هل نحن بحاجة للحوار مع الأديان الأخرى؟



       نعم ليس هذا فحسب بل نحن مأمورون بذلك، ألم يقل الحق سبحانه وتعالى (ادع إلى سبيل ربّكَ بالحكمةِ والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) وقال تعالى (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن) وقال تعالى )قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) الحوار مع الأديان الأخرى فرصة لنا لنبلغ كلام الله الذي وصف هذه الأمة بقوله (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) ألم يكن من شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم إبلاغنا بالرسول حتى إننا نقف أمام قبره الشريف نشهد أنه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين؟ ما هذا الحوار الذي ننشده مع أصحاب الديانات الأخرى؟ هل ننشد حوارات مرفهة في رحلات استجمامية أو رحلات للنزهة وتحقيق مكاسب دنيوية. لقد شارك علماء مسلمون في عدد من الحوارات التي تدعو إليها بعض المؤسسات الكنسية الغربية، ولا نشك أن من يمثل العالم الإسلامي لا يمثلونه حق التمثيل. ولكن هل الحوار هو فقط تلك الحوارات المنظمة أو الحوارات التي يخطط لها النصارى ويضعون أجندتها؟ إن الحوارات قضية أكبر من هذا بكثير. إنها من الطالب المبتدئ إلى الأستاذ الجامعي حين يحضر الندوات والمؤتمرات، إلى الرحلات العلمية لقضاء التفرغ العلمي في بعض الجامعات الغربية أو الشرقية. إنها كل ذلك ولكن كيف نعد لهذه الحوارات؟
      يجب أن يكون لدينا عدد ممن يعتز بإسلامه ويفهم الإسلام روحاً ونصّاً، وثانيا أن يكون على علم بالأديان الأخرى وثالثاً يجب أن يكون ممتلكاً لناصية اللغة امتلاكاً جيداً. فاللغة هي وسيلة التواصل. يجب أن نتعلم كيف نحضر المؤتمرات والندوات في الجامعات الغربية وفي الشرق وفي كل مكان من العالم وحتى في بلادنا حين نحتاج إلى الحوار الداخلي. فالخطوة الأولى يجب أن يعرف عضو هيئة التدريس كيف يبحث عن المؤتمرات، وكيف يختار المؤتمرات المثمرة التي تزيده علماً وتكون له فرصة لأداء رسالته في تبليغ دين الله عز وجل أو الذي عنه، أو تصحيح صورة مشوهة عنه في أذهان الآخرين. ثم يجب علينا أن ندرب أعضاء هيئات التدريس من محاضرين إلى أساتذة كيف يعدون الورقة العلمية التي غاب قصّرنا كثيراً في تعلمها. لقد لاحظت أن بعض الجامعات البريطانية على سبيل الخصوص يدرّب الأساتذة طلاب الدكتوراه على المشاركة في المؤتمرات ومن ذلك رأيت أوراقاً أعدها أحد الأساتذة يقدم فيها تعليمات لطلابه عن كيفية إعداد بحث للمشاركة فيه في مؤتمر حيث يقول: لابد أن تكون الورقة المقدمة بحثاً مكتمل العناصر ويستحق أن ينشر في مجلة علمية. ثم ينبغي أن يتدرب المحاضر أو الأستاذ على إلقاء بحثه بقدرة وكذلك أن يكون لديه قدرة على النقاش والدفاع عن أفكاره وآرائه.
     ويأتي بعد ذلك أن يكون له حضور في الجلسات الأخرى أي يعرف كيف يسأل وكيف يناقش أو يعلق. .
        وللمؤتمرات جوانب أخرى اجتماعية فكرية فهناك اللقاءات بين الجلسات وفي الاستراحات وفي مناسبات التعارف وحفلات الاستقبال. عليه أن يتعلم كيف يفيد من هذه المناسبات لتكوين معارف أو شبكات معارف.
            أما ما أوصى به مؤتمر مدريد من توصيات فالقضية ليست قضية حوار يقضى فيه أكثر الوقت في البروتوكول والتشريفات والكلمات الترحيبية والمجاملات ولكن الجواب على قضية الحوار أنه لا بد من تحقق أساسيات لبدء الحوار وهي الاعتراف المتبادل أولاً فهل يصح أن أحاور من لا يعتقد أننا أصحاب دين سماوي مثلهم؟ لم أتابع حوارات الأديان ولكني قرأت ما كتبه الدكتور شوقي أبو خليل (الحوار والحوار دائماً) أشار فيه إلى أن النصارى لا يعترفون برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وبالتالي فالإسلام ليس ديناً. وقد كانت محاولات رائعة لوفد المملكة العربية السعودية في أيام الملك فيصل رحمه الله برئاسة الشيخ الحركان رحمه الله حتى كادت كنيسة روما وعلى رأسها البابا في ذلك الحين أن يصدر بياناً أو مرسوماً يعترف فيه بالإسلام ديناً، وذكر الدكتور أبو خليل أن ذلك البابا وأحد كاردينالاته ماتا في ظروف غامضة. والدكتور محمد عمارة من أبرز العلماء الذين شاركوا في حوارات بين الأديان فكتب بعد ذلك مقالة يعلن أنه لن يشارك بعد اليوم وأن هذه الحوارات لا معنى لها.
        إننا نتحدث في قضايا كبيرة وهي الصراع بين الحضارات أو تصادم المصالح أو سعي الشركات الكبرى العالمية السيطرة على العالم. فنحن أحياناً (وأعتقد أننا غالباً) ننغمس في قضايا كبرى ولا نهتم أننا حتى نستطيع أن نحاور الأمم الأخرى علينا أن نصلح أحوالنا الداخلية. هل وضعنا نظاماً سياسياً أو اتخذنا نظاماً سياسياً يحقق للشعب الكرامة والحرية؟ هل وضعنا حلولاً عملية لمشكلة البطالة أو عجز الجامعات عن مواجهة الزيادات الهائلة في أعداد الطلاب، هل الابتعاث اليوم يضع الحل؟ بودي أن أعرف بعد أربع سنوات كم عدد من يتخرج من هؤلاء؟ وهل سنرجع إلى أيام يقول الملحق للطلاب اذهب إلى كلية كذا فبإمكانك أن تحصل على الشهادة؟ هل أستطيع أن أعرف كم من الطلاب من سيقع في شرب الخمر والزنا؟ وكم منهم سيرجع وقد أصابه مرض الإيدز. نتحاور مع الأمم الأخرى حين نستطيع أن نتغلب على حفر الشوارع وعلى المدارس المستأجرة وعلى المدارس الخاصة التي تعطي العلامات بكرم وسخاء وأريحية حتى يحصل الطالب على تسعة وتسعين بالمائة وتقبله كلية الطب؟ وغير ذلك.
       أنا مع الحوار ولا بد من الحوار ولكن هل استطعنا أن نعرف كيف نكون نحن الذين ندير الشركات والمصانع التي تستثمر ثرواتنا؟ المشوار طويل ويكفي ما قلت والسلام.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية