الجزء الثالث من رحلات بيروت (وهناك أكثر ) ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالجيد


يوم مبارك وأناس مباركون في بيروت

       كتبت إحدى القارئات الكرام في منتدى أهل التفسير مبدية انزعاجها من حديثي عن جوانب من لبنان وبيروت على الخصوص، وتمنت لو أخبرتها قبل سفري لأرشدتني إلى الأماكن الطيبة في بيروت وإلى المناطق التي تكثر فيها المساجد والمصلون والأماكن الصالحة. و كان مما كتبته الأستاذة سمر الأرناؤوط: "أولاً لو علمت بمقدمك لكنا في استقبالك على المطار زوجي وأنا واستضفناك في بيتنا المتواضع، ثانياً ساءني أن يكون الفندق الذي نزلت فيه في منطقة الكسليك المارونية المسيحية بامتياز حيث الملاهي الليلية والخمارات وكل ما خالف الشرع والأعراف ولو سألت قبل ذهابك لأرشدتك إلى أحد فنادق بيروت الهادئة بجوار مساجد بيروت القديمة أو الحديثة في عقر دار السُنة المساكين لكن قدر الله وما شاء فعل" وأضافت في موضع آخر قولها: "ولكن اسمح لي أن أذكرك أن في لبنان مناطق في غاية الهدوء والسكينة وأهلها مسلمون مؤمنون يجتمعون في حلق الذكر في البيوت وفي المساجد وتعقد الندوات العلمية ويستضاف العلماء ولدينا من الشباب الملتزم الكثير بحيث تضيق بهم المساجد في الصلوات ولدينا من المحجبات والمنقبات الكثير بفضل الله تعالى لكن في مناطقهم المحافظة فأدعوك لزيارة بيروت ثانية لأريك هذه المعالم حتى لا تبقى في الذاكرة صورة سيئة الذكر عن بلدي الذي كانت نساؤه من عهد قريب لا تخرجن إلا منتقبات وعاصرتهن في بداية عمري
    هي على حق فقد كانت تلك الصورة قاتمة وهي يعترف بوجودها ولكن ليست هي بيروت كلها. ففي البداية أقول له إنني لم أختر الفندق وإنما كان اختيار المنظمين للمؤتمر لأنه الأقرب إلى مقر المؤتمر ولأن الوكالة التي يتعاملون معها هي التي حددته. وثانياً لقد جئت إلى بيروت من أجل حضور المؤتمر فأنا ضيف إلى حد ما (على حسابي) والضيف كما تقول العرب في حكم المضيف أو أسير للمضيف
     وكنت مسافراً حتى لقيت من أحب من أهل بيروت وكما ينسب إلى الإمام الشافعي  قوله: 
أحـب الصالحيـن ولسـت منهـم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكـره مـن تجارتـه المعاصـي ولـو كنـا سـواء فـي البضاعـة
     وإن كان أجمل من هذا سؤال الرجل الرسول  عن الساعة فقال له عليه الصلاة والسلام(وماذا أعددت لها) فقال: لم أعد لها كثير صلاة ولا صيام ولكني أحب الله ورسوله، فقال  (المرء مع من أحب) فقال راوي الحديث  "ما فرحنا بشيء بعد إسلامنا بفرحنا بهذا الحديث" فقد وجدت من أحب ومن لست منهم وإليكم تفاصيل ما حدث.
   ذكرت أنني قبل سنوات كنت أشارك في برنامج (حوار بلا أسوار) مع الأستاذ جاسم المطوع (الذي نسيني حين أصبح مدير قناة (اقرأ) ) فلقيت بعض الشباب والشابات ممن يعمل في مجال الدعوة فعرفوني بالمنتدى الإسلامي وجمعية الاتحاد الإسلامي. فكانت معرفة مباركة لأناس فيهم الخير والبركة نحسبهم كذلك والله حسيبنا وحسيبهم. فتوطدت العلاقات بيننا وبخاصة الشاب محمد العربي الذي قدمني في محاضرة عن الاستشراق في المنتدى.
       وفي هذه الرحلة قبل أن أسافر إلى بيروت دخلت الشبكة العنكبوتية ووضعت اسم المنتدى فوجدت عنوانهم وهواتفهم فأرسلت رسالة عن طريق المنتدى أنني سأكون في بيروت في الفترة من 1-4 يونيو (حزيران) وأرغب في زيارة المنتدى وربما تقديم محاضرة. فما أن وصلت بيروت وفي الليلة الأولى وصلني اتصال من الأستاذ أحمد زعيتر الذي يشرف على المنتدى بالإضافة إلى عمله في حقل التربية والتعليم مما يتطلب منه العمل من الثامنة صباحاً حتى السابعة مساءً، وهي طاقة وهمة عالية. وهذا أمر معروف عن اللبنانيين التفاني في العمل والإخلاص. وكذلك فاللبناني يحب أن يعيش عيشاً رغيداً فيعمل بطاقة عالية لا يقدر عليها كثير من الناس في بلاد أخرى. والدليل على محبة اللبنانيين لرغد العيش أنك ترى الرجل يرتدي من الملابس ما تظن أنه من الأثرياء ولكنه قد يقتر على نفسه في المأكل والمشرب وغير ذلك ليكون في أبهى منظر (دون إسراف عند البعض) وكأنهم يعملون بحديث المصطفى (فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كالشامة في الناس فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش) وفسر ذلك المناوي بقوله(أحسنوا ) ندبا (لباسكم) بالكسر أي ما تلبسونه من نحو إزار ورداء أو قميص وعمامة أي نظفوه واجتنبوا البالغ في الخشونة (وأصلحوا رحالكم) أي أثاثكم أو سروجكم التي تركبون عليها أو الكل (حتى تكونوا كأنكم شامة) بفتح فسكون وقد تهمز وتخفف وهي أثر يغاير لونه لون البدن يسمى خالا وأثرا والمراد كونوا في أصلح زي وأحسن هيئة حتى تظهروا (في الناس) فيرونكم بالتوقير والإكرام والاحترام كما تستملحون الشامة لئلا تحتقروا في أعين العوام والكفار فيزدريكم أهل الجهل والضلال فيندب تنظيف نحو الثوب والعمامة والبدن وتحسينها لكن بلا مبالغة ولا مباهاة ولا إعجاب (فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي)
      ولما جاءني الاتصال من الأستاذ زعيتر اتفقنا أن نلتقي في صبيحة اليوم التالي لانتهاء المؤتمر وهو يوم عودتي. فتواعدنا على العاشرة صباحاً وقبل العاشرة بربع ساعة كان الأستاذ أحمد في صالة الفندق وكنت مستعداً والحمد لله فبدأنا يوماً مباركاً أحدثكم فيما يأتي عن تفاصيله.
      بعد الترحيب والكلام الزين اللطيف الذي يتقنه إخواننا في لبنان وهم كما كانت أمي  تقول (ياخذوا العقل) أي يأسروا العقل واللب، بحسن كلامهم ولطفهم بل إنهم يقولون من الألفاظ اللطيفة ما لا تسمعه على لسان غيرهم وأتعجب أن اللبنانيين احتكوا ببعض الناس الذين غلب عليهم الجلافة والجفاء فلم يؤثروا فيهم ولا أدري ما السبب. فاللبناني يقول (حبيبي، عيوني، تؤبرني، يا روحي وغير ذلك) انطلقنا فشرح لي أن النصارى في القديم لجأوا إلى هذه المنطقة من لبنان حين أفتى الأوزاعي  بتركهم بعد صراعات مع أهل السنّة، فامتلكوها وحرّموا على مسلم أن يكون معهم أو بينهم
      وصلنا المنتدى الذي يقع خلف أسوار الجامعة الأمريكية الذي يحتل موقعين أحدهما مكتبة وقاعة محاضرات والثانية المكاتب الإدارية وكتب التعريف بالإسلام حيث تحتوي المكتبة على كتب بست وأربعين لغة تقريباً ويرسلون هذه الكتب إلى شتى أرجاء العالم. والمنتدى يعمل داخل الجامعة الأمريكية من خلال الطلاب المسلمين الذين ينشطون ثقافياً واجتماعياً في الجامعة. كما علمت أن المنتدى يدخل في حوارات مع علماء من الغربيين حول الإسلام حتى أسلم على يديهم عدد من العلماء الكبار وفي موقعهم تفصيل لذلك وعنوان الموقع على الشبكة هو  http://www.islam-forum.net/ كما أود التنبيه إلى موقع مجلة منبر الداعيات وهو  http://www.itihad.org/minbar
أصحاب هذا المنتدى أصحاب همة عالية وطموح كبير فقد استضافوا في منتداهم كبار العلماء من أنحاء العالم الإسلامي، ولأن عملهم واضح وسليم فإن هؤلاء العلماء ما كانوا ليتشجموا عناء الزيارة وإلقاء المحاضرات وإعطاء المقابلات لمجلة منبر الداعيات وأذكر منهم العالم الفقيه الدكتور محمد موسى الشريف والشيخ غازي التوبة والشيخ الدكتور حاكم المطيري وغيرهم كثير.
وبعد أن تجولت في المنطقة حيث مررنا بمقر الشيخ فيصل مولوي وهو العلم البارز في العمل الإسلامي الدعوي الذي كتب في موقعه بعد وفاته ما يأتيومولوي من مواليد (1941م طرابلس- لبنان)، وهو داعية ومفكّر إسلامي، معروفٌ في لبنان والعالم العربي والإسلامي والأوروبي. وكان مولوي رئيسًا لجمعية التربية الإسلامية في لبنان وشغل منصب الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان، ورئيس بيت الدعوة والدعاة منذ تأسيسه سنة 1990 وعضو اللجنة الإدارية للمؤتمر القومي الإسلامي
     وبعد العصر مباشرة كان اللقاء مع مجلس إدارة جمعية الاتحاد الإسلامي ورئيسه الشيخ حسن قاطرجي. ودار حديث عن نشاطات الاتحاد وبخاصة عزم الاتحاد أن يشترك الشباب اللبناني في المحافل الأكاديمية والمؤتمرات وطريقة إعداد هؤلاء الشباب فعلمت أنهم انتدبوا شابين لحضور دورة في إسبانيا في مركز إسلامي هنا حول التفكير النقدي (وهو ما نفتقده كثيراً في عالمنا العربي الإسلامي) للخروج على الحفظ والتلقين والاستسلام مع أن القرآن الكريم نبه إلى أهمية التعقل والتدبر والنظر والتفقه.
      وأمطروني أسئلة حول نشاطاتي العام الماضي وتفاهمنا على بعض الأمور لتدريب بعض الشباب والشابات على حضور المؤتمرات والندوات والمناظرة وغيرها من الأمور.
ورأيت لوحة عند الباب فيها إعلان عن التهجد يوماً في الأسبوع مع تحديد الساعات. وهو أمر كم أغفلناه وجميل أن يحرص المسلمون عليه عملاً بقول سيدنا محمد (وصلوا بالليل والناس نيام) وقد شاهدت شيئاً من هذا في عزبة طلاب جامعة الملك عبد العزيز قبل أكثر من ثلاثين سنة، فكنا في فصل الشتاء ننام في باحة المنزل فلو تحركت قليلاً لوجدت بعض الشباب راكعاً ساجداً تالياً لكلام الله  فما أروعه وأجمله من منظر.
   كم أود أن أطيل في الحديث عن هؤلاء الناس وجهودهم ونشاطاتهم ولكن يكفي من العقد ما أحاط بالجيد ولكن أسأل الله أن يحسن لي ولهم النية والعمل، وأن يبارك في جهودهم وأن يخذل دعاة الانحراف والفساد في كل مكان.

وكتبت الأخت سمر الأرناؤوط:
    بارك الله فيك أستاذي الفاضل على هذه الذكريات الطيبة وهذا الوصف الدقيق وقد سعدت بإضاءتكم على الجوانب الإيجابية والنماذج المشرّفة في بلدي والتي طمسها الإعلام والإعلان عن لبنان سياحة الملاهي والمراقص واللهو، أشكرك ثانية ومع زالت دعوتي قائمة لكم
     شكراً لك أخت سمر على الدعوة وأتشرف بتلبيتها وأؤكد لك أنني ما كنت لأظلم أهل بيروت ولبنان أبداً فقد عرفت هذا الخير في لبنان منذ زيارتي للمشاركة مع الأستاذ جاسم المطوع، وقد أحاطني الإخوة بكل رعاية واهتمام أكثر مما أستحق. ولولا خوف الإطالة لتحدثت عن أشياء أخرى ولكن هي مذكرات مسافر فقط.
    يشهد الله أستاذي الفاضل أني ما علّقت على الموضوع الآخر إلا لأني أعلم تصور الناس للبنان وأهله ومما أذكره عندما كنت في السعودية عملت في مدرسة خاصة وفي أول يوم ذهبت للصلاة في غرفة الصلاة فرأتني إحدى المدرسات السعوديات وكانت تعرف أني لبنانية فاستوقفتني وسألتني أنت متأكدة أنك من لبنان؟ فاستغربت وسألتها لما تسألين؟ قالت أنت ستصلين قلت ولله الحمد أصلي منذ صغري، قالت ظننتكم في لبنان مثل مذيعات قنواتكم الفضائية، فعذرتها وشرحت لها شيئاً عن حال مجتمعنا. ومنذ ذلك الوقت أسعى لأظهر بلدي بصورة طيبة مشرّفة لعلها تطغى على الصورة المشوهة للإعلام الذي يصف حالة مجتزاه من واقعنا لغايات معروفة ويغفل ويطمس الأخرى أيضًا لغايات معروفة. قد لا أصل إلى ما أتمناه بالكلية لكنها محاولة بسيطة أبتغي بها وجه الله تعالى.
وكتب الدكتور أحمد البريدي: زدنا من روائعك يا دكتور مازن زادك الله علماً وعملاً.
   
لقطات:
يقولون سُمِّي الإنسان إنسانا لنسيانه أو كثرة نسيانه، وأحمد الله أن لي ذاكرة طيبة (قولوا ما شاء الله) ولكني أساعد هذه الذاكرة بدفتر أقيد فيه ما يمكن أن يكون طريفاً ومفيداً ومضحكاً أحياناً. وكان مما دونت في دفتري بعض اللقطات من المؤتمر والجولة في بيروت.
-        ثلاثة على المنصّة يسبق اسمهم (الأب) وبالإنجليزي الحرفين Fr. فهل كان بالإمكان حضور أربعة أو خمسة من المسلمين الذين يحملون لقب شيخ باستحقاق ويعتزون بالإسلام ويقدمون ورقات علمية متميزة بلغة عربية سليمة أو باللغة الإنجليزية؟
-
دخل القاعة عدد من رجال الدين النصارى وأجلسوهم في الصف الأول وبدا على ظاهرهم الوجاهة فأسرع أحدهم بعد دخولهم وصعد إلى المنصة وأخذ اللاقط وأراد أن يرحب بهم دون أن يستشير رئيس الجلسة فقال له الرئيس دعني أشكر المتحدثين ثم قل ما شئت، وكان يريد أن يرحب بالمطران سين والمطران صاد، وأحدهم مطران عُيّن حديثاً رئيساً للكنيسة الأرمينية في نيويورك وسوف يسافر بعد يومين لتولي مهام منصبه، ورحب بأحد القساوسة من الكنيسة التي أسست الجامعة. وهنا ظهر لي أن المجاملات أو النفاق أو الاحترام موجود عندهم للتراتبية الكنسية. فهم وشأنهم ونحن اخترعنا سمو ومعالي وسعادة وعطوفة ونيافة وبطيخ. وأعجبني أن لبنان قبل أعوام قرروا أن يلغوا كل تلك الألقاب، ويقولون رئيس الجمهورية حاف أو ربما رتبته العسكرية وليس فخامة أو صاحب كذا وكذا، ولا أدري هل التزم بها اللبنانيون أو لا
-        في مطعم الكلية كنت أقف لأطلب كأس شاي فسمعت المحاسب يتحدث مع صديق له ويقول أرأيت تلك الفتاة في آخر القاعة (قاعة الطعام) الفتاة التي تقف مع الفتاة التي ترتدي كذا، أنت تعرفها وكأنهما يتآمران على أمر، فقال الشاب صديق المحاسب ولكنها منظرها كذا وكذا أو خلقتها ووجد فيها عيباً معيناً. وهنا تساءلت عن الدعاة إلى الاختلاط مع الأزياء الفاضحة أو حتى والله بدونها فإن الشباب في هذه المرحلة إن لم يكونوا يملكون الوازع الديني الذي يمنعهم من زنا النظر واليد واللسان والرجل والفرج ولم يعرفوا غض البصر وهو أمر صعب في ثقافة لا تعترف بكل هذا فستكون الغريزة هي التي تقود التعامل بين الشاب والفتاة في الغالب. وهل كان هؤلاء الرجال الذين تمر من أمامهم نساء لم يأتين إلاّ لإظهار مفاتنهن بلبس الضيق أو العري شبه الكامل
-        نصراني من فلسطين يهدد أننا في المملكة سنواجه متاعب جمة بعد قليل تفوق كثيراً من القضايا التي نعاني منها الآن، وهي قضية عدم وجود كنائس في بلادنا، وقد أمسكت عن مناقشته في أمور كثيرة لحرصي على استمرار العلاقة لشيء في نفسي، ولتحقيق مكاسب أكبر من الاعتراض ولكن في هذه المسألة قلت له: إن صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم قال (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان) وكان من آخر وصاياه https://vb.tafsir.net/images/smilies/slah.png أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب وطبق ذلك عمر بن الخطاب https://vb.tafsir.net/images/smilies/anho.png. وسألته هل يرضى الفاتيكان أن يقام مسجد داخله؟ والأمر الآخر لما ذكرت الأمر في موقع تويتر أجابني الأخ عصام مدير أنه في كتبهم المقدسة أن بلاد الحرمين محرم دخولهما على غير المؤمنين. وقد وجدت نقاشاً في أحد المواقع في الإنترنت تحدث فيه أنور عشقي والدكتور حامد الرفاعي ولكل واحد منهما منصب ضخم فخم ولكنهما كأنهما لم يقرءا حديث الرسول https://vb.tafsir.net/images/smilies/slah.png  بل إن أستاذاً في جامعة البترول يتعجب لماذا لا يسمح للعمال النصارى أن يكون لهم مكان للتعبد. وأحب أن أضيف إن المسألة أخطر من ذلك وأستشهد هنا بكلام جميل للشيخ أبي الحسن الندوي https://vb.tafsir.net/images/smilies/rhm.png الذي يقول فيه:" وعدم اجتماع دينين وإخراج اليهود والنصارى من هذه الجزيرة الذي أمر به الرسول https://vb.tafsir.net/images/smilies/slah.png يحمل أبعاداً ومعاني أوسع مما يبدو ظاهراً من اللفظ، فهو يشمل إبعاد أثرهم وتغلغل حضارتهم وقيمهم في هذه الجزيرة وخطر نشوء جيل ليس بينه وبين الحرم ومسجد الرسول ورسالتهما تجاوب وانسجام وتفاهم واتفاق، بل بينهما بالعكس تباعد وتجاف خطر لا يوجد له نظير في التاريخ الماضي.." (كيف ينظر المسلمون إلى الحجاز وجزيرة العرب: مشاعر وأحاسيس ودراسات وملاحظات) (القاهرة دار الاعتصام 1399 هـ/1979م) ط2 ص 58 ويقول في موضع آخر: "ونهى أن يجتمع دينان فيها (جزيرة العرب) ولا شك أن وصيته النبوية الحكيمة لا تقتصر على إخراج غير المسلمين أجساماً ظاهرة، بل إنها تشمل نفوذهم وتوجيههم وحضارتهم ودعوتهم كما يفهم كل عاقل"(ص 81)
-        حاول أحد المتحدثين أن يمتدح التعايش بين المسلمين في ألمانيا وغيرهم فقال إن الأتراك يحتفلون بأعياد الميلاد مع النصارى ويضعون شجرة عيد الميلاد أما تعاطف النصارى مع الأتراك فهو أنهم يأكلون الطعام التركي. قد يصدق الأمر الأول على نسبة قليلة من الأتراك وبخاصة ممن فقد صلته بهُوُيته وانتمائه أو اعتقد أن شجرة الميلاد مجرد عادة اجتماعية وليس قضية عقدية. ولكن هل تناول الطعام التركي يدل على قبول الأتراك. إن الطعام التركي لذيذ كما أن المطاعم التركية التي تفتح إلى ساعات متأخرة لا يوجد غيرها في كثير من الأحيان- وقد رأيت هذا في أكسفورد، ففي منطقة وسط أكسفورد يبقى مطعمان مسلمان يعملان حتى أوقات متأخرة بينما يذهب الإنجليز للراحة والنوم أو للسكر والاستمتاع. فهل هذا تعايش؟
· 
من أوجه التبادل المعرفي تبادل الطلاب والأساتذة بين الجامعات في البلاد الإسلامية وجامعات غربية حيث تشترك خمس جامعات تركية وجامعات من إيران والهند في هذا البرنامج.
-       أشار أحد المتحدثين أن الذي يدرّس الإسلام يجب أن يكون مسلماً ولا مانع أن يدرِّس مسلم بعض الموضوعات النصرانية، ولكن في واقع الأمر معظم إن لم يكن الغالبية العظمى ممن يدرّس الإسلام في الجامعات الغربية غير مسلم وأحياناً أشخاص حاقدون على الإسلام والمسلمين. أما أن يسمح لمسلم أن يدرس بعض الموضوعات عن النصرانية فلماذا إذا وجد مسلم متخصص في النصرانية أن يدرسها أسوة بما يفعلون في تدريس الإسلام؟
-       أزياء رجال الدين النصارى من وضعها لقد وجدت عدداً كبيراً من الأزياء المختلفة بعضها يبدو على التأنق والترفيه والبعض الآخر يشبه ملابس رعاة الأغنام وتختلف نوعية الأقمشة المستخدمة فمنها الغالي ومنها فيما يبدو الرخيص، وأتساءل هل فكّر النصارى في هذه المسألة وهل المسيح عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا الكريم جاء بهذه الأزياء والتقليعات؟ ألم يكن نبياً يدعو إلى الزهد والتقشف والبعد عن زخارف الدنيا حتى ذكرهم القرآن الكريم (ورهبانية ابتدعوها ما فرضناها عليهم) فوجوه رجال الدين النصارى متوردة ويبدو عليهم النعيم.
