محاضرة بعنوان " هل انتهى الاستشراق حقاً؟؟"

                                بسم الله الرحمن الرحيم
المكان: نادي الباحة الأدبي
الزمان: مساء الثلاثاء الموافق 27 ربيع الأول 1419

        بدعوة من رئيس النادي الأدبي بالباحة الأستاذ الشيخ سعد بن عبد الله بن أحمد المليص يلقي الدكتور مازن صلاح مطبقاني الأستاذ المساعد بقسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) محاضرة بعنوان "هل انتهى الاستشراق حقاً؟؟"
وتبدأ المحاضرة بتقديم جزيل الشكر لرئيس نادي الباحة الأدبي وأعضائه على كريم دعوته لأنهم أتاحوا للضيف زيارة هذا الجزء الغالي من المملكة وثانياً لأنهم أتاحوا له صحبة أماجد ما كان ليقلقاهم لولا هذه الدعوة المباركة وثالثاً لأنهم شجعوه على القراءة والاطلاع في وقت ينبغي للأستاذ الجامعي أن ينال فيه قسطاً من الراحة بعد عام دراسي مليء بالنشاط والعمل.
أما المحاضرة فتتكون من تقديم نبذة موجزة عن قسم الاستشراق بكلية الدعوة وكيف تأسس بدعم وتوجيه من معالي وزير الشؤون الإسلامية حين كان مديراً للجامعة والدكتور عبد الله الرحيلي (عميد المعهد العالي للدعوة سابقاً) (كلية الدعوة حالياً) وأساتذة أفاضل من أمثال الدكتور محمد عثمان صالح وغيره. وكيف أن الرأي المعارض كان يرى عدم تدريس الاستشراق كمادة أو تخصص منفصل. ولكن الأيام أثبت صواب فكرة تأسيس القسم الذي يعد فريداً في العالم الإسلامي حتى بدأت بعض الجامعات الإسلامية العريقة التفكير في إنشاء أقسام مماثلة أو مراكز بحوث حول الاستشراق.
أما المحاضرة فتتكون من ثلاثة محاور هي:
1-             نهاية الاستشراق كما يراها الغربيون
2-             نهاية الاستشراق كما يراها باحثون عرب ومسلمون
3-             استمرار الاستشراق من خلال رصد بعض نشاطاته.
وتناول المحاضر في المحور الأول ما كتبه عدد من الباحثين الغربيين (المستشرقين) عن نهاية الاستشراق أو استمراره ومبررات هذه النهاية ولماذا ظهرت فروع معرفية أخرى تهتم بشؤون العالم العربي الإسلامي. ومن الآراء التي ترى نهاية الاستشراق ما كتبه برنارد لويس مبيناً الأسباب التي حدت بالمستشرقين ترك هذا الاسم ومن ذلك أنهم رأوا أن هذا الاسم أصبح ملوثاً ولذلك لا بد من الاستغناء عنه. بينما رأى باحثون آخرون أنه لم يعد هناك استشراق بل أصبحت هناك دراسات حول الصين ودراسات حول اليابان ودراسات تتناول الشرق الأوسط، كما أن هناك علماء اجتماع وعلماء اقتصاد وعلماء سياسة مختصون بقضايا البلاد والشعوب المختلفة.
ورأى كلود كاهن أن للاستشراق فضل كبير على العالم الإسلامي حيث قدم للباحثين العرب المنهجية والتراكم المعرفي الذي انطلقوا منه للبحث في تاريخهم وحضارتهم وأنهم لم يكونوا ليقولوا نصف ما قالوه لولا كتابات المستشرقين. ومن الباحثين الغربيين من يرى أنه لا بد للباحثين المسلمين أن يتتلمذوا على المستشرقين الذين كانوا رواداً في البحث في شؤون العالم الإسلامي وأن بعض المسلمين وصولا إلى درجة من الذكاء والمنهجية العلمية من أمثال أنور عبد الملك وهشام جعيط وهشام شرابي وغيرهم.
وأكد تيرنر برايان وجوردن بروت أن الاستشراق مرّ بالفعل بأزمة ولكن المؤسسة الاستشراقية مؤسسة قوية وقادرة على الاستمرار ولذلك فإنهم استطاعوا مواصلة هذه الدراسات والبحوث في قضايا العالم العربي والإسلامي. ومن المستشرقين الآخرين الذين تناولت المحاضرة آراءهم فرانسيسكو غابرييلي ومكسيم رودنسون وألان روسيون وغيرهم.
وتناول المحاضر في المحور الثاني ما كتبه بعض الباحثين العرب والمسلمين حول نهاية الاستشراق فأشار إلى محاضرة الدكتور أكرم ضياء العمري في الجامعة الإسلامية قبل أكثر من عشر سنوات بعنوان (الاستشراق هل استنفد أغراضه؟) والتي خلص منها إلى أن الاستشراق لم يستنفد هذه الأغراض وذلك لأنه مازال يصدر مئات الدوريات وآلاف الكتب سنوياً حول العالم الإسلامي، وإنما غير الاستشراق أساليبه ومناهجه لتواكب التطورات في البحث العلمي وفي التخصصات المختلفة التي أخذ المستشرقون يهتمون بها مثل علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الاقتصاد وعلم السياسة وغير ذلك من العلوم. وطالب الدكتور العمري بأن يسعى المسلمون إلى تمثيل أنفسهم أمام أنفسهم أولاً ثم ينطلقون لتمثيل أنفسهم أمام العالم.
وكتب أركون أن الاستشراق لم يظهر إلا بسبب غياب الباحثين المسلمين عن الساحة الفكرية ومازال هذا الغياب في نظره- قائماً فلا بد للاستشراق أن يستمر. بينما رأى علي حرب المتخصص في الفلسفة أن الاستشراق كان من أضعف فروع المعرفة في الغرب وهو آخذ في الانقراض كما جاء في مقالته في صحيفة عكاظ.
ويؤكد الموسوي أن موت الاستشراق لم يعن أبداً نهاية آراء المستشرقين ونتائج دراساتهم وأبحاثهم بل عادت هذه الآراء والأفكار للظهور في كتابة المختصين والمستشارين الغربيين وذكر من أمثال هؤلاء رفائيل باتاي في كتابه (العقل العربي) حيث يقول عنه:" وبتاي يمكن أن يكون نموذجاً للدارس ذي المهمة الاستشارية في تكوين السياسة إزاء المنطقة مثلاً ، فهو تتلمذ على أساتذة مستشرقين أمثال بروكلمان وشغف في بداية تكوينه بغولدزيهر ، وعاش في الأرض المحتلة" وذكر عن أنتوني ناتنج Anthony Nutting بأنه " عندما يتخلى عن التحليل أو السرد التاريخي يجد نفسه مستعيناً بثوابت السلف الاستشراقي العامة والخاصة."
وكتب عبد الأمير الأعسم أن نهاية الاستشراق إنما كانت بسبب تحول هذا الفرع المعرفي إلى خدمة السياسة والمخابرات وأن هناك ضعفاً في هذا المجال بسبب الصعوبات المالية التي يواجهها الاستشراق كما حدث في جامعة هارفارد على سبيل المثال. وقد رد المحاضر على هذا بأن اهتمام السياسة بالاستشراق لم تتوقف يوماً ما ولكن أمر الصعوبات المالية فهو غير حقيقي لذكاء وقدرة الباحثين الغربيين على جلب التمويل اللازم لمشروعاتهم العلمية وإن المطلع على النشاطات الاستشراقية يرى عدم صحة مسألة ضعف التمويل.
أما المحور الثالث فكان حول استمرار الاستشراق والتأكيد على هذا الأمر من خلال الرحلة العلمية والميدانية لمراكز الدراسات والمعاهد والأقسام العلمية في الجامعات الأوروبية والأمريكية. وقد أتيح للمحاضر أن يحضر بعض المؤتمرات العالمية التي تؤكد استمرار الاستشراق مهما تغير الاسم فإن الأصل باق. وقد افتخر الهولنديون في افتتاح المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين بسنوك هورخرونيه. ولكن المسؤولين في المجر لم يذكروا جولدزيهر في افتتاح المؤتمر العالمي حول الدراسات الأسيوية والشمال أفريقية.
وفي هذا المحور تناول المحاضر عدداً من الأقسام العلمية والمعاهد ومراكز البحوث ونشاطاتها في مجال الدراسات الاستشراقية. فقد استعرض التقرير السنوي لمعهد الشرق الأوسط بواشنطن العاصمة كما قدم نبذة عن هذا المعهد. وتناول النشاطات الاستشراقية في جامعة برنستون وفي معهد الولايات المتحدة للسلام ومعهد بروكنجز وفي مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة لندن وفي إكس إن بروفانس بفرنسا.

وختم المحاضر محاضرته بتلخيص لما جاء في محاورها الثلاثة ودعا إلى استمرار الاهتمام بالاستشراق ودعم قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة بالباحثين المتمكنين في العلوم الشرعية وفي اللغات الأوروبية المختلفة ودعمه في النواحي العلمية بالدوريات وتشجيع حضور الندوات والمؤتمرات التي تعقد في الغرب.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية