العودة إلى الجزائر وبخاصة قسنطينة

تلمسان ليست لفظة غريبة علي فقد عرفت الكلمة من اسم الشيخ عمر التلمساني رحمه الله، فقد كان المرشد العام للإخوان المسلمين وكان يكتب في صحيفة الشرق الأوسط (أتاحت له الفرصة ذراً للرماد في العيون) فكان مما أذكر من تلك الكتابات قوله (إن الزعيم أو الحاكم أو الرئيس أو الملك لا يخرج بنفسه لاعتقال المواطنين الشرفاء، وليس هو من يعذبهم ويذيقهم الأمرين من السجون والضرب والإيذاء البدني والمعنوي، ولكن يقوم بهذا أناس منّا قد يكون أخاك أو ابن أخيك أو ابن عمك، إنه – أي الحاكم_ يستخدمنا أدوات ليرتكب عن طريقنا كل أنواع المخازي، ثم إن هذا الحاكم يتخلص من هؤلاء الذين يقومون بالنيابة عنه تلك الأعمال القذرة الوحشية.
ولعمر التلمساني موقف مع الرئيس السادات حين اتهم الإخوان المسلمين بالتنسيق مع الشيوعيين ضد النظام، فقال له الداعية الكبير: "لو كان غيرك قالها (أي هذه الاتهامات) لشكوته إليك، أما وإن محمد أنور السادات هو الذي قالها، فإنني أشكوه إلى الله"، فتأثَّر الرئيس السادات، وقال له: "اسحب شكواك يا عمر"، فقال له الداعية العملاق: "إني شكوتك لعادل، فإن كان لي حق أخذته، وإلا فلن يضيرك شيء". (بدر محمد بدر- موقع الإخوان المسلمون (
وعرفت تلمسان من أسماء المدن التي كانت مهمة في تاريخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وإن كان البشير الإبراهيمي عاش في وهران فترة من الزمن. وقد زرت وهران قبل أحد عشرة سنة وها أنا تتاح لي الفرصة لأكون في تلمسان وقد كسبت خبرات كثيرة منذ ذلك الحين في مجال تخصصي، وقد صلب عودي نوعاً ما في مواجهة الاستشراق أو محاولة بعض الغربيين استغفالنا.
كيف وصلت إلى تلمسان؟ وصلتني دعوة قبل سنة تقريباً من الدكتور سعيدي محمد عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة أبي بكر بلقايد (الوزير الشهيد ابن تلمسان العظيم)- يعجبني في الجزائر تسميات الجامعات- وبعثت إليهم بفكرة موضوعين ولكن أحدهما أكثر قرباً منهم وهو "الاهتمام بالاستشراق في الصحافة الإصلاحية الجزائرية" وانتظرت واقترب موعد المؤتمر ولم يصلني منهم تأكيد بقبول الموضوع أو رفضه، وفجأة يأتيني اتصال أنهم سيبعثون تذكرة سفر وخطاب دعوة، فقلت للأخ مصطفى حسن نعم سأحضر دون تردد وقد قال لي الأخ مصطفى أنت الوحيد الذي لم تتردد في القبول. وصلت التذكرة وخطاب الدعوة، فذهبت إلى السفارة فأخبرني موظف القنصلية نحتاج أربعة أيام لنعطيك التأشيرة، فقلت له لا سأحصل على التأشيرة أسرع من ذلك، وجئت ومعي النموذج ونسختين من كتابي عبد الحميد بن باديس نسخة هدية للسفير وثانية للقنصل فوعدوني بالتأشيرة بعد يومين، وحصلت على التأشيرة مجاملة أو تأشيرة مجاملة.
أما التذكرة فكانت عن طريق اسطنبول التي تقلع رحلتها من الرياض على الساعة الثانية وخمسة وعشرين دقيقة بعد منتصف الليل، وتصل اسطنبول (التوقيت واحد) على الساعة السادسة تقريباً، والرحلة من اسطنبول الساعة العاشرة والنصف وتصل الواحدة والنصف. ثم الرحلة من الجزائر إلى وهران على الساعة الثالثة بعد الظهر والوصول على الساعة الرابعة والركوب في سيارة من وهران إلى تلمسان والوصول بعد غروب الشمس إلى تلمسان. فهل الرحلة طويلة؟ وهل هي شاقة؟ لن أقول، فلدي كلمة أن التعب يذهب حالما أجد فراشاً وغرفة هادئة. ولي مع السفر الطويل تاريخ طويل.
كان الاستقبال في مطار وهران جميلاً ورافقني في الرحلة من وهران إلى تلمسان الدكتور أحمد حلواني أستاذ الإعلام والعلوم السياسية بجامعة دمشق، وكذلك وزير السياحة السابق في سوريا. وقد كان حديثنا طوال الرحلة حول المظاهرات في سوريا وعرفت بعض التفاصيل عن صعوبة موقف المتظاهرين وصعوبة مواجهة الدولة، ولكن الله ناصر عبده وسينتصر الحق مهما كان الظالم قوياً أو قاسياً أو عنيفاً
والطريق الذي سلكناه طريق سريع ليس فيه نقاط لدفع رسوم كما هو الحال في الدول التي تسير في ركب الرأسمالية التي تنهك جيوب الناس وتستنزفها. ولكن مع جودة الطريق فإنه بُنِيَ دون أن يفكر المصممون بوضع محطات استراحة أو محطات وقود على الجانبين. فهل ثمة خطأ أو عجلة في التنفيذ أو هناك كما يقولون وراء الأكمة ما وراءها. وقد عانينا في المملكة المشكلة ذاتها في طريق القصيم المدينة المنورة حيث تأخر بناء المحطات سنوات عديدة وطريق المدينة المنورة يبلغ خمسمائة كيلو متر بينما لا يزيد طريق وهران تلمسان على مائة وخمسين كيلو متر. بل إن طريق القصيم انتقد لأن كثيراً من الجسور التي كان ينبغي أن تبنى في وقت بناء الطريق تأخرت، والتهمة الجاهزة أن البعض أراد أن تكون مناقصات جديدة لبناء الجسور فلا حول ولا قوة إلاّ بالله.
الطريق جميل وتزفيته جيد ولا بد أنه يتمشى مع المواصفات العالمية. كما أن جوانب الطريق جميلة حيث الخضرة، ولم نلاحظ سوى الزيتون وبعض اللوز (الذي فاتني شراء قليل منه) ولكن الفكرة التي تهاجمني عندما أرى السهول الخضراء الخصبة في البلاد العربية أقول إن بلداً فيه هذه الأراضي العظيمة يجب أن ألّا يجوع أهله أو على الأصح بلد يملك هذه الثروة يجب أن يكون ثرياً. قيل إن فرنسا كانت تُطْعِم أوروبا كلها من سهول المتيجة (على ساحل البحر المتوسط، ذات الأرض الخصبة الحمراء) فلماذا يجوع الجزائريون أو المغاربة أو تجد متسولين حول نهر النيل ويكفي كما أقول إن يرمي الواحد حفنة من القمح في الأرض فإذا بها أشجار قمح وليس نبتات وسنابل

وأخيراً لا بد من كلمة حول مشروع (عاصمة الثقافة الإسلامية) أن هذا المشروع يشجع المدن المختارة للقيام بمشروعات للمحافظة على التراث والآثار بل كذلك القيام بمشروعات حفريات كثيرة إلاّ إن كانت مدفوعة من جهات أجنبية لربط البلاد الإسلامية بالتاريخ القديم قبل الإسلام أو قبل بعثة الرسول محمد  صلى الله عليه وسلم وإن تلمسان التي تنطق بتسكين التاء وفتح اللام وسكون الميم (تْلَمْسان) كانت عاصمة لحكم الزيانيين الذين تقول عنهم موسوعة ويكيبيديا أنهم (بنو زيان أو بنو عبد الواد سلالة بربرية زناتية حكمت في غرب الجزائر بين1235و1554 م. مقرهم تلمسان. وفي رواية أخرى أنهم من نسل القاسم بن محمد بن عبد الله بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر جد الشرفاء الأدارسة) ويتحدث أبناء تلمسان عن دولة أخرى وعن الصراع بينها وبين الزيانيين هي الدولة المرينية وقد وصفتها الموسوعة (ويكبيديا) بما يأتي: "ينحدر المرينيون من قبيلة زناتة الأمازيغية، استقروا في المناطق الشرقية والجنوب الشرقي من المغرب. بعد صولات وجولات مع الموحدين استطاع المرينيون في عهد الأخوين أبو يحي عبد الحق (1244_1258 م) ثم أبو يوسف (1258_1286 م) أن يستولوا على العديد من المدن، مكناس: 1244 م، فاس: 1248م. مع حلول سنة 1269م استطاعوا التخلص من آخر الموحدين في مراكش، وبدأوا بعدها في تنظيم جيش قوي حتى يمكنهم الاحتفاظ بالمناطق التي انتزعوها. خاضوا عدة حروب على أرض الأندلس في عهد أبو يعقوب يوسف (1286_1307 م)، توسعوا إلى الجزائر (الاستيلاء على وهران ومدينة الجزائر). عرفت الدولة أوجها أثناء عهدي أبو الحسن علي (1331_1351م) ثم أبو عنان فارس (1351_1358م) وازدهرت حركة العمران. استطاع الأخير صد سلاطين عبد الواد والاستيلاء على عاصمتهم تلمسان، ثم واصل في غزواته حتى بلغ تونس واحتلها على حساب الحفصيين."

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية