من ذكريات المؤتمرات

وفي أثناء الانتظار في مطار القاهرة قابلت الأستاذ الدكتور محمد السيد سليم أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت والمعار من جامعة القاهرة وخريج إحدى الجامعات الكندية في العلوم السياسة والقريب من منظمي المؤتمر ومؤسسي الرابطة الدولية لدراسات الشرق الأوسط، فعرفت أنه ذاهب للمشاركة في المؤتمر ومعه زوجته وسيقابل ابنه المشارك في المؤتمر والقادم من كندا. فتحدثت إليه بما يدور في نفسي حول هذا المؤتمر وتنظيمه والدعم الكبير الذي يلقاه من المنظمات والهيئات والمؤسسات الأوروبية وتساءلت وما الهدف من مثل هذا المؤتمر، وأبديت شكوكي بالغموض الذي يلف الرابطة الدولية لدراسات الشرق الأوسط، فكان كل ما قاله إنها أسئلة مشروعة. وسألني عن مشاركتي في المؤتمر فأخبرته بموضوعي (القيادة في وقت الأزمات: النموذج الإسلامي أبو بكر الصديق رضي الله عنه" فأسرعت لسؤاله وهل ستقدم شيئاً فقال نعم ، فأضفت وما موضوعك، فلم يرد علي. أو بالأصح تجاهل سؤالي.(لم أعلم أنه قدّم موضوعاً ولكن حتى هنا للواسطة دورها)
وبعد أن افترقنا لنركب الطيارة التي تأخرت أكثر من ساعتين دون أن يعتذر الإخوة من مصر للطيران عن التأخر وكنّا نرى وضع الحقائب في الطائرة وكان هذا العمل يقوم به عامل واحد مع أن الطائرة شبه مليئة مما يعني أنهم كانوا بحاجة إلى ثلاثة أو أربعة عمّال، وظل العامل يحمل الحقيبة تلو الحقيبة ثم يتوقف قليلاً ريثما تأتيه الإشارة من العامل الآخر الذي ينسق وضع الحقائب. بعد أن افترقنا تذكرت أن الدكتور محمد السيد سليم هو من أصدقاء المنظمين للمؤتمر بل لعله أحدهم وبخاصة أنه درس في كندا، وقد لقيته في المؤتمر السنوي التاسع للرابطة الدولية لدراسات الشرق الأوسط الذي عقد في كندا ورأيت الود بينه وبين المنظمين حيث إنهم كما عرفت من مدرسة واحدة–المدرسة الكندية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية-،وكان قريباً جداً من المنظمين حتى إنني صحت (أو أشبه بالصيحة) ارفعوا السرية عن هذه المنظمات وأخبرونا أين تقع ومن الذي أسسها وما أهدافها الحقيقية وما دستورها وما طريقة الانضمام إليها؟ ولم يجب أحد بشيء مع أني أجزم أنهم يعرفون الإجابات الحقيقية.
وعلمت أن الدكتور سيقيم في شقة في الحرم الجامعي فتساءلت ولم أسأل كيف تسنى له أن يعرف عن السكنى داخل الحرم الجامعي في شقة مفروشة أو ربما فيلا –فهو من المقربين- ولم أعرف عن ذلك لأنني كان ينبغي أن أسافر يومياً أكثر من ثلاثين كيلومتراً (أو كيلاً كما يقول الطنطاوي رحمه الله) بين المدينة ومقر المؤتمر، وهذه أمور لا تهم لولا أن مثل هذه الجمعيات والمنظمات تعامل الناس خياراً وفقوسا (والفقوس لمن لا يعرف صنو الخيار ولكنه خشن في الغالب و هو القثاء، بينما الخيار الناعم ذي النكهة الجميلة وبخاصة إذا نبت في الشمس وأجمل إن كان من سقي المطر –يطلقون عليه بعل في الأردن)
زيارتي هذه لبرشلونة ليست الأولى ولإسبانيا هي الثالثة. ولكن كانت رحلتي لبرشلونة قبل أكثر من عشرين سنة، وقد أصبت بفقدان ذاكرة لتلك الرحلة فلم يكن في ذهني حتى صورة واحدة عنها سوى مركز تسوق كبير أمضينا فيه وقتا كبيراً وأتذكر أكياسه ذات اللونين الأخضر والأبيض. ولكن فقدان الذاكرة رحمة أحياناً حتى أرى برشلونة جديدة في كل شيء وفي كل شارع.
وقبل أن أنطلق في الحديث عن برشلونة أريد أن أتوقف مع مصاعب السفر، فالذين يظنون أن حضور المؤتمرات أمراً هيناً وفسحة فليعرفوا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله (‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏سمي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله) وحفظت قديماً أن عائشة رضي الله عنها وصفت السفر بأنه قطعة من سقر أو هو سقر كله.
ومن هذا العذاب والذي لم يكن موجوداً سابقاً قبل أن نصبح نحن في المملكة موضع اتهام العالم كله –زوراً وبهتانا- الوقوف بباب السفارات وانتظار التأشيرات ما لا يقل عن أسبوعين وبخاصة تلك التأشيرة المسماة "شنغن" وكأنهم يعطوك مفتاح الجنة يدققون ويدققون ويطلبون التذكرة والتأمين الصحي وحجز الفندق وإفادة بالعمل وبيان الحساب البنكي وغير ذلك. وتأتي إليهم بالطلبات وتقف بالأبواب تنتظر الدور ويأتيك موظف الأمن وهو الذي ينطبق عليه (الحكم فرحة ولو كان على فرخة) فيقول لك تعال من هنا، اجلس هنا، افعل كذا ولا تفعل كذا، وتلبي مكرهاً فليس لك أن تقول له كيت أو كيت، والمعروف أنه والموظف أو الموظفة خلف الزجاج يستطيعون أن يعطوك التأشيرة أو يمنعونك. وانظر إليهم جلسوا كلهم خلف الزجاج كأننا مصابين بالجرب أو يخشون منّا، فهمنا أن يتعاملوا في المصارف والبنوك بهذه الطريقة فلماذا في السفارات، فالذي يدخل السفارة يفتش تفتيشاً بدنياً ويمنع من أن يكون معه هاتفه النقال ولو استطاعوا لمنعوه أن يحمل معه قلماً أو أوراقاً. وتنتظر عند الباب وتنتظر في الداخل. وكل هذا مفهوم لو كانت المعاملة دائماً لا تفضيل فيها ولا واسطة. دخل أحدهم فما أن جلس أو حتى قبل أن يجلس نادته الموظفة لتأخذ منه الأوراق، فلماذا يتخطى هذا الجميع؟ ولو قلت (كان يماني) لقالوا لك ما عندنا تأشيرة واضرب رأسك بألف جدار أو حيط، فهذا الموظف الصغير يصبح أقوى من السفير لأنه قادر على أن يدعي عليك بأي شيء وهو مصدق في سفارته. وتصر بعض السفارات أن تجري لك مقابلة فلا يصح أن توكل أحداً عنك في استخراج التأشيرة _وسقى الله تلك الأيام كنّا لا نخرج من باب الخطوط السعودية (كنت موظفاً فيها ثنتي عشرة سنة وزيادة) حيث تتولى إدارة الشؤون الحكومية –كنت أقول أحسن ما فيها كلمة مخرج- وكم أقول ليت جامعاتنا تتعلم من تلك الإدارة العظيمة. وتتساءل لماذا يقابلونك في السفارة؟ ويعطونك موعداً الساعة الثامنة صباحاً وتقابل الموظف الرابعة ظهراً وأنت محبوس أو محجوز داخل جدران السفارة كل ذلك الوقت. ولكن إن كان لك واسطة فتذهب إلى الشباك مباشرة. وفي إحدى السفارات وعندي واسطة قالت لي الموظفة: نحن سعيدون أن نصدر لك التأشيرة فمتى تريدها وكيف نعيد لك الجواز؟قلت أريدها غداً وسأعود لتسلم الجواز بنفسي وقد تأكدت أن التأشيرة صدرت في اليوم نفسه.

ومن مصاعب السفر أن لا تجد الحجز في الوقت المناسب فتضطر أن تسافر قبل الموعد بيوم أو يومين أو تعود كذلك، وقد تطلب السفر في موعد محدد وتعلم أن هناك رحلات ثم تجد الموعد قد تغير في التذكرة بل تجد أنك ستتوقف في محطتين قبل الوصول إلى وجهتك الأخيرة بدلاً من توقف واحد. وأما أسعار التذاكر والشطط في الشروط فكأننا في شريعة الغاب، يشترطون عليك شروطاً تعجيزية: لا تغيّر الحجز ولا تلغيه ولا تسترد نقودك ولا بعضها وكأنهم أعطوك التذكرة صدقة أو تبرعاً، ولكن هل من حق شركات الطيران أن تصدر تذاكر بهذه الشروط؟ لا أدري.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية