كانت الامة الاسلامية ولا زالت أرقى
الامم وأعلاها اخلاقا ما تمسكت بإسلامها. وقد كانت الدولة الاسلامية هي الدولة
العظمى بإدارتها وقوتها ونظامها وقيمها. ولم تقتصر عظمة هذه الدولة على تعاملها مع
أعدائها بقدرتها على إرهابهم. بل ان هذه العظمة تجلت أوضح صورة في قيمة الفرد
المسلم حيث عاش موفور الكرامة والحرية يتساوى في الحقوق والواجبات أقل الناس شأنا
مع الخليفة أو الامام، سوى أن الامام أثقلهم حملا وأعظمهم مسؤولية.
وكان من مزايا الدولة الاسلامية تقديرها
للتخصص؛ ويمكننا أن ندرك هذا من عهد النبوة حيث تخصص أفراد من الصحابة الكرام
رضوان الله عليهم بكتابة الوحي، وكتابة الرسائل والعقود والعهود وغيرها. وتخصص
اخرون بالقيادة العسكرية. ولم يكن أحد ليكلف بعمل الا عن جدارة ومقدرة. ولكن
المسلم صاحب تربية شمولية حيث كان هناك حد أدنى يجب على المسلم ان يصل اليه. ومن
الملاحظ أن الاجيال الاولى من المسلمين حققوا تفوقا في كثير من الميادين لأنهم
تربوا على يدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. فقد كانوا بحق (فرسانا بالنهار
رهبانا بالليل).
ومن التخصصات التي كان لها شأن خطير في
مسيرة الدولة الإسلامية ((الكتابة)) ... والكتابة لم تكن مجرد عمل انشائي يمكن ان
يقوم به أي فرد يحسن القراءة والكتابة. بل كانت مؤسسة ضخمة ولذلك عد ديوان الانشاء
من اهم دواوين الدولة لأنه يمثلها في علاقاتها الداخلية مع قادة الامة وزعمائها وأهل
الفكر فيها وحتى عامة الناس، كما انه يؤدي دور وزارة الخارجية في العصر الحاضر.
ولأهمية الكتابة فقد كان الخلفاء في بداية الدولة الاسلامية يتولون هذا الامر بأنفسهم
حتى "إذا اتسعت رقعة المملكة واستقرت امور الدولة وشغل الخلفاء على ان يلوا
الكتابة بأنفسهم أو بخاصة عشيرتهم عهد بها الى كبار كتابهم حتى انتشرت وصارت صناعة
محكمة" (أحمد الهاشمي – جواهر الأدب) ويقول صاحب (صبح الأعشى) ان هذا الديوان
هو أول ديوان وضع في الإسلام. وبلغ من أهميته ان وزراء الدولة هم الذين كانوا
يتولون أمره في بداية الدولة العباسية.
أما الصفات التي ينبغي توفرها في صاحب
هذا الديوان فمنها ما يتعلق بشخصه، ومنها ما يتعلق بعلمه ومنها ما يتعلق بطبيعة عمله.
فعلى الكاتب ان يكون حريصا على تقوى الله عز وجل، ((والطريق الموصل الى هذا المقصد
صلاح النية فيما يتولاه من امور السلطان وقصد النفع العام له ولرعيته، والاجتهاد
في اغاثة الملهوف، والاخذ بيد الضعيف ... ومن الاخلاق التي يجب ان يتحلى بها
الكاتب لزوم العفاف والتعفف عن المطامع الذميمة والمطامح الوخيمة)).
ومع مرور الزمن تغيرت المسميات وتنوعت
الاختصاصات وكثرت ولكنها لم تتعد كثيرا الاصول التي عرفت في الدولة الاسلامية ومن
الادارات الجديدة التي تشترك مع ديوان الانشاء في كثير من اختصاصه ادارة العلاقات
العامة والاعلام. وان كان ديوان الانشاء يتبع الخليفة او الوزير او الوالي فان
المؤسسات الحكومية والهيئات والمؤسسات الخاصة أصبح لكل منها ادارة علاقات عامة
خاصة بها.
كوادر مؤهلة في هذا المجال اصبح هذا الفرع يدرس
في الجامعات احيانا ضمن تخصص الاعلام ، ويدرس منفصلا في جامعات اخرى. وقد قام قسم
الاعلام بالمعهد العالي للدعوة الاسلامية بالمدينة المنورة بتقديم دورة او اكثر في
العلاقات العامة لمنسوبي الادارات الحكومية والخاصة في المدينة المنورة. كما ان
معهد الادارة قدم مثل هذه الدورة وربما لاتزال هذه الدورات تقدم فيه.
وبالرغم من كل هذا الاهتمام بالعلاقات
العامة فلايزال مفهومها غامضا لدى بعض الادارات الحكومية حيث يعتقد هؤلاء ان عمل
العلاقات العامة يقتصر على الاتصال بوسائل الاعلام المختلفة لتغطية اخبار تلك
الادارة او ترتيب لقاءات صحفية مع المسؤول الاول او الدفاع عن هذه الادارة او
تحسين صورتها او تزيينها او الرد على الشكاوى والاقتراحات. ولذلك نجد هؤلاء
المنسوبين يلجؤون الى البحث عن شخص له علاقة بالإعلام وغالبا ما يكون هذا الشخص
محررا متعاونا او محررا سابقا. وبعض هؤلاء المحررين هم ممن توقف بهم قطار العلم بل
حتى قطار الصحافة، وقد لا يمتلك المؤهلات الأخرى التي ذكرت بعضها هنا.
لذلك
فإنني اوجه الدعوة للاعتناء بمسألة العلاقات العامة، وحبذا لو رجعنا الى تراثنا
الغني الذي حدد صفات صاحب ديوان الانشاء والعاملين فيه.
وقفات:
وقفة
اولى: لم يشر رد امانة المدينة المنورة الذي
نشر في 3/ 6/ 1412هـ الى زاويتي الاسبوعية وعنوانها، واستخدم كاتب الرد لفظ
((مواطن)) وان كان شرفا لي ان اكون مواطنا لهذا البلد الطيب لكن المقام والسياق لا
يناسبان استخدام هذا اللفظ (وانزلوا الناس منازلهم) وكذلك استخدم كاتب الرد لفظ
يولول ومعناها حسب (لسان العرب) : ولولت المرأة أي دعت بالويل واعولت . وهذه من
الالفاظ التي ينبغي للمسؤول عن العلاقات العامة ان يترفع عن استعمالها بل عليه
الحرص على الالفاظ الرقيقة التي تنم عن الخلق الفاضل.
وقفة
ثانية: تأجير الحدائق العامة امر لم يعد على
بعض هذه الحدائق او المواطنين بكثير فائدة، بل قد أضر بها فهذه حديقة المجد قد جفت
بعض اشجارها وتوشك ان تموت. اما حديقة النخيل فقد طلى الجبل باللون الاخضر وقد
خلقه الله احمر يميل الى البني، ومن عجائب خلق الله اختلاف ألوان الجبال.
وقفة
ثالثة: حبذا لو نظر العاملون في مجال العلاقات
العامة او المتخصصون فيه في كتاب (صبح الاعشى) للقلقشندي وبخاصة المجلد الاول
فانهم لا شك سيفيدون كثيرا.
المدينة المنورة العدد 9006 في 7 رجب
1412ه المقال السابع عشر
تعليقات
إرسال تعليق