دروس من الصحافة المغربية


أردت أن أنهي هذه السلسلة من المقالات عن الصحافة المغربية لكنني وجدت أنني جمعت عدداً كبيراً من المقالات والأخبار فالصحافة كما يقال هي مرآة الشعب، ولكن ليس كل مرآة مرآة، وقد قرأنا كيف كان الإعلام سلاحاً لكبت الشعوب وتجهيلها وإرهابها وتخويفها في العالم العربي.  ومع كل ذلك فلا بد أن نقرأ ففي الأمة كتاب مخلصون لا يكتبون لإرضاء جيوبهم أو مخابيهم كما كان يصرح مسؤول في إحى الجامعات العربية (ملوا مخابيكم)
وفيما يأتي آخر دفعة من القراءات وأولها مقالة بعنوان "دور العلوم الإنسانية في تحليل وفهم المجتمعات المعاصرة" بقلم مصطفى الحسناوي" في صحيفة المساء يوم 11 مارس 2011م. بدأ مقالته بالتساؤل لماذا تفاجئ الحكام العرب بثورة شعوبهم عليهم وكانت إجابة الكاتب قوله أن هؤلاء الحكام "يجهلون شعوبهم والمأساة هو أنهم قضوا عقوداً يسوسون شعوباً يجهلونها" ويرى أن الفرق بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة المستبدة أنّ الأولى تدرس شعوبها "لتكيّف أساليب حكمها ومؤسساتها ونظم قوانينها وخطاباتها مع وضعه البشري المتعدد والمتحول..أما الأنظمة الاستبدادية لا تدرس شعوبها لأنها "مطمئنة" إلى أنه كائن بالمجاز لا تتعدى آدميته حدود خوفه وتملقه ونفاقه"
ويرى الكاتب أن جهل الحكام العرب بشعوبهم هو "مناخ ثقافي يحتقر العلم والمعرفة ويحتقر الإنسان في المحصلة لأن الأنظمة التي تهتم بدراسة الإنسان هي نفسها التي تحتفي به بينما الأنظمة التي تحتقر الإنسان لا تدرسه بل تقمعه من أن يعبر ويعيش تعدد وضعه البشري كإنسان."
ويضيف الكاتب أن الإنسان العربي كان "مثار استغراب وسخرية الكثير من السياسيين والمثقفين في الغرب والذي يحيل على انعدام الحركية والجمود القاتل وعلى القَبُول القَدَري بحتمية الاستبداد" ويرى الكاتب أن الاستقلال أو ما سُمّي الاستقلال لم ينتج سوى"الدولة الأمنية القهرية التي سادت بقوة المخابرات والأجهزة الأمنية وظل معها كل نزوع إلى التحرر الفعلي والديمقراطية والمواطنة مؤجلاً إلى أجل"
ويقول الكاتب:"إن العلوم الإنسانية، إذن، ليست ترفاً فكرياً ولكنها ضرورة معرفية لفهم الواقع وأنماط وآليات اشتغاله وديناميته ومنهج تطوره، وأمام تحولات كالتي يشهدها العالم الربي حالياً تصير الحاجة إليها أكثر من مهمة"
وبالنسبة لأهمية العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية فأحب أن أذكر مثالين، فقد أردت ذات يوم أن أحضر مؤتمراً في الصين دعا إليه معهد دراسات غرب آسيا وشمال أفريقيا المدعوم من الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية عام 2000م، فدلفت إلى شبكة المعلومات الدولية لأعرف أكثر عن المؤتمر وعن الأكاديمية فرأيت صورة للأكاديمية عام 1947 وهي لا تتجاوز أربعة أو خمسة طوابق فقط، وفي عام 2000م أصبح مبنى الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية أكثر من عشرين طابقاً، مما يدل على إدراك الحكومة الصينية للعلوم الاجتماعية والبحوث الاجتماعية وفهم الإنسان الصيني، بل سعت الصين من مؤتمرها عام 2000 الذي كان عنوانه (العولمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) الذي دعت له كبار المتخصصين في أنحاء العالم إلى فهم الشعوب الأخرى ودراستها.
والعلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية مكون أساسي لأي نهضة وهذا ما قاله أحمد بهاء الدين وهو يتحدث عن اهتمام اليابان بالعلوم الإنسانية وإيفادها شخصاً ليتعلم العربية ويتقنها ليتمكن من ترجمة مقدمة ابن خلدون إلى اللغة اليابانية من اللغة العربية مباشرة في كتابه شرعية السلطة في العالم العربي الذي نشر في عام 1984(تاريخ كتابة مقدمة الكتاب): "وقتها كانت اليابان خارجة من كبوتها وهزيمتها في الحرب العالمية الثانية. لم تكن قد هجمت على العالم كله بعد بسياراتها وترانزستوراتها وتلفزيوناتها وكل صناعاتها التي تذهل العالم وتزعزع أغنى الدول الصناعية الأخرى.
والبعض يظن –في سطحية– أن اليابان عكفت على إتقان هذه الصناعات وحدها، كلاً فنفس الجهد الذي كانت تبذله اليابان في مجال البحث العلمي والإنتاج الصناعي كانت تبذله –بالتوازي-في مجالات البحث الأخرى كالعلوم الإنسانية وتترجم مقدمة ابن خلدون من العربية رأساً إلى اليابانية. عرفت اليابان قيمة الكلمة والورقة كما عرفت قيمة الجهاز الإلكتروني الصغير وبغير هذا ما كانت اليابان لتحرز ما أحرزته من تقدم مذهل. ففي حياة الأمم لم يحدث أبدأ أن تم التقدم في مجال واحد دون مجال. المجتمع أو الشعب إمّا أن يتقدم في كافة المجالات لأنها تكمل بعضها وإما أن لا يتقدم."(ص 8-9)
وقبل سنوات حضرت مؤتمراً في معهد قوته بالقاهرة عن الشباب العربي والشباب الألماني (5% عن الشباب الألماني والباقي عن الشباب العربي) فعرفت أن شركة شل (البترولية) تقدم منحة لمؤسسات بحثية في علم الاجتماع لدراسة أوضاع الشباب الألماني اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً كل ثلاث سنوات. وتنفق شركة شل مبالغ طائلة على هذه البحوث التي توجه الحكومة الألمانية والمؤسسات الألمانية للتعامل مع الشباب.
أما في العالم العربي فظللنا نرفض دراسة مشكلاتنا بل الحديث عنها في العلن وكأننا مبرؤون من كل العيوب وأننا لا نشكو من شيء بل كل شيء على ما يرام حتى إن زلزالاً حدث في إحدى المناطق وقام بعض الصحفيين بتصوير الحدث فما كان من رئيس التحرير إلاّ أن اتصل بالوزير (وزير الإعلام) فأمره أن لا ينشر أي صورة عن الزلزال. واستمررنا في السكوت عن مشكلة المخدرات حتى أصبحت وباءً، وسكتنا عن بعض أنواع التطرف حتى ابتلينا كما ابتلي غيرنا بأنواع من التشدد والتطرف والعنف.

وفي مجال العلوم الإنسانية حملت الأخبار أن رئيس كيان اليهود كان في زيارة لتركيا فصحب معه ما لا يقل عن عشرين عالماً ولم يكونوا علماء ذرة أو كيمياء وإنما كانوا من أقسام علم الاجتماع والآداب والتاريخ وعلم النفس والعلوم السياسية. وهكذا فعل رئيس تركيا حين زار إسرائيل. وعلى الرغم من العدد الكبير من الرسائل الجامعية التي قدمت للجامعات الأجنبية حول القضايا الاجتماعية في العالم العربي وكذلك أن بلادنا العربية تستقبل عدداً كبيراً من الباحثين الأجانب من أوروبيين وأمريكيين وحتى يابانيين يأتون لدراستنا فلا نستفيد من هذه الدراسات بينما علمت من الدكتور طه جابر العلواني (رحمه الله) أن الرسائل الجامعية كلها يتم إعداد ملخص لها يرسل إلى الدوائر الحكومية فتقرر إن أرادت الاطلاع على الدراسة كاملة، فأي بلد عربي يطلع على الرسائل الجامعية ليفيد منها لا لمراقبتها كما يحدث في بعض البلاد العربية التي شكلت الجامعات ووزارات الداخلية لجاناً أمنية لمراجعة الرسائل العلمية قبل مناقشتها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية