هل تستجيب هوليوود؟ أمريكا والعنف



        تقدم هيئة الإذاعة البريطانية برنامجاً شهرياً بعنوان "الإعلام" تتناول من خلاله بعض القضايا الإعلامية العالمية. وكان موضوع حلقة أول يوم من السنة الميلادية الجديدة (أيام الرئيس بيل كلينتون) حول استضافة الرئيس الأمريكي لأربعمائة شخصية من هوليوود بين ممثل ومنتج ومخرج حيث ناشد الرئيس هذا الحشد الكبير أن يخففوا جرعات العنف والجنس من إنتاجهم المستقبلي وعلل الرئيس هذه المناشدة بأن القتل بالأسلحة النارية أصبح داءً مستفحلاً في المجتمع الأمريكي، ولا بد من عمل ما لانتشال جيل كامل من شفا الهاوية. وأضاف كلينتون إن ما أطلبه منكم لا أن تمتنعوا تماماً عن الترفيه وقطع كل مناظر العنف والجنس ولكن التخفيف منهما. وذكر في البرنامج أن الرئيس الأمريكي كان في شبابه وإلى وقت قريب كثير الاهتمام بالسينما والأفلام حتى إنه ليعد نفسه مدمناً على مشاهدة السينما.
    وجاء في البرنامج أن صحيفة التايمز النيويوركية New York Times وصفت انتشار القتل بالأسلحة النارية الذي يحصد أرواح الناس في أمريكا ب "الإرهاب الأمريكي" وهي صفة خطيرة أن تعترف بها الصحافة الأمريكية.
    أما المسؤولون عن عنف السينما فقد كانت لهم كلمتهم في هذا الموضوع، فإن بعضهم لم يقبل بآراء الرئيس دون مناقشة وذكر أن العنف في البلاد ليس كله بسبب الأفلام وإن القضية أعقد من أن يقال فيها مثل هذا الكلام.
   وقد ذكر مقدم البرنامج أن مما يذكر في هذا الصدد أن الرئيس الأمريكي كلينتون هو أول رئيس يأخذ على عاتقة محاربة العنف ويعلن ذلك صراحة، بل إن الرؤساء الأمريكيين يسألون عادة في بداية السنة الميلادية عن أمنية أو عمل يودون إنجازه فكانت أمنية كلينتون أن يخف العنف في المجتمع الأمريكي وأن يعود الأمن والطمأنينة إلى المجتمع.
        قد يتساءل القارئ الكريم هذه قضية أمريكية بحتة أو عربية بحتة فماذا يفيدنا الحديث عنها؟ وإنه حقاً لتساؤل وجيه. وللإجابة عن ذلك نقول إن أفلام هوليوود هذه قد انتشرت في أنحاء العالم، وهي تغطي نسبة كبيرة من خرائط البرامج في العالم الإسلامي. فإذا كان الغرب وبخاصة أمريكا قد أدركوا خطورة العنف في الأفلام والمسلسلات وبدؤوا يبحثون عن مخرج من هذا العنف فالأمر يهمنا بلا شك.
      لكن ثمة سؤال يطرح نفسه هل العنف هذا كله ناتج عن أفلام السينما والتلفزيون؟ إن الغرب يحاول البحث في أعراض المشكلة أو المعضلة وينسى جذورها. لا شك أن للإعلام دوراً مهماً في انتشار العنف والجريمة فلماذا تنتج هوليوود أفلام الجريمة والجنس؟ أليس من الممكن أن يقال أنَ الجمهور يرغب في هذه الأفلام أو إنها تستجيب لنزعات ودوافع داخلية. وهل يكون العقل المسيطر في هوليوود ذا نزعات خبيثة يسعى إلى تدمير المجتمعات الغربية أو العالم أجمع عن طريق هذه المناظر.
     ومن التحليلات الطريفة التي ينبغي الوقوف عندها هو أن الغرب لم يتخل عن عنفه أبداً فهذه قارة أوروبا لم يتوقف العنف في تاريخها فقد عرفت الحروب التي استمرت سبعين عاماً أو مائة عام حتى أصبح يُطلق على بعض الحروب حرب المائتي عام، وفي أوروبا ظهرت محاكم التفتيش والحروب الدينية بعد ظهور حركات الإصلاح الديني.
      وخرج الأوروبيون لاستعمار العالم أو لاستدماره فكانوا مثالاً للوحشية والقسوة والعنف، لقد اخترع-مثلاً-الجنرال بيجو سياسة الأرض المحروقة، وألقت أمريكا آلاف أو ملايين الأطنان من القنابل في الحرب العالمية الثانية ومنها القنبلة الذرية وبعد ذلك استخدموا العنف والمجازر في فيتنام. وشجع الغرب العنف في الحروب التي يثيرها هنا وهناك في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.
     فهذا العنف قد ارتد الآن على أصحابه لأنهم مارسوا القتل أولاً ثم شجعوا القتل وبنوا مجدهم وعزهم وحضارتهم على صناعة السلاح وإثارة الحروب فهم يشرون من الكأس التي سقوا منها الآخرين.
    ولا بد لنا أن نذكر أن الأمن والطمأنينة لا يأتيان إلّا نتيجة الإيمان بالله وحدة والسير وفق شريعته ومنهاجه كما قال تعالى في سورة النور (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
       

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية