الندوة الدولية حول جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (*)

     

مقدمة اللقاء: على هامش الملتقى الدولي الذي نظمه المجلس الشعبي البلدي بقسنطينة بمناسبة يوم العلم، الذي يصادف من كل سنة ذكرى وفاة رائد النهضة الوطنية الإمام عبد الحميد بن باديس -رحمه الله -وكان عنوان الملتقى هذه السنة:" جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأثرها في النهضة الثقافية والسياسية" وهذا الملتقى هو الثاني بعد ملتقى السنة الماضية الذي تناول موضوع القيم الإسلامية وأثرها في التنمية وقد دام الملتقى هذه السنة ثلاثة أيام (16و17 و18 أبريل 1989)
التقينا الأستاذ مازن مطبقاني، وهو باحث سعودي مهتم بدارسة تراث جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأجرينا معه حديثاً سريعاً.
س: كيف وقع اختياركم على دراسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالذات وأنتم تحضرون لنيل الماجستير؟
ج: قرأت ذات مرة أن الموضوع هو الذي يختار الشخص، كما أن الشخص يختار موضوعه. فعندما أردت اختيار موضوع بحث يصلح لرسالة ماجستير بقيت مدة متردداً على الجامعة ن وكان لي موضوع عن ثورة رشيد عالي الكيلاني، وبعد مرور سنة من تقديم البحث (مخطط لمحاور الموضوع) أشار عليّ رئيس القسم بأن الموضوع غير مناسب، وعند ذلك أشار الدكتور لؤي يونس البحر ي أن موضوع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية يستحق الدراسة، عند ذلك أسرعت إلى المكتبة وأخذت ثلاثة كتب ثم أعددت الخطة وأجيز الموضوع. والحقيقة أنه لم يكن فـي ذهني قبل اختيار الموضوع إلاّ الشيء القليل عن الجزائر، وحتى المكتبة الجامعية لم تكن تتوفر على مادة علمية كافية فيما يخص الموضوع.
س: نفهم من هذا أن هناك صعوبات كثيرة قد اعترضت سبيلكم خاصة فيما يتعلق بجمع المادة العلمية؟
ج: في اعتقادي أنه ليس هناك بحث علمي دون صعوبات، وقد أشرت في المقدمة إلى صعوبات اعـترضتني، وكان ذلك في الحقيقة بقصد إرضاء المشرف، ولكن طبعي لا أريد أن أظهر أمام النـاس أنني تجشمت الكثير من العناء والمتاعب، فليس هناك بحث علمي يخلو من الصعوبات لأنها هي الأصل في البحث العلمي.
س: رغم تقدم الخدمات الإعلامية إلاّ أن كثيراً من الناس لا يسمعون برحيل بعض المفسرين والعلماء المسلمين وهو الذي حصل مع المودودي وعبد الله علوان وصبحي الصالح وأخيراً مع سعيد حوّى، فهل هناك سر وراء التعتيم على الشخصيات الإسلامية؟
ج: في رأيي أن هذا الأمر يعود إلى أمرين وكلاهما يتحمل تبعة المسؤولية تجاه التعتيم على الشخصيات الإسلامية. الأمر الأول يعود إلى عدم وجود وكالات أنباء إسلامية، فالوكالات عندنا -للأسف هي لنقل أخبار الزعماء فهل توجد وكالات أنباء من العالم العربي والإسلامي نقلت أخبار الجهاد من الميدان سواء في فلسطين أو في أفغانستان.
    والأمر الثاني والذي يعود إلى غياب الإعلاميين من أصحاب التوجه الإسلامي وكذلك هي مسؤولية أصحاب الأقلام الإسلامية عموماً، فمصطفى أمين مثلاً له زاوية يومية فهل يوجد كاتب إسلامي له عمود يومي؟
س: كثر الكلام عن الصحوة الإسلامية في السنوات الأخيرة وحتى الدول الغربية أخذت ترصد إنجازات الصحوة الإسلامية، وقبل العام الفائت انعقد مؤتمر أوروبي على مستوى كافة الدول الغربية لدراسة ما أسموه بانتشار المد الإسلامي. فما هي حقيقة هذه الصحوة؟
ج: الصحوة الإسلامية أمر كان لا بد منه لأن الفساد قد بلغ مداه، وفاق حدوده هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى جهود العلماء والمصلحين وخاصة منذ حسن البنّا في مصر وعبد الحميد ابن باديس في الجزائر. فالصحوة الإسلامية هي أثر من آثار جهود هؤلاء العلماء بالإضافة إلى عوامل أخرى بطبيعـة الحال، والحقيقة أن الفكر الإسلامي الصحيح بات ميسراً إلاّ أن هذه الأمة تحارب من الداخل ومن الخارج. فالحرب من الداخل تكون بإثارة القضايا الفرعية والتنطع والتشدد في مسائل هامشية لا جدوى من ورائها. وهذا بهدف تشتيت الطاقات وتبديد المجهودات. وقد عالج الشيخ الغزالي -حفظه الله-كثيراً من هذه القضايا الخطيرة وخاصة تلك التي تقوم على مصادرة الرأي الآخر، ونرجو ألّا يضيق صدر الجماعات الإسلامية فتظن كل واحدة أنها هي جماعة المسلمين! وهي وحدها على الحق، ولنتذكر قاعدة المنار" لنعمل فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه."
      أما الحرب من الخارج فهو الكيد لهذه الأمة واستنزاف كفاءاتها العلمية وإغرائها بشتى الوسائل لتبقى خادمة للغرب، أضف إلى ذلك الغزو الثقافي والإعلامي وتطويق اليقظة داخل العالم العربي والإسلامي مهما كانت الظروف.
س: نفهم من هذا أن هناك الكثير من المخاطر التي تتهدد الصحوة؟
ج: إن المخاطر في الحقيقة هي من طبيعة الدعوة للإسلام: {ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهو لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} فالعالم كله بمعسكريه يقف في وجه الإسلام والمسلمين وحتى المسلم النائم يكرهونه ويريدون أخذ متاعه، فما بالك إذا كان يقظاَ.
     فقد أخذوا منّا ثرواتنا الطبيعية أثناء نومنا، واليوم هم يأخذون عقيدتنا وفكرنا، فالغرب دائم العمل ضد الإسلام، ومن المخاطر أيضاً على حاضرنا ومستقبلنا " العصبة الداخلية" ممن لا يفهمون الإسـلام كالتصوف المنحرف مثلاً أو اتجاه التغريب، لذا فالمطلوب من الإنسان المسلم أن يشعر دوماً أنه قائم على ثغرة فإن كان مهندساً أخلص في عمله وإبداعه وهكذا. فلو شعر كل إنسان مسلم أنه على ثغرة وأن العدو لا يأتي من قبله عندئذ نكون على الطريق الصحيح إن شاء الله.
س: كما هو معروف فقد قامت الوحدة بين دول المجلس الخليجي ثم بعد ذلك بين الدول المغاربية، وفي ذات الوقت بين دول مجلس التعاون العربي، وهذا يشير إلى أن هذا العصر إنما هو عصر تكتلات واتحادات، فما هو رأيكم في هذه الوحدات الإقليمية؟
ج: مما لا شك فيه أن الوحدة في حد ذاتها قيمة معينة أشاد بها الإسلام بل إن القرآن الكريم جعل عزة المسلمين ووجودهم الحقيقي الفعّال رهن هذه الوحدة، غير أن ما يجب أن نشير إليه مع احترامنا وتقديرنا لآراء القادة والزعماء في العالم العرب هو أن الوحدة المنشودة يجب أن تسبق بتهيئة عقلية ونفسية وإعلامية معينة، ذلك أن التوجهات والفهوم الإقليمية الضيقة من الممكن إن تضبط بالضوابط المشـار إليها أن تتحول هي ذاتها إلى عوائق عسيرة في وحدة الأمة الإسلامية وأعتقد أن هذا الموضوع الهام قد عولج في الملتقى الفكري الإسلامي الفارط.
س: نفهم من كلامكم أن الوحدة الحقيقية تلك التي تنبع من الوعي الحقيقي وهذا كما أشرتم يقتضي ثقافة خاصة فماذا عن التعاون الثقافي والفكري في العالم العربي والإسلامي؟
 ج: للأسف لا زلنا نخاف الكلمة المكتوبة ونعدها أمراً خطراً، والحقيقة أنه لو أدمن شبابنا القراءة لما أدمن الكوكائين! ومن العوائق أن البلاد العربية والإسلامية ما زالت تتأرجح بين الشرق والغرب، والدول التي تميل إلى الشرق تخشى التعاون مع الدول التي تميل إلى الغرب... والعكس صحيح. وكذلك فإن أمر التعاون يحتاج إلى جهد بين الأفراد فالفرد عندنا يظن دوماً أنه لا يمكن ان يصنع شيئاً، والحقيقة أنه يستطيع، والجميع يعلم أن الكثير من الأفكار الإصلاحية والسياسية وغيرها في العـالم الإسلامي نقلت عن طريق الحجاج والأشخاص، وقد ذكرت هذا الأمر الوثائق الفرنسية، ثم إن هناك أمراً آخر يتعلق بالتعاون الثقافي فالكثير من التوصيات التي يتوصل إليها المؤتمرون في مؤتمراتنا الكثيرة تبقى حبراً على ورق، فالملحقون الثقافيون مثلاً كنقطة وصل بين الأفكار نجد أن جهود هؤلاء قريب من اللاشيء! وأعتقد أن الإخلاص والشعور الصادق نوسد الثغرة وإتقان العمل هو الكفيل بتحقيق هذا التعاون.
        نسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً لخدمة هذه الأمة التي عانت الكثير ولا تزال تعاني {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}



* نشر في جريدة النصر (قسنطينة -الجزائر) في 1شوال 1409الموافق 6 مايو 1989م. وملحق بهذا اللقاء أسئلة أرسلها الأستاذ إبراهيم النويري ولا أعلم إن كانت قد نشرت أم لا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية