أعلنت
فرنسا عام 1911م في جميع مستعمراتها ومنها دول شمال أفريقيا: الجزائر وتونس أنها
فرضت التجنيد الإجباري على جميع القادرين على حمل السلاح. وانخرط في الجيش الفرنسي
عشرات الألوف من أبناء المسلمين أكرهوا على حمل السلاح للدفاع عن الدولة التي
تستعمر بلادهم، وتنهب خيراتهم وتحاربهم في دينهم وعقيدتهم ولغتهم، وفي هذه السنة
بالذات هرب من دول شمال أفريقيا عدد كبير حتى لا ينخرطوا في جيش الدولة التي
تستعبدتهم.
وقامت الحرب العالمية الأولى واحتاجت
فرنسا إلى الأيدي العاملة لتشغيل مصانعها والقيام بالأعمال المدنية فلجأت مرة أخرى
إلى مواطني شمال أفريقيا وغيرهم من مستعمراتها، وقد ذهب هؤلاء إلى فرنسا للعمل ليس
حبا في فرنسا ولكن هربا من الموت جوعا بعد أن استولت فرنسا على أراضيهم وممتلكاتهم
وحولتهم إلى عمال أجراء عند من أصبح يملك كل شيء.
فهل نسيت فرنسا فضل هؤلاء عليها؟ إن أبناء
المغاربة الذين يعيشون في فرنسا الآن إنما هم مجندون في صنع مجد فرنسا العسكري والسياسي
والاقتصادي.
ولهذه القضية جانب آخر هو أن الله عز وجل
شاء لشعوب شمال أفريقيا أن تستيقظ على أصوات علمائها يدعونها إلى التمسك بالإسلام
وتعلم هذا الدين والحرص على هويتهم التي ما فتئت فرنسا منذ الاحتلال وحتى الآن
تحاربها، شعرت فرنسا بأن العلماء يفعلون شيئا مهما وخطيرا ضد مشروعها التغريبي
مشروعها لمسخ الهوية العربية الإسلامية فراحت تدبر لهم المكائد. وأطلقت عليهم
بأنهم دعاة لبغض الأجنبي (Xenophobia) وملأت التقارير تحذر من نشاطهم ودعوتهم للحفاظ على هوية الشعوب
المستعمرة.
واليوم يتحول الفرنسيون أجمعون إلّا قليلا
منهم إلى مصابين بذلك الداء الذي وصفت به العلماء، يتحولون إلى دعاة لكره
الأجنبي وبغضه وطرده وقتله، ومحاربته في عقيدته.
فهل صدق الفرنسيون في وصفهم للعلماء المسلمين؟
وكيف يصدق هذا الوصف على الفرنسيين بخاصة والأوربيين بعامة في الوقت الحاضر.
عندما
ظهر العلماء في شمال أفريقيا ينادون بتعليم اللغة العربية والدين الإسلامي
والمحافظة على الشخصية العربية الإسلامية، فعلوا ذلك لأن فرنسا منذ احتلت الشمال
الأفريقي استولت على الأوقات والمساجد، نهبت الأوقاف ودمرت كثيرا من المساجد بل
حولت بعضها إلى كنائس وكاتدرائيات، وحاربت تعليم اللغة العربية والدين الإسلامي
وأصبح الجهل متفشيا. وحتى التعليم الفرنسي لم يتوفر إلا لعدد ضئيل جدا ممن أرادت
فرنسا أن تصبغهم بصبغتها الفرنسية فأصبحوا أجانب بين أهليهم وذويهم. علمتهم لتطلق
عليهم لقب النخبة وتحكم شعوب شمال أفريقيا خلالهم.
وعندما دعا العلماء إلى ذلك كله لم يطعنوا
في ديانة المحتل، ولم يحاربوا لغته بل وجد من العلماء من اهتم بتعلم اللغة الفرنسية
ظنا منهم أنها ضرورية لتحصيل العلوم الدنيوية. أما النصرانية فلم يطعنوا فيها وهم
يؤمنون بعيسى عليه السلام وما جاء به من عند الله عز وجل.
أما الفرنسيون اليوم فنسوا ذلك كله وكأن
كل فضائحهم السابقة لا تكفي لهم الآن يحاربون الإسلام كما حاربوه منذ مائة عام بل
كما حاربوه في الحملات الصليبية التي اشتركوا فيها وكانوا وقودها وقوادها. ماذا على
الفرنسيين اعترافا بفضل الإسلام والمسلمين عليهم أن يتركوا هؤلاء الذين جاؤوا
فرنسا ليس حبا في فرنسا ذاتها، ولكن لأنها فرضتة على آبائهم وأجدادهم أن ينتقلوا
إليها. ماذا على الفرنسيين الذين يزعمون أن ثورتهم نادت أو أول من نادى بحقوق
الإنسان لو أعطوا هؤلاء المسلمين حقوقهم كما سلبوا هم يوما ما-وربما حتى الآن-خيرات بلادهم ولغتهم.
أحجاب فتاة مسلمة يغضب الفرنسيين كل هذا الغضب؟
وهل سددوا ثمن جامع كتشاوة الذي جعلوه كنيسة أكثر من مائة عام؟ وهل سددوا ثمن تحدث
الملايين من أبناء شمال أفريقيا لغتهم حتى ليكادوا يتفاهمون بها قبل لغتهم.
هل حقا ينسى الفرنسيون والأوربيون فهل من
يذكّرهم بلغتهم وفي إعلامهم وصحافتهم لعلهم يتذكرون؟
تعليقات
إرسال تعليق