التحرش الجنسي في الغرب والاختلاط

    أما التعرض للمضايقات الجسدية، أو التحرش الجنسي: فحدِّث، ولا حرج، فإذا كان الاغتصاب يصعب تحديد حالاته بدقة؛ لأن نسبة كبيرة من النساء لا يبلغن عن حدوثه؛ وذلك لصعوبة إثباته، أو للمضايقات التي يتعرضن لها إذا ما أقدمن على الشكوى: فإن تعرض المرأة للمضايقات الجنسيَّة بلغ حدّاً كبيراً، ومما يلفت الانتباه أن ثلثي الشرطيات البريطانيات يتعرضن للمضايقات الجنسية من زملائهن في العمل، مما أدى إلى قيام إدارة الشرطة بتكليف عالمة نفس بدراسة الوضع واقتراح الحلول المناسبة.

    ولكن هل ستقدم عالِمة النفس من المقترحات ما يمنع التحرش الجنسي في إدارة الشرطة؟ أعتقد أن المجتمعات الغربية عموماً بلغت ما يسمونه " نقطة ألّا رجوع "، إلا أن يكتب الله لهم الهداية، فقد بدأ الاختلاط بالزعم أنه "يخفف التوتر الجنسي لدى الطرفين، ويسمو بالعلاقة بينهما إلى مستوى إنساني، فلا يعود أحدهما ينظر إلى الآخر من زاوية جنسيَّة فحسب، وهكذا فالمجتمعات التي تقر الاختلاط تشكو من تفاقم المشكلات الأخلاقية التي تنجم عن العلاقات بين الجنسين

        وقد خصصت مجلة " النيوزويك " الأمريكية Newsweek ملفاً للحديث عن السلوك الجنسي للرجال مع النساء والنساء مع الرجال، وحرصت على تقديم تعريف للاغتصاب، ونظراً للاختلاط الذي تعرفه المجتمعات الغربية منذ مئات السنين: فمن الصعب تحديد ما هو الاغتصاب.

       ووصل الأمر بانتشار حالات الاغتصاب إلى أن امرأة تعمل شرطية في شرطة لندن تعرضت للاغتصاب في أحد القاطرات في لندن، في وقت متأخر، وهي في طريق عودتها إلى بيتها، وقد انزعجت الشرطة في لندن من ازدياد حوادث الاغتصاب، لذلك قامت بإصدار بعض التعليمات لمواجهة هذه الحوادث، ومن التعليمات:

أ. الاحتشام في اللباس

ب. عدم وضع الأيدي في الجيوب حتى تكون المرأة مستعدة للدفاع إذا ما تعرضت للاعتداء.

ج. عدم الجلوس في الحافلات في الطابق العلوي إذا كانت الحافلة خالية، والحرص على الركوب قريباً من السائق.

       ولكن أنَّى لهن أن يسمعن موعظة، وقد ذكرني هذا بمحامية أمريكية عجوز استضافها التلفزيون الأمريكي قبل أكثر من عشرين سنة للتحدث في مشكلة الاغتصاب، فذكرت أن النساء هنَّ سبب ما يقع لهن من حوادث اغتصاب، حيث الملابس الفاضحة، والخروج وحيدات دون حماية من رجل، وأضافت أن الرجل مهما كان مكتفياً غريزيّاً: فإن منظر عري النساء يثيره.

   كما أن الاختلاط الذي يعيشه الغرب يتسبب إلى حد ما فيما يعانيه الغرب، حتى إن مجلة "المختار Reader's Digest قد نشرت تحقيقاً حول الاختلاط في العمل في مجالات الحياة المختلفة ، وما يتسبب فيه من إثارة الغرائز هو أحد أسباب انتشار الجرائم الجنسيَّة ، ومما أوردته المجلة في تحقيقها: "أينما يعمل الرجال، والنساء معاً: فإن "الافتتان" يأتي بوحي من واقع الميدان (العمل المختلط) وليس هذا الانجذاب بسبب سيطرة إفرازات زائدة لهرمون " الأدرينالين " فحسب ، ولكن في أي مكان عمل (مختلط طبعاً) من المعمل إلى المكتبة العامة " .

       هذه الفطرة التي فطر الخالق سبحانه وتعالى عليها، وهي الانجذاب بين الجنسين: يريد الغرب كبتها في العمل، وهو ليس بمستطيع، وهذا ما يقوله أحد العاملين بمعهد العلاقات بين الجنسين في مدينة " سانتا باربرا " بكاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية: " لا يمكننا أن نشرع قانوناً لإبقاء الميول الغريزية خارج نطاق العمل، فهذه الميول جزء من شخصية الفرد، لا تستطيع أن تعطل أداءها بضغطة زر لأنك موجود في العمل ".

        ولعل من أسباب هذه الأوضاع أن الحضارة الغربية كما يرى علي عزت بيجوفتش قد " أحالت المرأة إلى موضوع إعجاب، أو استغلال، ولكنها حُرِمَت من شخصيتها، وهو الشيء الوحيد الذي يستحق التقدير، والاحترام، وهذا الموضوع مشهود بشكل مضطرد، وقد أصبح أكثر وضوحاً في مواكب الجمال، أو في بعض مهن نسائية معينة مثل "الموديلات"، وفي هذه الحالات لم تعد المرأة شخصية، ولا حتى كائناً إنسانيّاً، وإنما هي لا تكاد تكون أكثر من حيوان جميل ".

 

 

 

الغرب من الداخل، دراسات للظواهر الاجتماعية (ص 55 – 57) .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية