دعوة إلى دراسة السيرة النبوية الشريفة

                 
    وقف كعب بن زهير بن أبي سلمى بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد جاءه مسلماً بعد أن أهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمه لأبيات قالها نال فيها من الإسلام وذكر فيها الصحابي الجليل أبا بكر الصديق رضي الله عنه بسوء وأراد زهير أن يكفّر عن أبياته الأولى فجاء بقصيدته المشهورة التي مطلعها:
بانت سعاد فقلي اليوم متبول *****   متيم إثرها لم يفد مكبول ، ومنها هذين البيتين :
نبئت أن رسول الله أوعدني **** والعفو عند رسول الله مأمول
إن الرسول لنور يستضاء به **** مهند من سيوف الله مسلول.
   فسمعها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساه بردة له، واشتراها معاوية بن أبي سفيان من أبناء زهير فيما بعد وهي التي يلبسها الخلفاء في الأعياد كما يقول ابن عبد البر في الإصابة.
   هذه والله عزة الإسلام، شاعر يقول أبياتاً ثلاثة فقط يهجو بها الإسلام ويعرِّض بصحابي جليل فيهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمه. وكان للشاعر مكانته في المجتمع العربي حينذاك فكأنما الأبيات منشور معاد للإسلام فلا بد للدولة المسلمة أن تحمي عرضها وشرفها. ومع ذلك فالإسلام لا يغلق الأبواب والرسول صلى الله عليه وسلم رحمة الله للعالمين كما جاء في قوله تعالى {وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين} وقوله تعالى {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاًَ غليظ القلب لانفضوا من حولك}
    وانطلاقاً من هذه الرحمة وحرصاً على هداية الناس فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأتيه أحد مسلماً إلاّ قبل منه، فبلغ الأمر زهير فجاء مُسلِماً، وقال تلك القصيدة التي أحب أن أقف عند هذا البيت منها: إن الرسول لنور يستضاء به    مهند من سيوف الله مسلول. فما أحرانا في عصرنا هذا الذي تداعت فيه الأمم على الاسلام والمسلمين أن نستضيء بنور الرسول صلى الله عليه وسلم. فهذه أحوالنا مجازر ترتكب في حق المسلمين في أقطار المعمورة: في فلسطين وفي كشمير وفي بورما وفي الفلبين وفي البوسنة. والبوسنة وما أدراك ما البوسنة ثلاث سنوات من المجازر حتى ملاذات "بطرس غالي" الآمنة لم تكن آمنة بل سفك فيها الدم المسلم واستبيحت الأعراض؛ ذبح المسلمون مقيدي الأيدي لا يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم. والآن تأتي بعثات الأمم المتحدة لتجد لها عملاً في التنقيب عن جثث المسلمين. ما أعجب هذا العالم الجثث أصبحت أكثر أهمية من أرواح الأحياء. وكلما أخرجوا مزيداً من الجثث أشاروا إلى سفاحَي الصرب وكأن صربيا لم يكن فيها إلاّ سفاحان. هل أصبح المسلمون أمواتاً أغلى منهم أحياء؟
    إن عزة الإسلام أهدرت دم شاعر شتم الدين وتعرض لمسلم إلاّ أن يأتي مسلماً، وقد منّ الله عليه بالهداية ليترك لنا تلك القصيدة الرائعة التي منها قوله: إن الرسول لنور يستضاء به، وإني لأتذكر الآن أننا درسنا هذه القصيدة في مراحل الدراسة الإعدادية فلم أفهم منها حينذاك إلاً أنه قالها طلباً للعفو من الرسول صلى الله عليه وسلم، أما إهدار دمه والإشارة إلى عزة الإسلام والمسلمين فلم تذكر في شرح القصيدة، ولم يشرح لنا الأستاذ معنى (مهند من سيوف الله مسلول)
     وظهرت عزة الإسلام في موقف آخر حينما توجه الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه ألف واربعمئة من الصحابة يريدون زيارة البيت الحرام ومعهم الهدي يسوقونها أمامهم إشارة إلى عدم رغبتهم في المواجهة الحربية. ولكن صلف الكفر والعناد أدى إلى منع المسلمين ولكن بدأت المفوضات بين الطرفين فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه. ولماّ تأخر عن الرجوع إلى معسكر المسلمين وأشيع إنه قتل فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلاّ أن اتخذ قراراً بمواجهة قريش حربياً وتمت بيعة الرضوان. فهذه الدولة الإسلامية تعلن الحرب لأن فرداً منها قد قتل أو أشيع بأنه قتل. ولذلك لا نعجب أن كان المسلمون يتفانون في الاخلاص لدولتهم لأنهم يعرفون قيمتهم الحقيقية عند دولتهم. واليوم وكأننا نسينا هذه النماذج العظيمة من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فأخذها نعجب بما فعلته أمريكا مثلاُ في سبيل تخليص مواطنيها الذين كانوا على السفينة-أخيل أورو-التي اختطفت، وكيف أن الأمريكان خطفوا طائرة لأنها كانت تقل أحد الذين اتهموا بالمشاركة في اختطاف السفينة.
    ولكن لا بد من مثال آخر لاهتمام الدولة الاسلامية بمواطنيها فقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عدداً من الدعاة (القرّاء) لدعوة إحدى القبائل فغدروا بهم فظل شهراً يدعو على تلك القبيلة. وكانت الدولة الإسلامية حريصة على فك أسراها من أيدي الأعداء فقد روت كتب التاريخ أن الدولة الإسلامية كانت تقبل بافتداء أسير مسلم مقابل عشرات من أسرى الأعداء.
     ومع هذا فأمة الإسلام في خير وإلى خير بإذن الله فإن الأمل بالله عظيم فهذه بوادر الرجوع إلى الله تظهر في كل مكان، فقد روى أحد كتاب جريدة الحياة زيارته إلى لندن في شهر رمضان فوجد أن الإمام الذي يؤم المصلين في صلاة التراويح مهندس ويشترك معه عالم في الفيزياء أو الكيمياء، وأن الشخص المتخصص في الكيمياء على درجة كبيرة من العلم الشرعي. وهذه من المبشرات بأن العودة إلى الله ليست مقتصرة على فئة صغيرة محدودة.
    وهكذا كلما اشتدت الهجمة على الاسلام من الأمم الأخرى أو من أبناء الأمة الإسلامية الذين اجتالهم الفكر العلماني المادي فإنه إلى خير والحمد لله، فهذه أوروبا وأمريكا تشهدان إقبالاً على الإسلام يقدر بعشرات الألوف. لقد وجد هؤلاء الأوروبيون النور في هذا الدين العظيم وفي سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهل يدفعنا هذا إلى العودة الحقيقة لهذه السيرة العطرة لنفيد منها في السياسة والاقتصاد وفي الاجتماع وفي الاخلاق.

   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية