أحمد محمد جمال رحمه الله (وغاب نجم طالما تلألأ)



أمسكت بالجريدة يوم الاثنين أول أيام عيد الأضحى عام 1413هـ وتركت الصفحة الأولى لأقرأ مقالة أستاذي الحبيب الشيخ أحمد محمد جمال فوجدت العنوان هو العنوان ولكن كاتباً آخر قد كتب المقالة... وإذ هو رئيس التحرير نفسه الأستاذ أسامة السباعي ينعي الشيخ أحمد جمال بأسلوب بليغ مؤثر، لقد أذهلني الخبر وآلمني، أليس مما يؤلم أن نفقد أستاذنا الجليل ونحن لا زلنا ننهل من علمه ونتعلم من قلمه وقلبه.... فقرأت المقالة وأعدت القراءة مرات لا أكاد أصدق ما أقراً
وسكت ذلك القلب الكبير، أخفق القلب الكبير عن العمل فرحل عن دنيانا الفانية عالم جليل قدير
وفي تلك اللحظات الصعبة تتداعي الذكريات والأحداث فإذا أنا في عام 1394هـ يوم كانت جامعة الملك عبد العزيز ذات شطرين (وثلاثة فالثالث في المدينة المنورة) أحدها في مكة المكرمة والثاني في جدة. وكنت منتسباً لقسم التاريخ وكان من ضمن المنهج المقرر مادة الثقافة الإسلامية التي كان يدرّسها الأستاذ أحمد محمد جمال وتذكرت سؤاله في الامتحان عن الشباب المسلم والمشكلات التي تواجهه في السلوك الإسلامي وما كتبه رحمه الله في كتابه من أفكار صادقة عظيمة وصريحة جداً تدعو الشباب أن لا يكون سلبياً في مواجهة التيارات الفكرية الوافدة.
وتذكرت مقالاته الأسبوعية في جريدة المدينة المنورة حين كان يكتب صفحة كاملة بعنوان "من الجمعة إلى الجمعة" يتناول فيها القضايا الاجتماعية وهموم الوطن والمواطن بأسلوب رصين ولكن لا تحد اهتماماته حدود جغرافية أو زمانية، بل كان يتناول قضايا الإسلام والمسلمين. وفي أحد مقالاته استشهد رحمه الله ببضعة أسطر من مقالة كنت قد كتبتها في مجلة المجتمع عمّا يلاقيه الطالب المبتعث في الغرب فقال لي والدي رحمه الله: "هذه يا ولدي شهادة مهمة من كاتب كبير أن يستشهد بكلامك" ولم أدرك معنى ذلك حينها.
واستمرت الذكريات تتداعى فنقرأ للشيخ كتاباته الصحافية حول قضايا المسلمين فيصدع بالرأي السديد الصريح داعياً إلى وقفة الأمة الإسلامية وجه أية دولة تضطهد المسلمين بقطع العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية معها وترك الشجب والتنديد. فهذا العالم لا يفهم إلّا لغة القوة.
لقد كان الشيخ رحمه الله يستلهم هذا من ثقافته القرآنية العميقة وبخاصة من قوله تعالى (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ترهبون به عدو الله وعدوّكم)
وفي الأشهر الأخيرة يقوم الشيخ وهو في هذه السن المتقدمة فيدرّس المناهج الدراسية ويكتب حولها دراسة واسعة بلغت ست حلقات يقدم النصيحة الغالية الثمينة.
رحمك الله يا أستاذ أحمد فقد كنت معلّماً للخير داعياً إلى الله على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة.
إنها والله لفاجعة أن يتصيد الموت هذا النجم اللامع وهو في أشد أوقاته سطوعاً ولمعاناً، ولكنها إرادة الله وإننا لا نملك إلّا أن نقول إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهم آجرنا في مصيبتنا وعوضنا خيراً.
أمّا أنت أيها الشيخ الجليل وقد انتقلت إلى جوار ربك الكريم فنرجو أن ينالك منه الرحمة والمغفرة والرضوان كما وعد المخلصين المؤمنين.
أعلم أن للأستاذ أحمد جمال ثروة ضخمة من الكتابات التي لم تنشر بعد أرجو الله أن يوفق أبناءه لسرعة إخراجها لينال فقيدنا الغالي أجرها بإذن الله فهي من العلم النافع ولا شك على الرغم من كثرة كتبه المطبوعة، لكن لا غنى عمّا كتبه في الصحافة ولا سيما أن بعضها يؤرخ لكثير من قضايانا الاجتماعية ومسيرة هذا البلد الكريم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية