من خداع الإعلان

أعيد نشر هذه المقالة تذكاراً للأستاذ محمد صادق ذياب رحمه الله الذي نشرت المقالة في ملحق الأربعاء بجريدة المدينة حين كان مشرفاً عليها، وقد عرفت فيه رحمه الله الخلق الرفيع وسعة الأفق، وكرم الطبع. وقد نشرت عدة حلقات من زاويتي التي كان عنوانها (الزاوية) وقد نشرت المقالة وهي الخامسة في السلسلة التي لم تعمر طويلاً لاستضافتي في ملحق التراث وبعد ذلك في صفحة الرأي. وكان هذا في العدد ال 347 السنة الثامنة في 24 شعبان 1410هـ 21 مارس 1990م. وإليكم المقالة:

إحدى قنوات التلفزيون الأمريكي تسمى القناة التعليمية أو القناة التثقيفية، وعادة ما تكون استوديوهات هذه القناة في الجامعات الأمريكية التي تختارها، ويقال إن الذين يشاهدون بث هذه القناة هم الطبقة المثقفة أو طبقة المفكرين.

وكنت أدرس في أمريكا من عام 1388هـ حتى 1393هـ ولم أكن مثقفاً جداً ولا مفكراً وإنما كنت طالباً في المرحلة الجامعية ولم أكد أتعلم اللغة الإنجليزية لأفهم البرامج الثقافية حتى بدأت أنشغل عن التلفاز بالدراسة.

ومع هذا فقد شاهدت هذه القناة فكان من برامجها إجراء المقابلات مع كبار الفلاسفة والمفكرين الأمريكيين أو الذين هاجروا إلى أمريكا فأصبحت بلادهم. ومن هؤلاء المفكرين إريك فروم Erich Fromm المتخصص في علم النفس فكان حديثه عن خداع الإعلان وعدّد من أنواع الخداع ما يأتي:

1- المرآة الجميلة التي تقف بجوار السيارة الفارهة التي يفوق ثمنها طاقة معظم المشاهدين المادية، إنها تخدعهم بل وتخدع القادرين أن شراء السيارة يأتي بكل هذا الجمال فيتساقط على السيارة وصاحبها كما يتساقط الذباب على الحلوى.

2- عبارة (جديد) التي تصاحب كل منتج من مسحوق الغسيل إلى الصلصة إلى الصابون…الخ. وإن لم يكن فيه جديداً إلاّ عبارة جديد.

3- المقارنات الخادعة حيث يعلن كل صاحب سلعة أن سلعته هي الأفضل وأن كل مقارنة بين سلعته وسلعة الآخرين ساقطة.

4- الخيال الجامح فجرعة من دواء تأتي بالشفاء حتى قبل أن يتمكن الجسم من الإفادة الحقيقية من ذلك الدواء ومن أمثلة ذلك أدوية الصداع وأدوية المعدة.

5- الثراء العريض والجاه والمستقبل المشرق لمن يدرس علماً معيناً أو برنامجاً محدداً كأنما النجاح والمستقبل المشرق وصفة طبية مضمونة النجاح.

    إن الذي دعاني إلى الاهتمام بمسألة الإعلان أنني قرأت اليوم (وقت كتابة المقالة) إعلاناً يقول:"جواز سفر له إلى المستقبل المشرق" وإني والله من الذين حملوا هذا الجواز منذ عشرين سنة فمتى كان علي أن أنتظر المستقبل المشرق بعد خمس سنوات أو أربعة عشرة، ولا أريد أن أتحدث  هل كان مستقبلي مشرقاً بسبب حمل هذا الجواز، أو غير مشرق، لكن الآلاف غيري حملوا هذا الجواز (تعلموا اللغة الإنجليزية فماذا كان مستقبلهم؟)

  لا شك أن المستقبل المشرق يعتمد على مجموعة عوامل أولها توفيق الله عز وجل ورضاه، فالذي يوفقه الله للعمل بطاعته واجتناب معاصيه هو صاحب مستقبل مشرق مهما كانت حرفته أو عمله. أما العوامل الأخرى فهي القدرات العقلية والنفسية التي يتفاوت فيها الناس، وأي مستقبل مشرق يسعى إليه المسلم؟

 أعرف أن هذا سؤال كبير لكن المسلم لا يتطلع إلاّ إلى رفع كلمة الله عز وجل عالية ولا ترتبط مطلقاً بمعرفة لغة أو عدم معرفتها.

وإن كان لي طلب في هذا الشأن فلعل الجديد لا جدة فيه أو أن ما يزعم المعلنون أنه لا يقارن لا يصمد أمام المقارنة، أو إن المستقبل المشرق سيكون مظلماً حقاً. اللهم أنر بصائرنا بنورك واهدنا سبلنا ولا تجعلنا نخدع بأي كلام معسول.

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية