لا تتكتمل زيارة بلد إلّا بزيارة منزلية


      كان مالكوم إكس قد كتب في مذكراته أنه زار أخته في مدينة أخرى، فسألته: هل رأيت المدينة؟ قال: نعم، جئت إلى هنا بالحافلة فرأيت بعض المدينة، فقالت له: إنك لم تر المدينة إن لم تمش فيها على قدميك. وأضيف من واقع خبرتي المتواضعة في السفر إنك لا ترى المدينة حقيقة ما لم تدخل أحدَ بيوتها، فزيارة أهل البلدة يطلعك على مزاج الناس وأذواقهم وطبائعهم في بيوتهم ونظام تلك البيوت. ولكن في زمننا الحاضر أنّى لك من يدعوك لزيارته في بيته. ولكن لا بد أن أذكر الدكتور محمد عبد الواحد العسري من جامعة تطوان، بالمغرب حيث تعرفت عليه في المؤتمر الذي أقامته جامعة تطوان حول الاستشراق عام 1417هـ (1997م) حتى كان يوم الجمعة فدعاني إلى منزله لتناول طعام الغداء. وكان حقّاً رائعاً ولو نسيت كل شيء في تطوان (ولا تنسى تطوان) فلن أنسى ضيافة الدكتور العسري وإنما هو يسر ويُسر ويُسرُ.
    والأخ الثاني الذي جعلني أعرف المغرب وأهله أنني زرت مدينة فاس فدعاني الدكتور حميد لحمر (الإدريسي) إلى طعام الغداء، وكانت الوجبة طاجن البرقوق مع اللحم، فتعجبت: كيف يطبخ اللحم مع البرقوق، ولكنه كان حقّاً لذيذاً حتى إني أحضرت برقوقاً من إسبانيا لتطبخه خديجة، ففاجأتني بقولها: إن البرقوق الإسباني حباته أكبر ولكن البرقوق البلدي (وتنطق البِلْدي) ألذ. واستمتعت بتلك الوجبة، وأحضر الإناء والإبريق لأغسل يدي بعد الطعام، فذكرني بما كنّا نفعله مع الضيوف في المدينة المنورة حينما كنّا صغاراً ولا ينقطع الضيفان عن بيتنا حتى إن أبي علمني أبياتاً عن إكرام الضيف هي:
    أداعب ضيفي قبل إنزال رحله      ويخصب عندي والمكان جديب.
ويقول شاعر آخر:
وما الجودُ للأضيافِ أن يَكْثُرَ القرى   ولكنما وجه الكريم خصيب،
وشاعر آخر يقول
وإني لعبدُ الضيفِ ما دام ثاوياً وما فيّ إلّا تلك من شيم العبد.
وقال المقنّع الكندي:
وإني لعبد الضيف مادام نازلاً           وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا

وأما أمي رحمها الله فكانت تكتفي بالمثل الشعبي (لا قيني ولا تغديني)
        وأجمل من هذا وأبلغ قول الرسول صلى الله عليه وسلم، (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من لم يعط ضيفه جائزته) وفي حديث آخر (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) وكان أبي يردد (يخرج الضيف بذنوب أهل البيت) وكنت أتعجب كيف يكون ذلك هل يتحملها؟ فعرفت أن الله، عز وجل، يغفر لأهل البيت بإكرامهم للضيف.
    وعند بادية الأردن مقولة شهيرة: "الضيف إذا أقبل، أمير، وإن حل أسير، وإن لفى شاعر"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية