الرياض 5 الحياة الاجتماعية


       كانت حياتي الاجتماعية والأسرية في الرياض حافلة حيث التحق أبنائي أحمد ومحمد ولؤي وأسماء بالجامعة ونالوا درجات علمية ، كما التحقت زوجي خديجة بالجامعة في عدة تخصصات ولكنها تخرجت باللغة الإنجليزية والترجمة ونالت الماجستير في المجال نفسه.
        بعد سنوات من السكنى بالإيجار في غرناطة الشرقية والواحة وحي الشهداء ثم تمكنت من شراء بيت قديم عمره أكثر من ثلاثين سنة أو أقل قليلاً في حي المصيف وبعد أن بعته سكنت مستأجراً في حي النزهة لأكون قريباً من مدرسة هاشم وفاطمة.
        من الذكريات المزعجة في الرياض أنها على مدار العشرين سنة منذ النفي الأول وعمليات الهدم والبناء مستمرة وقاتل الله شركات المقاولين (ثم الأمن) حيث استخدام الصبّات أو الحواجز الإسمنتية حتى قلت تفكهاً (بلاد الصبّات أوطاني) وذات مرة انطلق العمال يزرعون شارع أو طريق الملك عبد العزيز بالزهور والورود والخضرة حتى أسميت ذلك سوسرة الشارع أو الشوارع (جعلها سويسرية المظهر) وفجأة وصلت المعدات الضخمة تحمل عشرات الصبات ووضعوها على جانب الشارع وما هي إلّا برهة من الزمن حتى تهاوت عليها الفؤوس وقلعتها من جذورها (ولا أدري هل استفادوا منها في مكان آخر أو كان مصيرها النفايات) حتى إنني حينما أرى الحفر والحفر والتحفير أكاد أقول لن تنتهي أعمال الحفر حتى يوم القيامة.
        ولكن الحقيقة بعض التحفير والهدم انتهى إلى مشروعات جميلة ويسّرت المواصلات وأعانت الناس ومثال ذلك عدة جسور في طريق أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، وشارع العروبة ومخرج 9 أو شارع الإمام أقاموا فيه عدة أنفاق وكانت عملية وفعّالة حقيقة. وحتى طريق الملك عبد الله أنجزوه (وإن تأخروا كثيراً ) ولكن ما ان انتهى حتى عاد الحفر إليه لأن المترو أو الترام سيمر منه.
        كانت أيام الرياض حافلة بالمعارف والأحباب والأصدقاء ويستحقون أن أكتب عنهم واحداً واحداً. وسأذكر مع ذلك عدداً منهم فأبرز من صاحبت في الرياض الأخ الحبيب الدكتور يحيى محمود بن جنيد الذي كان إلى وقت قريب الأمين العام لمركز الملك فيصل، فقد كان نعم الأخ الصديق الرفيق لولا أنني حين أتيت ببعض الوثائق التي تثبت نسب المطبقاني للحسين بن علي رضي الله عنه أثار مسألة تزوير الأنساب وإن هذا الأمر حدث من بعض العائلات. فآلمني كثيراً ولم يكن موفقاً في ذلك تلك المسألة.
        وممن عرفت وأحببت في الرياض الابن بشير بن نعمان بن دحان فقد عرفته قبل أن أصل الرياض حيث كان يبحث في الاستشراق وكاتبني وتأخرت فأرسل لي غاضباً وعندها كتبت له لك ما تريد من كتب ومقالات وبحوث إن أحببت أرسلها أو أسلمها لمن تريد ثم التقينا واستمرت صلتي به حتى غادرت الرياض.
        ومن الأصدقاء الدكتور عوض البادي الذي يعمل في مركز الملك فيصل وبخاصة في مهمات مع رئيس مجلس الإدارة الأمير تركي الفيصل فهو نعم الرفيق النبيل الصادق.
        وعرفت الأخ بدر حامد الحربي أحد من عرفني من خلال الإنترنت أو الفيس بوك فأحب زيارتي فرحبت به وكتب عن تلك الزيارة كلمات لطيفة أنقلها

زيارة بدر حامد الحربي يوم الأربعاء 4 ذو القعدة 1433هـ
       حينما تزور الدكتور مازن مطبقاني في بيته، وحينما لا تهتدي إلى منزله فيسرع إليك على عجل باحثاً عنك على ناصية الشارع لابساً طاقيته "المشخلة" مصطحباً أحد أطفاله في مقعد السيارة الخلفي، وحينما يلمحك متوقفاً عند أحد المواضع المتفق عليها بينك وبينه، سيلوّح بيده إليك بطريقة عفوية محببه، وحين يسألك - وهو يعالج فتح باب المنزل- عن عملك و يجيبك مداعباً بأن العلماء قاسوا عقول الناس فوجدوا اصغرهم عقولاً ...المعلمين! فإنك لن تغضب؛ إذا كنت تفهم أريحية الدكتور و تبسطه، و روح الدعابة التي تشكل مناحي مهمه في شخصيته !.
       ولأنك انسان ثقيل، و تحب تكرار الكلام في الموضوع ذاته، و حالما تستقر جالساً في مجلسه الودود؛ ولأنك تحب أن تستعرض ثقافتك، و تبدد تلك التهمة التي أطلقها ضمنياً، أو ربما تريد أن تشعره بأنك تنتمي لهذه الفئة من الناحية الفيزيائية فقط؛ فأكد على ملاحظته تلك، و اذكر له قصة المرأة التي شكت إلى باديس بن حبوس (من قواد البربر) عقوق ابنها ، فأمر بضرب عنقه فقالت : صفحت عنه ، قال : ما أنا بمعلم كتاب؛ وضرب عنقه!.
       الدكتور مازن الذي سيعتذر منك بأدب لثقلٍ في لسانه بسبب جلطة ألمت به مؤخراً، لن يمنعه هذا من التحليق بك في سموات الاستشراق والمستشرقين، و تجاربه الشخصية في المؤتمرات العلمية ورحلاته و مناقشاته المتعدده معهم ، سيحدثك عن "مونتقمري وات" المبشر المسيحي و المستشرق وصديق "الامير خالد الفيصل" الذي سأله في أحد المؤتمرات و هو يجلس بجانبه: " مازن ألا ترى أن عقوبه (الرسول) لبني قريضة قاسية جدا؟!." فأجابه: "قبل أن تسأل هذا السؤال تحتاج أن تجاوب على سؤال أكبر هل هو نبي؟ أم لا ؟". وسيشرح لك الدكتور بأن القضية قضية خيانة عظمى في فترة لا يسمح فيها سوى بالحسم !.
        وسيحدثك عن المؤتمر الذي حضره في ألمانيا و نقاشاته مع أحد المحاضرين عن سقوط الليبرالية المدعومة من قبل الحكومات في البلدان العربية ومع ذلك تفوق عليها المد الاسلامي في معارض الكتاب و حراك الشارع !. وعن نفس المحاضر كيف سأل الدكتور وأجاب بنفس الوقت : "تعرف يا دكتور مازن من نجم المؤتمر ؟... أنا وأنت !".
       و سيحدثك عن شاب عربي، في اسبانيا من الجيل الثالث، لايحسن العربية، في مؤتمر آخر في اسبانيا؛ يحاول اثبات أن: لا دوله في الاسلام، و يستشهد بقيادات فكريه من مثل علي أمين وعلي عبدالرازق وصادق جلال العظم و آخرين .. و جاءت مداخلة الدكتور بطريقه صادمه وجريئة؛ ليعلن بالمؤتمر، الذي يفترض انه استشراقي بحت؛ بأنه يشم من كلام الباحث رائحة "الاستشراق"! و سيؤكد لك الدكتور بأن استخدامه لهذه العباره، في هذا السياق؛له دلاله سلبية صارخه، يعرفها جميع من كان حاضرا للمناقشه، ثم استطراده سائلا المحاضر: " هل تريد أن تغطي الشمس بغربال؟" وكيف أنه تحدث عن القرآن و مافيه من معالجات قضائية للأفراد، و مناقشات سياسية للطواغيت؛ من أمثال فرعون، واسهابه في الحديث عن الدول الاسلامية منذ عهد النبوة، وعلى مر التاريخ، التي كانت تحكم بالشريعة، و أن الاسماء التي ذكرها المحاضر ليست لقادة فكر حر؛ وإنما أدوات تبرزها السلطة!.
و سيحدثك أنه كان يحاورهم بأسلوب قوي و مقنع جداً و لا يركن للين معهم ولا الضعف!. وستضحك من استدعائه للفظة "عُتل" في وصف بعض المستشرقين مقارنة بضعف الطلاب المسلمين الذين يدرسون على أيديهم، و كيف أن هؤلاء يستفيدون منهم في أبحاث محددة نتيجة لقربهم من بيئتهم الاسلامية، ثم إنهم فيما عدا ذلك -غالباً- ما يجعلونهم يُعدون اطروحات تافهة؛ مقارنة باطروحات زملائهم الذين هم من بني جلدتهم !.
      وسيتطرق إلى نفي الفكرة السائدة حول أن علم الاستشراق في طريقه للانحسار، مستشهداً بعشرات المؤتمرات و الدراسات و المنح و مراكز البحث في الجامعات الغربية، و كيف انه على صله قويه بالمستشرقين، و تصله منهم دعوات ورسائل بصفة اسبوعية. غير أنه سيؤكد بأن الاستشراق تفرع وظهرت منه تخصصات متعدده، فحين تواجد في مؤتمر ألماني هالَه كيف تخصص بعضهم في دراسه الحياة الاجتماعية في الدوله العثمانية، من خلال : نخل و تفحص، ما يعرف بالارشيف العثماني، والمشتمل على الوثائق التي تصدرها الجهات الحكومية، مثل المحاكم والقطاعات الادارية والعسكرية الأخرى.
       و سيحدثك الدكتور عن أهمية اجادة اللغة الانجليزية بطلاقة؛ لخوض هذا المجال، و عن تطلعه لإعداد برنامج إذاعي أو تلفزيوني ، ليفيد في هذا العلم الذي يُعد هو من رواده في بلادنا، و صاحب أول اطروحة دكتوراه درست المستشرقين.
       وسيتناول معك جوانب متعدده حول ابحاثه و مشاريعه العلمية الشخصية، بحيث يجعل الوقت يمر عليك بسرعة ، و أنت تحاول تارة أن تستمع له و تارة أن تشاركه الحوار لكي لا تكون سلبياً أو عالة عليه ما استطعت !.
      وستلاحظ الأدب الجم الذي اشتمل عليه أحد ابنائه على صغر سنه، ومشاركته والده الحديث حينما يتطرق للجوانب العائلية ؛ وستربط ذلك -بلا ريب- بأسلوب التربية الذي يعتمده الدكتور "ابو غيث" مع ابنائه والذي يدفعهم من خلاله بالثقة بأنفسهم بحيث صارت ابنته ذات الثلاثة سنوات مشغوله داخل المنزل في اعداد رحلتها المزعومة نحو الفضاء الخارجي !.
وكتبت له في حينها:" أتسمح لي أن لا أشكرك بل أستأذنك بالاحتفاظ بالمقالة كاملة فقليل ممن زارني رآى أن الزيارة تستحق أن يكتب عنها ، لك الفضل والمحبة"


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية