التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ليس الخطر في الاستشراق

                                                          
تطالعنا الصحف وكتّاب المقالات بعناوين من أمثال (خطر الاستشراق) أو (الخطر الاستشراقي) أو (أخطار الاستشراق) ومن ذلك ما كتبه الأستاذ سلمان جابر العبدلي في هذه الصحيفة (10رجب 1419) تحت عنوان (خطر الاستشراق!) استهل مقالته بقوله تعالى: )وَدَّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يَرُدّونَكم من بعد إيمانكم كفّاراً حسداً من عند أنفسِهم من بعدما تَبَيَّنَ لهم الحق( (البقرة109) والآية الأخرى التي كثيراً ما يستشهد بها الكتّاب في هذا المجال  )ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى((البقرة  120).
لا شك أن للاستشراق خطره المتمثل في أنه استطاع منذ مئات السنين أن يجتال عدداً من أبناء الأمة الإسلامية فيصبغ فكرهم بصبغته ويجعلهم أشد على الأمة من بعض أعدائها. وقد قال جمال الدين الأفغاني في هذا الأمر بأن الغرب يجعل من هؤلاء كوّة يدخل من خلالها إلى العالم الإسلامي، وهم أخطر في نظره من الجيوش الأجنبية. وذكر الشيخ محمود شاكر رحمه الله أن نابليون طلب من خليفته على مصر أن يختار خمسمائة من المشايخ والأشراف ويرسلهم إلى فرنسا ليعيشوا فيها فترة من الزمن ثم إذا عادوا إلى بلادهم يكونون قد أصبحوا حزباً لفرنسا. وفشلت خطة النائب وجاء محمد علي ونفّذ ما هو أخطر من ذلك حيث أرسل خيرة شباب مصر نباهة وذكاءً للدراسة في فرنسا. وفعلت دول عربية وإسلامية أخرى مثل مصر. وقد تلقفهم المستشرقون هناك فكانت البعثات العلمية في بدايتها وربما لا تزال-  تحظى بعناية هؤلاء حيث يحرصون على توجيههم وجهات معينة. فعاد كثير منهم كما أراد نابليون وربما أشد. بالإضافة إلى المعاهد والجامعات الغربية التي غرسها في بلادنا لتنفيذ مخططات الاستشراق.
واستمر خطر الاستشراق في أثناء احتلال الجيوش الأجنبية معظم أجزاء العالم الإسلامي حيث سبقت جيوشه ورافقتهم النشاطات الاستشراقية لتحقيق مزيد من المعرفة بالشعوب العربية الإسلامية التي يراد أن يؤخذ خيرات بلادها وتصبح أسواقاً للمنتجات الاستهلاكية وأن لا تقوم لهم قائمة صناعية أو ثقافية أو عمرانية حقيقية. وحتى بعد رحيل القوات الغازية استمر الاهتمام بنا في المعاهد ومراكز البحوث والأقسام العلمية وغيرها من المؤسسات العلمية والسياسية.
فهل هذا هو الخطر؟ إن الذي خَبِرَ الاستشراق يرى أن القوم يقومون بخدمة الأهداف القومية الغربية أولاً والأهداف الشخصية ثانياً. وإنهم لا ينفقون الأموال على هذه المؤسسات إلاّ لأنها تحقق لهم ما يصبون إليه من أهداف. فأين الخطر في ذلك؟ زعم أحد المستشرقين إنهم يفعلون ذلك من أجل المعرفة وحدها فقط. ويضيف إن التاجر يهمه أن يربح ومن خلال تحقيق الربح يوفر الوظائف والمصالح لعدد من الناس. وإن الحضارة الغربية تتميز عن غيرها من الحضارات بسعيها إلى تحقيق المعرفة بالشعوب الأخرى.
وهذا صحيح في جزء منه، إنهم يسعون إلى المعرفة بكل الوسائل الممكنة وكل الوسائل الشريفة وغير الشريفة. ولكن ما بال الشعوب الأخرى لا تسعى إلى التعرف على بعضها البعض من خلال الدراسات الأكاديمية والبحث العلمي المنظم؟ إننا مثلاً في العالم العربي لم نلتفت لدراسة الاستشراق وآثاره إلاّ منذ ثلاث عشرة سنة فقط في قسم وحيد في العالم الإسلامي في المدينة المنورة، وقامت ندوة أصيلة باقتراح مركز للدراسات الأمريكية ويوجد مركز أو معهد لهذه الدراسات في باكستان. فأين الأقسام العلمية للدراسات الأوروبية عموماً والألمانية والفرنسية والبريطانية والأوروبية الشرقية والدراسات حول جنوب شرق آسيا؟ أين تعليم لغات الشعوب الإسلامية في جامعاتنا؟

إنه لا يكفي أن نتحدث عن خطر الاستشراق وأنه فعل وفعل وما زال يفعل ويفعل. ما ذا فعلنا نحن وما ذا يمكن أن نفعل هل أسهمت وزارات الخارجية والاستخبارات الإسلامية في الدراسات الغربية وتعرفت إلى الشعوب الغربية معرفة وثيقة وتقربت إلى ذوي النباهة والشأن في العالم الغربي وعرفتهم معرفة وثيقة؟ لماذا هم يعرفوننا ونحن لا نعرفهم؟ متى نتحول من ذات موضع الدرس إلى ذات دارسة ونخلص من مركبّ النقص الذي وضعنا فيه من قبل الغربيين ومن تبنّى آراءهم من أبناء الأمة الإسلامية؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...