مقدمة كتاب عن التصوف في مراكز البحوث الأمريكية للدكتور صالح الغامدي

        الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

        كتابة مقدمة لرسالة علمية تقدّم نفسها ولا تحتاج حقيقة لمن يقدمها أمر ليس بالهين ولكنها رغبة الزميل (الآن) الدكتور صالح أن أكتب له بضعة أسطر فما ذا عساني أقول؟

        هذه الرسالة تناولت أمرين خطيرين وهما مراكز الفكر الأمريكية والأمر الثاني التصوف في دراسات هذه المراكز، وكلا الأمرين يستحق رسالة منفصلة ولكننا في عالمنا الإسلامي الذي لا يزال تصنع قراراته وسياساته في الخارج أو إن لم تصنع كلياً فللخارج ولهذه المراكز أثر كبير في صناعتها وقد قام الأخ الزميل الدكتور صالح بهذا الأمر خير قيام.

        ولا أجدني في وضع يسمح لي أن أحكم على الرسالة تماماً فأنا شريك معه في إيجابياتها وسلبياتها وهذا ما تعلمته من أستاذي الدكتور الحبيب الهيلة حين رغبت إليه أن يشرف على رسالتي عن الاستشراق الفرنسي والصراع الفكري في المغرب العربي فقال لي: "يا مازن الرسالة شرفي وشرفك وسأبحث معك كما تبحث، ولكنها ستكون باسمك"، فقلت في نفسي: لله درّك من أستاذ كريم، ولذلك فأنا شريك لا يحق لي أن أحكم على الرسالة ويكفي أنه ناقشها زميلين كريمين هما الأستاذ الدكتور عبد الرحمن القصاص والدكتور فؤاد البعداني وأعود إلى مراكز الفكر التي انطلقت فكرتها على أساس أنها منظمات غير ربحية وغير حزبية ملتزمة بفهم متطور للسياسة الخارجية الأمريكية والشؤون الدولية عندما دُعي واحد وعشرون عضواً من مجموعة النخبة لمرافقة ودرو ويلسون لمؤتمر السلام عام 1919. انزعج هذا الوفد بسبب رفض ويلسون نصائحهم كما تعرضوا للتضليل بسبب الفقرات التي تضمنتها اتفاقية فرساي فقرروا بالاتفاق مع مثقفين وباحثين من بريطانيا بتأسيس معهد يجمع الشباب في باريس ليقدموا آراءهم ونتائج بحوثهم للرأي العام ولصانعي السياسة في بلادهم.

        ولكن لم تستمر هذه المراكز حيادية نزيهة تماماً فدخل أصحاب المال وأرباب الأحزاب السياسية فتدخلوا في شؤونها وأصبحت ذات اتجاهات متعددة كما قسمها الخبير بمراكز الفكر دونالد أبلسون إلى عدة أنواع معتمداً على دراسة أجرها ويفر Weaver لهذه المراكز فمنها من يعتمد على الدعم الحكومي وأسماها (جامعات دون تلاميذ) مهمتها الأساسية القيام بالبحوث والدراسات الممولة حكومياً، أما النوع الثاني فهي المراكز "الترويجية" وهي أكثر أنواع مراكز الفكر شيوعاً منذ بدايات السبعينيات في الولايات المتحدة وفي الديمقراطيات الغربية بما فيها كندا وبريطانيا العظمي كانت من النوع الذي أشار إليه ويفر بأنها المراكز الترويجية الدعائية. أما النوع الثالث فهي مراكز الفخر والغرور والمرشحين فهذه المراكز المؤسسة على الغرور والمرشحين قد أنشئت بالإيحاء إلى أصحاب المناصب (أو مؤيديهم) لتوليد أفكار يمكن للمرشح أن يبني عليها فيما بعد خلال حملته أو حملتها الانتخابية.

        وقد كان التركيز في هذه الدراسة على المراكز الأكاديمية وإن كان بعض المراكز من التصنيفات الأخرى قد تنتج بين حين وآخر بحوثاً ودراسات ترقى إلى المستوى الأكاديمي الرصين.

         أما الجانب الآخر في الدراسة فهو التصوف وقد أفاض الباحث في الحديث عن الصوفية من حيث تعريفها ونشأتها وأهدافها وأهم من ذلك كله ما دار ويدور في مراكز الفكر من دراسات ومخططات لنشر التصوف وبخاصة التصوف الغارق في السلبية والخرافات وهو أمر أدركه الغرب ومراكز الدراسات الاستشراقية من قديم حين احتلت بعض الدول الأوروبية بعض البلاد الإسلامية حتى قال أحد القادة العسكريين الفرنسيين: "أعطني طريقة صوفية أحتل بلداً"، فاحتضنوا بعض الصوفية وفسحوا لهم المجال وهانحن في هذا الزمن بعد الربع الأول من القرن الخامس عشر الهجري وبداية القرن الواحد والعشرين الميلادي تجتهد مراكز الفكر الأمريكية في دعم الصوفية بشتى الوسائل مما بحثه الدكتور صالح بحثاً واسعاً وعميقاً ودقيقاً فجلّى ما ينبغي للأمة أن تفعله لمواجهة خرافات الصوفية وتخطيط الدوائر الأجنبية.

        سعدت بالتعامل مع الدكتور صالح الذي استجاب لكثير من إرشاداتي وكان مثالاً للباحث الجاد الذي لا يتوانى عن عمل كل ما يمكن لإخراج بحث أكاديمي متميز فكان بحثه مثالاً للبحوث العميقة التي أكدت على شخصيته الجادة في البحث وعمق اهتمامه بأمته ومصلحتها ومستقبلها، فأسأل الله عز وجل أن يزيده توفيقاً في حياته العملية والأكاديمية

والله الموفق

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية