية أنها ستوفر
كثيراً من الطاقات ففي موسم الحج نستقدم عشرات الألوف من السائقين ونستأجر ألوف
الحافلات لتعمل مدة شهرين فقط. ومع تطور الوعي البيئي في المملكة فإن هذا العدد الكبير من الحافلات يخرج أطناناً من الغازات الضارة
بالبيئة والصحة العامة.
وإن المملكة لقادرة بإذن الله على إنجاز
هذا المشروع الكبير منفردة ولكن بعد نظر جلالة الملك عبد العزيز حين دعا في
المؤتمر الإسلامي الأول الذي عقد في مكة إلى اشتراك المسلمين من أقطار الأرض للعمل
على إعادة سكة حديد الحجاز كان يقصد من ذلك أن يشركهم في الأجر، وما أعظم ديننا
حين يكون للدال على الخير من الأجر مثل من يقوم به (الدال على المعروف كفاعله) وفي
حديث آخر (من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) فما
أعظم الأجر حين يكون متصلاً بالحج الذي يشمل أركان الإسلام جميعاً ابتداءً من
الشهادتين والصلاة والصيام والزكاة. فكل من ينتقل عبر هذه السكة سيكون لمن عمل على
إعادتها أجر ذلك الحاج فما أعظم هذه الفرصة. والله الموفق.
تعليقات
إرسال تعليق