صانع القهوة أمام مقر الشيخ فيصل المولوي https://vb.tafsir.net/images/smilies/rhm.png
-        وقفت أمام عربة لصانع قهوة وتأملته وهو يصنعها فلديه أنبوب غاز داخل العربة التي يخرج منها الأنبوب إلى الموقد ولكن الموقع صناعة محلية فهو عبارة عن صاج وفوقه رفوف وعلى الصاج رمل ولديه إبريق فيه ماء يغلي فما أن تطلب القهوة حتى يسكب قليلاً من الماء المغلي في الدلة أو الجزوة ويبدأ في صنع القهوة ولكن رأيت على الصاج شيئاً غريباً وهو كمية من الرمل الناعم، والسبب أن القهوة يجب أن تغلي على نار هادئة فيحرك الدلة في الرمل الحار ويحرك القهوة بالملعقة فتصبح القهوة جاهزة في لحظات وينتظر قليلاً حتى تهدأ القهوة ثم يصبها في كأس من الورق. واللبنانيون يتقنون القهوة التركية بامتياز فلم أشرب فنجان قهوة واحد شعرت أن مستواه أقل من الممتاز. ربما دخلتهم القهوة المضغوطة ولكن يبقى مزاج الشوام عموماً في القهوة التركية قوياً.
-        الجامعة وأحد البنوك بيبلوس، لقد أزعجني أنني حيثما ذهبت في الجامعة رأيت إعلانات ولوحات البنك حتى الأوراق التي أعطونا إياها في المؤتمر هي دفاتر موضوع عليها شعار البنك واسمه. فإذا كان البنك يتبرع للجامعة فعيب أن يجعل الجامعة صفحة إعلانات له. لا أدري لماذا لا ينزعج الطلاب والأساتذة من هذه الحضور الطاغي للبنك، أما أنا فقد كرهت البنك ولو لم يكن سواه ما تعاملت معه، هل يصبح المال فوق العلم، هذا ما يظن أصحاب المال أنهم فوق أهل العلم. وقال أحدهم لماذا يذهب أهل العلم إلى أهل المال، فكان الجواب لأن العلماء يدركون قيمة المال بينما لا يدرك أصحاب المال قيمة العلم.
-       معرض الأبجديات وهي مؤسسة عالمية كان لها طاولة خاصة لعرض بعض مطبوعاتها ويزعمون أن الأبجديات ولدت في أرض الرافدين ومصر أو ربما قالوا إن الفينيقيين هم أول من اخترع الأبجدية حيث كانت الكتابة في بلاد الرافدين ومصر بالخط المسماري والهيروغليفية اللذان لم يتقنهما إلاّ نخبة محدودة أما عندما تطورت الأبجدية أصبح التواصل أسهل بين الناس. ولم أتوقف طويلاً عند هذه القضية فلعل هناك من يهتم بها لأسباب مختلفة.
أخي المستشار أحمد البريدي حفظه الله، لولا هذه الكلمات الرقيقة منك ومن إخوة كرام وأخوات كريمات لما كتبت، والأمر الآخر لا تنسوني من دعواتكم أن يكتب الله لنا الإخلاص فيما نقول ونفعل وندع، فيا ولينا إن كان هدفنا غير رضى الله https://vb.tafsir.net/images/smilies/3za.png
الدكتور مساعد الطيار
مقالة لطيفة وممتعة، كعادتكم في إتحافاتكم يا دكتور مازن.
    لقطات حلوة يا دكتور مازن، ويعجبني أنك تضع رأيك فيما ترى بطريقة تذكرني بما قيل عن الزمخشري ـ مع الفارق طبعًا ـ: (ولبراعته في الكلام، وتمكنه من فنون القول، وبعد غوره يدس بعض آرائه في أثناء تفسيره)، فقد أتتك البراعة في دسِّ أرائك في بعض ما تنقله من هذه المواقف، وإن لم تصرِّح بها، فهنيئًا لك.
وكان ردّي عليه:
    بوركت يا دكتور مساعد على ثنائك على كتاباتي المتواضعة، وأما قولك إني أدسُّ رأيي ولكني أرى أنني واضح ومباشر في تقديم ما أرى لرسالة أرغب إيصالها ولولا هذا الرأي فما للكتابة من معنى. ولكن من حقك أن تقرأني كما تشاء. والحمد لله الذي جعل لي قارئا بمكانة الدكتور مساعد فأنا المحظوظ والفائز.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية