صور من الحياة الاجتماعية في اليابان


على الرغم من أن عنوان المقالة السابقة تضمن أن كيوتو لم تقصف من قبل الجيش الأمريكي لكني لم أوضح السبب، وقد فهمت أنه نظراً لأن كيوتو مدينة تاريخية وتضم كثيراً من المواقع الأثرية فإن الأمريكيين حرصاً على الحفاظ على الطابع التاريخي للمدينة فإنهم تحاشوا قصفها، ولكن يتساءل المرء لماذا عندما ضربت العراق لم يهتم الأمريكيون بالآثار العراقية، وأول ما نهب من العراق كان آثاره، أما وزارة النفط التي جاء الأمريكيون لنهبه فقد حافظوا على تلك الوزارة حفاظاً تاماً. ولذلك فالذي يقول إن عداوة الغرب لنا إنما هي بسبب بعض المتطرفين منّا و"الإرهابيين" كما يسمونهم ليس صحيحاً فحتى ضرب العراق كان بزعمهم لأن صدام كان يملك أسلحة الدمار الشامل التي تخيف العالم منه ثبت أنها فرية كبرى ولم يقل لنا الأمريكيون حتى الآن لماذا احتلوا العراق.
في سياحاتي عادة ما أحرص على زيارة المقاهي صباحاً لأرى الناس وهم مقبلون على الدنيا والعمل كيف يتصرفون وماذا يفعلون. ولإدمان قديم لشرب فنجان من القهوة صباحاً. ففي ذات صباح دلفت إلى مقهى له اسم إنجليزي (نادراً ما يسمي اليابانيون الأماكن التجارية بالأسماء الأجنبية) وطلبت كأساً من الشاي، فإذ بالشاي يرافقه صحن فيه بيضة مسلوقة وقطعتي توست مدهونة بالزبدة (ألذ زبدة ذقتها في مدينة باليرمو بجزيرة صقلية في إيطاليا) لم أرد أن أناقش صاحب المطعم فقد كان فيما بدا لي لا يعرف الإنجليزية، وأحياناً أستسلم عزوفاً عن المحاولات التي لا تجدي للتفاهم
لدى المقهى قائمة مشروبات ومأكولات مقسمة إلى أقسام، كتب عنوان كل قسم باللغة الإنجليزية ثم كل شيء آخر باللغة اليابانية فمثلاً هناك مشروبات ساخنة، ولكن ما هي هذه المشروبات أحتاج إلى مترجم. فيكفي أنه فهم أنني أريد شاي. واليابانيون يشربون عشرات الأنواع من الشاي ومنها نوع مثل البودرة تشبه الملوخية الناشفة إذا طحنت. وهذا النوع من الشاي يشرب عادة بدون سكر، وله مذاق غريب فهو أشبه بالأعشاب منه بالشاي. أما الشاي الأحمر الذي غلب عليه التسمية بالشاي الإنجليزي فهو جيد. وحتى ليبتون التي هي من الشركات العالمية المتعددة الجنسيات والتي تأتي إلينا بشاي أعتقد أنه رديء إلاّ أن هذا الشاي عندهم مذاقه أفضل. ولا أمل من القول إن البضائع التي تأتينا إنما هي درجة ثانية لما يباع في أوروبا وأمريكا واليابان وحتى في ماليزيا. فهل لهذه الدول مواصفات ومعايير تختلف عمّا عندنا؟ وهل وزارات التجارة في تلك الدول لا تقبل بالبضاعة الدون ونقبلها نحن. قلت إن السيارات اليابانية المصدرة إلى أمريكا تختلف في حديدها ومواصفاتها عن التي تصدر إلينا، والسيارات الأمريكية التي تصدر إلينا تختلف عن التي يركبها الأمريكيون. وقد سمعت في برنامج إذاعي أن الحكومة الأمريكية ستصدر نظاماً تجعل تركيب آلة مانع الانقلاب أساسياً في كل السيارات أما أنا فقد اشتريت سيارة أمريكية ليس فيها إلاّ كيس هوائي واحد للسائق أما الراكب الذي بجوار السائق فليذهب إلى ...... وسامح الله الوكيل وسامح الله وزارة التجارة وسامح الله الغرب التجارية والصناعية، وأين إدارة حماية المستهلك أو المستهلَك؟ 
كان عدد الزبائن في ذلك المقهى في ذلك الصباح الجميل سبعة ثم زاد عددهم واحداً فأصبحوا ثمانية، أما طاولات المقهى فهي من الخشب المطلي بالأسود. ويساعد صاحب المحل امرأة عجوز يمكن أن تكون زوجة صاحب المحل. من أهم ما يفعله المرتادون للمقهى أن يقرأوا الصحف اليابانية. وبعضهم يقرأ بتمعن، وكان هناك زبون يقرأ كتاباً.
يوجد في صدر المحل ساعة كبيرة ولوحة لتعليق الأوراق وربما الإعلانات عليها، ويوجد بالمقهى موقد نار أو مكان لإشعال النار، ونظراً لأن الحرارة تنخفض جداً فإنهم لا بد يستخدمون التدفئة. وفي أحد المقاهي بالقرب من فندق آنا الذي نزلنا فيه في طوكيو بعض المقاهي لديها كراس وطاولات خارج المحل، وبجوار عدد من الطاولات مدفئة. فقلت يا سبحان الله حتى خارج المحل يدفئون الزبائن
زبائن هذا المقهى من الموظفين الكبار كما تدل عليهم هيئاتهم، فمعظمهم يرتدون البذلة الكاملة، ويحملون الحقائب الفخمة، وتسريحة شعورهم تدل على عناية فائقة بهذه المسائل المظهرية التي تأتي مع طبيعة العمل. ولكن مع ذلك كان في المقهى اثنان من الحرفيين اللذان لم يرتديا الملابس الرسمية
لا بد للإنسان أن يعترف أن اليابان بلد جميل جداً فطبيعته خلاّبة فجبال خضراء وأنهار وبحيرات وأشجار جميلة كثيفة وذات خضرة عميقة، ولديهم أشجار أوراقها حمراء وصفراء وتتغير ألوانها في بداية الشتاء ومع انتهاء الخريف، وفي هذا العام تأخر تغير ألوان أوراق الشجر ويلام الانبعاث الحراري أو زيادة الحرارة الكونية. ومن المعروف أن أمريكا لم توافق على توقيع معاهدة عالمية للحد من زيادة الحرارة الكونية. وأسباب الانبعاث الحراري هو عدد المصانع الهائل في العالم الغربي وما تطلقه من غازات في الجو حتى تلوث الجو وتلوثت المياه، وللحضارة الغربية تلوثات أخرى مثل الضوضاء.
ونظراً لأن رحلتنا كانت في موسم سياحي ياباني فقد اضطررنا أن نغادر الفندق في كيوتو لنسكن ليلة أو ليلتين في منطقة باكو، وباكو هذه بحيرة رائعة الجمال، ترى التقاء الجبال بشواطئ البحيرة والتقاء الخضرة بزرقة السماء فما أروعه من منظر. واليابانيون كما ذكرت مغرمون بالألعاب الإلكترونية والفلبرز فبجوار الفندق السياحي الضخم مركب سياحي فيه متجر ضخم لبيع الألعاب الإلكترونية، كما أن فيه أكثر من صالة للألعاب الإلكترونية.
كنت أعتقد وربما غيري أيضاً أن اليابانيين قصار القامة، وكنا نطلق عليهم الترانزستور، ولكني لاحظت في هذه الزيارة أن قامات اليابانيين بدأت تطور وسألت المرافقة عن صحة هذه الملاحظة فقالت نعم، إن تحسن الغذاء والرفاهية ورغد العيش أدت إلى أن تطول قامات اليابانيين، ولعل الطول في الرجال أوضح
ذكر لي صديق زار اليابان أنهم شعب هادئ الطبع خجول، ولكن عندما سألت أحد الإخوة الذي درس اللغة اليابانية وحصل على منحة للدراسات العليا في اليابان ويعمل في المعهد الإسلامي العربي بطوكيو هل اليابانيين خجولين حقاً وهل ينظرون إلى الناس نظرات فاحصة؟ قال نعم إن الياباني ينظر إليك ويدرسك دون أن تشعر به. وقد تأكد لي في أن باحثة كورية جنوبية قابلت شخصاً في الرياض فوصفت طريقة حديثه ونظرته وغير ذلك مما يدل على أن اليابانيين لا بد أن يشبهوا الكوريين في هذا الأمر، ولم يتأكد لي ذلك في اليابان.
كانت زيارة كيوتو مليئة بالنشاط العلمي.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية