المنح ومراكز البحوث في الغرب


إن مما يدل على رقي أمة من الامم ازدهار المؤسسات التعليمية فيها وتطورها ومن هذه المؤسسات الجامعات ومراكز البحوث التي تشجع البحث العلمي وتسهم في زيادة التقدم العلمي والتقني.
والباحث في مسألة تمويل مراكز البحوث والدراسات في الغرب يجد انها تعتمد اساسا على المنح والهبات.
وقد كتب الاخ خالد عبد الرحيم المعينا في صحيفة الشرق الاوسط قبل اسبوع (13/ 7/ 1993) قائلا: "وقد لا يعلم كثيرون ان جامعة هارفارد تحصل سنويا على مبلغ أربعة مليارات دولار في شكل هبات ومنح، وان جامعات اخرى غيرها ومراكز للبحوث تعتمد بشكل كامل على المنح والهبات والتبرعات الطوعية".
وتظهر آثار هذه المنح والهبات على البحوث والدراسات التي تقوم بها الجامعات ومراكز البحوث. كما تظهر على الانتاج العلمي المنشور، وعلى الاوضاع الاقتصادية الجيدة للباحثين واساتذة الجامعات حيث ان استاذ الجامعة في الغرب نادرا ما يفكر في البحث عن مصادر دخل في التجارة او الاراضي او سوى ذلك بل ينقطع لطلب العلم وتعليمه لاكتفائه ماديا.   
وتظهر اثار هذه المنح والهبات على المكتبات المزدهرة، وعلى الندوات والمؤتمرات التي تعقد في هذه الجامعات ومراكز البحوث، كما تظهر في عدد الاساتذة الزائرين الذين تستضيفهم هذه الجامعات ومراكز البحوث. ولأضرب على ذلك المثل فقد استضافت جامعة برنستون (قسم دراسات الشرق الأدنى) ثلاثة اساتذة زائرين في شهر واحد (اكتوبر 1988) (رينهارد شولتز وجيفري لويس واستاذ ثالث لا اذكر اسمه حاليا). كما استقدم القسم استاذين زائرين لمدة سنة دراسية كاملة (صادق جلال العظم وعبد القادر الزغل).
 ان الاستاذ الجامعي عادة ما يكون مشغولا في القيام بنصابه من المحاضرات والاشراف وغير ذلك من المهمات، لذلك كان لابد ان يحضر الاستاذ الزائر لضخ دماء جديدة في الجامعة، وتحريك الركود – كما يقال-وتنشيط البحث العلمي.
ولقد أدركت حكومة المملكة العربية السعودية أهمية دعم الجامعات في المملكة فتولت وضع ميزانيات كبيرة لمواجهة نفقات الجامعات من رواتب الاساتذة، وبناء الجامعات، وبناء المكتبات، وغير ذلك من النفقات الضرورية للجامعات. وايمانا من المملكة بدور الجامعات بنشر العلم والمعرفة فقامت بتقديم المنح والهبات لبعض الجامعات في الغرب لنشر الاسلام وتدريسه في الغرب. وكان من هذه الهبات ما قدمه خادم لحرمين الشريفين يرحمه الله لجامعة هارفارد بالولايات المتحدة لدعم تدريس الشريعة الاسلامية هناك.
 هو معروف عن هبات المملكة انها لا تكون مشروطة سوى ان تخدم الهدف الذي قدمت من اجله وهو نشر الاسلام، ودعم البحوث الخاصة بالعقيدة والشريعة الاسلامية.
 لاحظت من خلال دراستي للاستشراق الامريكي ان من صفات هذه المدرسة الاستعانة بالباحثين من البلاد العربية الاسلامية، فأود من خلال هذه الكلمة ان اتقدم باقتراح الى الجهات العلمية لدينا وفي الغرب ان يطبق نظام تبادل الباحثين والاساتذة الزائرين. فلدينا بحمد الله عدد من كليات الشريعة والدعوة، والدراسات الاسلامية، وان خريجي هذه الكليات قد حققوا مستوى علميا رفيعا فلو زود بعضهم بالمعرفة باللغات الاوروبية او تم ابتعاثهم في برامج منظمة مقابل استقدام باحثين غربيين لدراسة الاسلام شريعة وتاريخا وفكرا ونظما في جامعاتنا فهم سوف يحصلون على معرفة جيدة بالإسلام بدلا من استمرارهم في دراسة الاسلام على ايدي المستشرقين او بقايا المستشرقين بما في هذه الدراسات من سلبيات.
وقد قدمت مجلة ((اليمامة)) قبل عدة أشهر تحقيقا عن منح فلبرايت الامريكية وهي ماتزال في طور الدراسة في الجهات المختصة فحبذا لو كان من اهدافها بعث طلاب العلوم الشرعية لتحقيق نشر العلم الصحيح بالإسلام وعلومه. فنحن بحاجة لمعرفة الغرب فكرا واجتماعا وثقافة بقدر ما يحرص الغرب على دراستنا والاطلاع على كل ما يصدر لدينا من انتاج علمي.
وعودة الى التبرع والمنح والهبات فانقل دعوة الاستاذ خالد المعينا في قوله: "انني اعتبر هذا درسا لنا فنحن امة اوصاها ربها بعمل الخير بل جعله واجبا)) وكان الاجدر ان يكون هذا ديدننا وان لا نحتاج الى درس من الاخرين ... فهل يتحرك الاثرياء واصحاب الاموال بل حتى الناس العاديين بالتبرع للجامعات ومراكز البحوث والجمعيات الخيرية، وايقاف الاوقاف على الخير... وفق الله كل العاملين الى كل ما فيه نشر للإسلام ومبادئه.

المقال الخامس والتسعون صحيفة "المدينة المنورة" عدد 9571في 14 صفر 1414 ه، 2 اغسطس 1993


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية