محاولة للإنصاف في مجلة أمريكية



اتفقت مجموعة من الدبلوماسيين الأمريكيين المتقاعدين الذين كانوا يعملون في العالم الإسلامي على إصدار مجلة شهرية بعنوان تقرير واشنطن للشرق الأوسط يحاولون من خلالها تقديم عرض متوازن لقضايا المنطقة، وللحقيقة نقول إنهم يحاولون فعلاً. أمّا مدى نجاحهم في تحقيق ذلك فأمر يحتاج إلى دراسة مستوعبة على مدى زمني معين      
        ولقد كان من محاولات هذه المجلة عرض وجهة نظر منصفة للفلسطينيين أن نشرت في عددها الصادر في شهر يوليه 1991م مقالة حول الضجة التي أثارتها كتابات القسيس الأمريكي الذي عاد من زيارة للأراضي المحتلة بفلسطين لما تضمنته من آراء صريحة ومشاهدات وواقعية حول وحشية يهود في تعاملهم منع الفلسطينيين وزيف ادعاءات يهود عن معاملتهم للفلسطينيين معاملة إنسانية.
        وفيما يأتي فقرات مترجمة من هذا المقال يعقبها تعليق موجز تاركين الأمر لفطنة القارئ الكريم الذي سيدرك من خلال عرض آراء القسيس والآراء المناقضة اليهودية أين تكمن الحقيقة.
تقول المجلة عاد القس سي. شارلز فاشي C. Charles Vache الذي يعمل في كنيسة الأبيسكوبال بولاية فيرجينيا الجنوبية من زيارة للقدس والشفة الغربية دامت عشرة أيام، وقد بعث القس رسالة إلى صحيفة محلية ضمنها مشاهداته لعداوة إسرائيل المتزايدة وعنف يهود في جهودهم للتخلص من الفلسطينيين ، وقد ظهرت هذه السياسة في تناقص عدد الفلسطينيين من عام 1967 حتى عام 1991 فقد وجد 27 ألف فلسطيني نصراني في القدس عام 1967 وقد أصبحوا سبعة آلاف فقط عام 1991، ويمكن أن نضيف هنا أن إسرائيل تخطط لزيادة عدد يهود في القدس ليفوقوا عدد المسلمين وذلك لتغيير الطبيعة السكانية للمدينة حتى لا يطالب المسلمون بإعادة المدينة ، وقد أعلنت إسرائيل هذا بعد صفقة أريحا- غزة الأخيرة.
وأشار القس فاشي إلى أن إسرائيل تنكر الحقوق الإنسانية المدنية الأساسية لمليون ونصف فلسطيني يعيشون تحت حكمها العسكري، ويقول القس: "إنني بعد تسع وثلاثين سنة من الخدمة الكنسية أطلب من المشرفين على الشؤون الدينية في الكنيسة ومن المواطنين الكتابة إلى رئيس الولايات المتحدة وإلى وزير الخارجية وإلى النواب وإلى الممثلين وأستحثهم على الاتصال لمطالبة الحكومة الأمريكية باتخاذ خطوات أكيدة ومحددة لتقليص مساعداتها لإسرائيل حتى يتم منح الفلسطينيين الذين يبلغون أكثر من مليون ونصف المليون الحقوق الإنسانية والمدنية الكاملة، وأن توافق إسرائيل على الانصياع لقرار الأمم المتحدة رقم 242 الذي يدعو إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة.
لقد اهتم محررو الصحف في مدينة ريتشموند بعبارات القسيس، وقام أحدهم بنقلها إلى وكالة الأسوشيتد برس بينما كان رد الفعل الغاضب صدر من اثنين من اليهود الذين ركّزا على تحذير القسيس من أنه لو لم تضع الولايات المتحدة قيوداً على مساعدات إضافية لإسرائيل فإن أموال الضرائب ستسمر في تأييد ما يقارب أن يكون إبادة جماعية شبيهة بما خبره اليهود في أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات في ألمانيا. وإن الكنائس وهي مذنبة حينذاك فعلينا أن نتحدث الآن ولا نصمت. وإن مثل هذه النشاطات في إسرائيل قد دمرت النسج الأخلاقي للأمة الإسرائيلية والشعب اليهودي، وإن صمتنا كأمة يعد تنازلاً عن كرامتنا الأخلاقية.
وانطلقت ردود الأفعال اليهودية الغاضبة التي كان بعضها بلغة بذيئة وركزت على الجوانب الشخصية فمن ذلك ما كتبه أحد اليهود قائلاً: هل هذا الرجل يعرف الحقيقة؟ أليس عنده فهم للتاريخ؟ أليس عنده إحساس بالعدل؟ أليس عنده فهم بأن مقارنته بين النازية وإسرائيل لا حقيقة لها … إن كلام هذا القسيس يبعث الراحة في نفوس المتعصبين دينياً.
وهكذا أصبح القسيس ضحية اضطهاد الموالين لإسرائيل، وظل وحيداً في مواجهة هذه الهجمة الشرسة حتى إنه قال في قدّاس في أكثر من كنيسة بأن إسرائيل مثل الطفلة التي عانت من قسوة الكبار فلما نضجت أصبحت هي نفسها قاسية على الأطفال. وأوضح ذلك بقوله:"إسرائيل فرضت حظر التجول على الفلسطينيين مما منعهم من الخروج للعمل أو الحصول على الطعام أو المساعدة. ويخضع الفلسطيني للاعتقال مدة ستة أشهر دون محاكمة ويمكن لإسرائيل مصادرة منازل الفلسطينيين. أما الأعمال الإرهابية فلا تقوم بها إلّا فئة قليلة جداً. ومع ذلك فيعاقب الجميع على فعل هذه الفئة المحدودة. وأضاف القسيس فاشي بأن ثمة طريقة لإيقاف سوء المعاملة ضد الفلسطينيين وهو أن تحجب الولايات المتحدة مساعداتها عن إسرائيل حتى تعطي الفلسطينيين حقوقهم المدنية الكاملة. إن ثلث مساعداتنا الخارجية يذهب لتأييد الحكومة الإسرائيلية. وختمت المجلة مقالتها بتصريح القسيس جاء فيه: "إنه يتمسك بقناعته وموقفه أن القادة والجنود الإسرائيليين يعاملون الفلسطينيين كمعاملة النازيين الألمان لليهود. لقد تألمت كثيراً فيما لو لم أتهم الحكومة الإسرائيلية بممارسة الهولوكوست.  إن انتقاداتي كانت بخصوص انتهاك الحقوق المدنية للفلسطينيين وأضاف القس لقد زرت إسرائيل أكثر من ست مرات وكنت شاهد عيان على الطريقة التي يعامل بها الفلسطينيين مما جعله يتعجب من هم الإرهابيون، أهم الذين يطلقون الرصاص أم الذين يرمون الحجارة. وتحدث عن الإسرائيليين قائلاً:" إنني مصمم الآن لا على القول بأن الإسرائيليين لديهم أفران غاز ولكن اليهود بكل العزم والإصرار يهدفون إلى تطهير إسرائيل من كل من لا يكون يهودياً.
وقد انضم إلى القسيس فاشي بعض زملائه في الحديث عن وحشية إسرائيل ومن هؤلاء القسيس توماس بي. ستوكتون T. B. Stockton رئيس مؤتمر فيرجينيا للكنيسة المثودستية المتحدة الذي بعث رسالة إلى صحيفة ريتشموند تايمز في 4 يونية 1991 جاء فيها "ثمة مخالفات ضخمة ضد حقوق الفلسطينيين الإنسانية ترتكب على أيدي اليهود، وإن اليهود لا يخالفون قرارات الأمم المتحدة ولكنهم يخالفون تعليمات الكتاب المقدس في كيفية معاملة البشر لإخوانهم، وإن القسيس فاشي لم يقل سوى الحقيقة.
ومن القسس الذين أيدوا فاشي أيضاً القس دبليو هيث الذي يرأس كنيسة بلغ عدد أعضائها 13 ألف شخص وكذلك بيتر لي الذي يتزعم كنيسة تعداد أعضائها يصل إلى 78ألف مواطن أمريكي.
لا شك أن يهود يتابعون بدقة مثل هذه الآراء، وإنني على يقين أن مباحثات يهود السرية مع الفلسطينيين وتوصلهم إلى اتفاق غزة- أريحا إنما هو للوقوف في وجه هذه الموجة المباركة من الصحوة الأمريكية لحقيقة يهود وأفعالهم في فلسطين. ولا شك أن هذا الاتفاق سيوقفها إلى حين فهل يتوقف يهود عن حلمهم بإسرائيل الكبرى؟
  


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية