لإعلام والاستثمار في التعليم العالي




الإعلام والاستثمار في التعليم العالي


ورقة عمل مقدمة
لندوة: تنمية موارد الجامعات
  


إعداد:
 د. مازن بن صلاح مطبقاني                    د. زيد بن محمد الرماني          الإستاذ المشارك والباحث                               المستشار الاقتصادي للتسويق والإعلام      
بعمادة البحث العلمي                                   بمعهد البحوث والخدمات الاستشارية

 




1423 /1424 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل:
تعد الجامعات حجر الزاوية بالنسبة للتعليم العالي العربي سواء من حيث الحجم أو النوعية أو القدرة على التقدم وهناك اتجاه لتجميع كل مؤسسات التعليم العالي تحت مظلة الجامعات العربية.
ومن ثم فانه إذا ما أجريت أي دراسة جادة حول التعليم العالي في المنطقة العربية، فينبغي أن تركز على التعليم الجامعي، حيث إن هذا التعليم هو الذي تتركز فيه أهداف التعليم ومغزاه.
فمن خلال الجامعات فقط يتاح التعليم في العالم العربي، كما أنها هي التنظيم الذي يتيح للدارسين الحصول على الشهادات العلمية العليا كالدبلومات في العلوم المختلفة، وكذا شهادات الماجستير والدكتوراه في المجالات الأكاديمية.
إضافة إلى ذلك نجد أن الجامعات العربية، من خلال محاولاتها المستمرة لإقامة معاهد التعليم العالي، ومعاهد للتنمية الاجتماعية، تفضل أن تقيم جامعات، في ضوء الحقيقة التي ترى أن الجامعات لم تعد تقتصر على الدراسات الأكاديمية وحدها، بل إنها تستطيع أن تقدم دراسات أقل من المستوى الجامعي، كما تستطيع أيضا أن تقدم دراسات عليا.
فالجامعات، بحكم مركزها المتميز الذي تحتله في العالم العربي وبحكم ما تتميز به من صفات وخصائص قادرة على تحمل مسؤولياتها.
كما إن الجامعات تتميز إلى جانب ذلك قنوات التعليم العالي ذات التأثير في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية في العالم العربي.
وبصفة عامة يمكن القول إن هناك ثمانية برامج تركز على دور التعليم والتعليم العالي خصوصاً وهي:
1)    المشكلات العالمية والدراسات المستقبلية الخاصة.
2)    التعليم للجميع.
3)    السياسات التعليمية وتطبيقها.
4)    التعليم والتدريب والمجتمع.
5)      العلوم واستخداماتها في التنمية.
6)    مبادئ واستراتيجيات العمل التنموي.
7)    العلوم واستخداماتها في التنمية.
8)    البيئة الإنسانية والموارد البحرية والبيئية ([1])
لذا تنطلق هذه الورقة من ثلاثة افتراضات:  
أولها: أن العالم يتجه إلى مزيد من الترابط والتداخل والتشابك بفعل عدد من التطورات العلمية والتقنية والاتصالية.
 ثانيها: أن الثروة الحقيقية لأي أمة أو مجتمع تكمن في قدرات مواطنيها وفي مستوى إداركهم العلمي وقدراتهم التقنية.
ثالثها: أن أي حديث عن المستقبل لابد أن يحتل التعليم العالي فيه جزءاً أساسياً. فالتعليم العالي هو وسيلة إعداد البشر وتزويدهم بتلك القدرات والمهارات اللازمة لمواجهة تحديات المستقبل ولتشغيل عجلة حياة المجتمع في بيئة تتسم بالتقدم التقني المتسارع، من خلال استثمار تلك القدرات اقتصادياً وتسويق تلك الخبرات إعلامياً.















                                 المبحث الأول: الإعلام والتعليم العالي

يعد التعليم العالي أحد أهم مصادر إعداد الكوادر للعمل في مجالات الإعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة حيث يدرس الإعلاميون في كليات الإعلام أو في كليات العلوم الاجتماعية المختلفة. وبالإضافة إلى العاملين الرسميين في وسائل الإعلام فإن هناك أعداداً كبيرة من المتعاونين مع وسائل الإعلام من الأكاديميين من أساتذة الجامعات أو العلماء والباحثين في شتى مجالات الحياة.
وتستمر الصلة بين التعليم العالي والإعلام في حاجة التعليم العالي لإيصال رسالته التثقيفية والتعليمية والتربوية عبر وسائل الإعلام المختلفة. فالنشاطات العلمية بحاجة إلى وسائل الإعلام للإعلان عنها وترويجها والدعوة إليها. وفي هذا المبحث نتناول إمكانية تفعيل الصلة بين التعليم العالي والإعلام وكذلك ننظر في المجالات التي يمكن أن تكون مجالاً لتطوير التعليم العالي وتنميته من خلال الإعلام. وهذه المجالات تتمثل في الصحافة والإذاعة والتلفاز والكتاب والإنترنت وغيرها من وسائل الإعلام.
ومن الأمور التي سوف يتم التركيز عليها أيضاً ـ في المبحث الثاني ـ مسألة الاستثمار والعائد الاقتصادي من العملية التعليمية التربوية وبخاصة في مجال التعليم العالي. ولعلنا نشير إلى بحث أعده أحد أساتذة جامعة الملك سعود تناول فيه مسألة تقويم العملية التعليمية من منظور كمي حيث يقول:" تداخل الاقتصاد والتربية ظاهرة بدأت منذ بدأ الإنسان يتعلم كيف ينتج وكيف ينظم أمور حياته المعيشية، ثم تطورت هذه الظاهرة ونمت بنمو السكان وتشعب مناحي الحياة"([2]) ويشير فيما بعد إلى ظهور علم جديد هو علم اقتصاديات التعليم، ويذكر من موضوعات هذا العلم:
-       الاستثمار في التعليم
-       دور التربية في محاربة الفقر
-       التربية والتنمية الاقتصادية.
-       الكفاءة في المؤسسات التربوية.
إن ثمة شكوى خطيرة من أن وسائل الإعلام تهدم ما تبنيه المدرسة بالإنتاج التجاري الرديء أو المقصود الإفساد فيه. وهناك من ينصح بتقوية العلاقات بين الإعلام والمؤسسات التربوية حتى يمكن استخدام الإعلام في نشر القيم التربوية الراشدة. ([3])
والحقيقة أننا لو استثمرنا الاستثمار الحقيقي في وسائل الإعلام لكان استثماراً طويل الأمد حيث إننا نسهم في حماية أجيالنا الحالية والقادمة من شرور تفشي الأخلاق السيئة والعادات القبيحة ونحرص على حماية الهوية العربية الإسلامية. كما أننا نصون أموالنا من أن تضيع في أيدي شركات الإعلانات التجارية أو القنوات الفضائية المختلفة.

 

الاستثمار عبر الإعلام المسموع والمرئي:
بعد أن ظهرت القنوات الفضائية والإذاعات التي تستخدم الأقمار الصناعية لإيصال بثها لم تعد ساعات البث تقتصر على ساعات محددة بل امتدت لتصبح على مدار اليوم والليلة. وهذه الساعات الطوال بحاجة إلى برامج تشغل هذا الوقت الطويل. صحيح أن وسائل الإعلام تعتمد على تقديم الجديد في ساعات الذروة من البث ثم تكرر كثيراً من الأخبار والبرامج، ويكون التكرار أحياناً لإتاحة الفرصة للجمهور أن يتعرف إلى الخبر أو الموضوع أو القضية المطروحة للنقاش وأحياناً لأن هذه الوسائل لا تستطيع أن تقدم الجديد دائماً نظراً للتكاليف المادية.
ونظراً لذلك فإن وسائل الإعلام بحاجة إلى جيش من المتعاونين الذين يمكن أن تكون نسبة كبيرة منهم من أساتذة الجامعات. كما أن الجامعات التي لديها أقسام إعلام – وأتعجب أننا ليس لدينا حتى الآن كلية للإعلام في أي جامعة سعودية-يمكنها أن تستخدم تجهيزاتها وخبراتها وقدراتها البشرية والفنية في إنتاج برامج إعلامية يمكن لها أن تسوقها. ومن المعروف أن كثيراً من الجامعات الأمريكية لديها محطات تلفزيون محلية تقدم الكثير من البرامج الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية وحتى برامج الترفيه والتسلية. ويمكن للجامعات أن تنتج برامج معينة يمكن تسويقها لدى القنوات الفضائية كالحوارات مع أساتذة الجامعات حول قضايا فكرية وثقافية وسياسية واقتصادية، كما يمكن أن يكون من البرامج مناظرات معينة حول قضايا تهم المجتمع.
وثمة فكرة قدمها بعض المتخصصين في الإعلام وهي أن الإعلامي ينبغي أن يكون متخصصاً في مجال من المجالات ثم يدرس الإعلام حيث إن الإعلام وإن كان علماً قائماً بذلك لكنه في الوقت نفسه وسيلة تستخدم لحمل رسالة معينة. فما أجمل أن يكون الإعلامي متسلحاً بالمعرفة في مجالات العلوم المختلفة.
فإن كان عدد من أساتذة الجامعات يتعاونون مع وسائل الإعلام المختلفة لأنهم استطاعوا أن يدخلوا إليها فإن الأمر قد يصعب على كثير منهم فلماذا لا تتيح لهم الجامعات الوسيلة من خلال برامج تقوم هي بإنتاجها وعرضها على القنوات الفضائية أو تسويقها.
تسويق الرسائل الجامعية:
ومن البرامج التي تعتمد فيها وسائل الإعلام الحالية على الجامعات مناقشات الرسائل العلمية. فمنذ عشرات السنين والإذاعات تقدم المناقشات حتى إن أحد هذه البرامج يحمل اسم (رسالة على الهواء) .
أما الأمر الثاني فإن الجامعات تستطيع أن تعد برنامجاً سنوياً للمحاضرات تستقطب أساتذة الجامعة البارزين لإلقاء المحاضرات كما تكون فرصة لاكتشاف مواهب جديدة من أعضاء هيئة التدريس بعد أن يتدربوا على إلقاء المحاضرات فتكون مادة غزيرة يمكن تقديمها للقنوات الفضائية فيكون في هذا مصدر دخل متميز للجامعة. ([4])
وثمة ثروة أخرى ما تزال حبيسة الرفوف وهي الندوات التي أقامتها الجامعات على مدى السنوات الماضية، حيث إنه يمكن تسويق أشرطة هذه الندوات بطريقة تدر على الجامعة دخلاً جيداً.

استثمار برامج الانتساب والتعليم عن بعد:

فقد بدأت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية نظام الانتساب منذ سنوات، ولم يتم استخدام التلفاز ولا الإذاعة لإيصال المحاضرات للطلاب المنتسبين الذين لا وسيلة لهم للمعرفة سوى الكتاب وهو أمر يجعل العملية التعليمية ناقصة. والآن بالإمكان نقل المحاضرات عن طريق الإنترنت –إذا استطعنا أن نرفع من مستوى هذه التقنية – وهو ما تقوم به كثير من الجامعات في الغرب. حتى إن كثيراً من الأساتذة يتلقى الواجبات عن طريق الإنترنت ويرسل التصحيح والملاحظات إلى بريد الطالب أو يدخل الطالب إلى موقع الأستاذ بكلمة مرور معينة.
وقد قامت الصين باستخدام الإذاعة والتلفاز في عملية التعليم العالي ففي عام 1989م (1409هـ) أنشأت الصين ثماني وعشرين جامعة إذاعية وتلفازية إقليمية في مختلف أنحاء الصين. وقد أكد هذه الريادة مدير جامعة بريطانية مفتوحة هو روبرت ما كورميك من الجامعة المفتوحة بقوله: "تستطيع الصين أن تفخر لا لكونها تملك إحدى أقدم الجامعات التلفزيونية في العالم فحسب، بل لأن لها كذلك تقليداً عريقاً في التعليم بالمراسلة يرجع إلى بداية هذا القرن. وإذا كان هذا التعليم على الصعيد الجامعي، قد نما وتطور عبر أقسام خاصة مرتبطة بالجامعات، إلاّ أن إقامة الجامعة الإذاعة التلفزيونية المركزية تشكل المحاولة الأولى لإنشاء مؤسسة وطنية للتعليم عن بعد متعدد الوسائط."([5])
ويثير المقال نفسه قضايا مهمة منها إعداد الكوادر المختلفة لشتى مجالات الحياة في الصناعة والتجارة والإدارة، كما أن هذه الوسائل تقدم الوسيلة المناسبة لتحديد معارف ومعلومات نسبة كبيرة من خريجي المدارس العليا والجامعات، ويذكر الكاتب أن هذه الجامعات "أقل كلفة وأقدر على إعداد أكبر عدد من الأشخاص بمدة أقل."
وإذا أرادت الجامعة أن تقوم بتحقيق عوائد مادية مجزية من برامجها فيكون الأمر بالقيام بحملة إعلامية إعلانية عن برامج الانتساب من خلال تسهيل إجراءات القبول وتخفيض الرسوم وتخفيض الشروط المالية، وكذلك الدورة التأهيلية الانتساب وقضية النجاح والرسوب فيها أو تحقيق معدل عال. فنحن بحاجة إلى أكبر عدد من الطلاب المنتسبين، ومهما كانت وجاهة تحقيق نسبة نجاح مرتفعة في الدورة فإن الطالب يمكن أن يتحسن مستواه مع تقدمه في الدراسة، ويشهد بذلك أن طلابنا في المستوى الأول غيرهم في المستوى الرابع أو الخامس أو الثامن. وإذا كان عدد المنتسبين عشرة آلاف فيمكننا أن نجعلهم خمسين ألف مع تخفيض الرسوم وأن تكون عملية مكافأة الأساتذة أسرع وأكثر فاعلية. وحبذا لو تم تدريب الأساتذة على تقديم الأسئلة بغير الأسلوب الإنشائي الذي يستغرق وقتاً طويلاً في التصحيح ما عدا بعض المواد المحددة التي ربما تستلزم هذا الأسلوب.

استثمار النشر الجامعي وتسويقه:

تعد دور النشر الجامعي من كبريات دور النشر في العالم، فهي لم تصل إلى هذا المستوى لو لم يكن لديها خطة اقتصادية وهدف تجاري واضح بالإضافة إلى أهدافها الفكرية والثقافية. ومن أشهر دور النشر العالمية دار جامعة أكسفورد، ودار جامعة كامبريدج وغيرها من الجامعات البريطانية والأمريكية. وهذه الدور لا توزع مجاناً أياً من كتبها ولا تبيعها بأسعار رمزية كما تفعل بعض الجامعات في البلاد العربية والإسلامية. حيث تتكدس الكتب في مستودعات الجامعات حتى تتلف أو تقوم بتوزيعها بدون معايير ثابتة، فتعطى الكتب لمن لا يريدها ولمن لا يقرؤها ولمن لا يطلبها.
وثمة جانب آخر أن الجامعات لديها مطابع فهل راعت الجانب الاقتصادي في هذه المطابع؟ هل حدثتها من ناحية الإدارة البشرية أولاً؟ وهل حدّثت آلاتها وتابعت ما يستجد من تقنية في العالم؟ . إن بعض أعداد من مجلات جامعة من الجامعات تزيد على ثمانمائة صفحة، وتباع هذه في الأسواق بعشرة ريالات؟ فهل العشرة ريالات مجزية لبيع مثل هذا السفر الضخم؟ .
كما يلاحظ البعد عن التفكير الاقتصادي في طباعة بعض الكتب من ناحية الخط وحجم الصفحة فأحد الكتب الذي خرج في خمسمائة صفحة كان من الممكن أن يخرج في مائتي صفحة فقط لو راعينا الجانب الاقتصادي والفني في الإخراج والطباعة. كما أن كتب الجامعات في كثير من الأحيان لا تنافس غيرها من المعروض في السوق من النواحي الفنية والجمالية. فأغلفتها باهتة وليس فيها تصميم ونادراً ما تطبع مجلدة.
إن ما لدى جامعة من الجامعات السعودية من مطبوعات كاف أن يكون مصدر ثروة حقيقية للجامعة لو أحسن استغلاله. ولا بد من ذكر أن جامعة الإمام طبعت مجموعة من كتابات ابن تيمية بتحقيق ذي مستوى رفيع ووزعت معظم نسخ تلك التحقيقات مجاناً مع أنها لو تم بيعها إلى المكتبات الجامعية في العالم العربي والعالم الإسلامي لدرت دخلاً كبيراً على الجامعة، وما هذا إلاّ نموذج واحد.
          وما دمنا في مجال النشر الجامعي فلدى جامعتنا مبنى خاص لمعرض الكتاب وآخر للمؤتمرات وهما لم يستغلا حتى الآن الاستغلال المناسب فكم معرض للكتاب عقد حتى الآن؟ قد لا تزيد على ثلاث أو أربع مرات؟ أما قاعات المؤتمرات والندوات فهل يمكن استغلالها عن طريق عقد مع شركة متخصصة في المعارض والمؤتمرات؟ .
          وبما أن الجامعة تضم كلية للدعوة والإعلام فإن لديها كادراً من الأساتذة والفنيين الذين يستطيعون تقديم دورات تدريبية للصحفيين في مجالات الصحافة المختلفة مثل التحرير الصحفي والإخراج وكتابة المقالة وغيرها. كما أن وزارة الشؤون الإسلامية لديها أعداد كبيرة من الأئمة والخطباء والدعاة الذين يحتاجون إلى تطوير قدراتهم في المجالات الدعوية والإعلامية المختلفة فلماذا لا تقوم الجامعة بإعداد دورات في الخطابة والكتابة الصحفية والفنون الإعلامية المختلفة حتى الإخراج الإذاعي والتلفزيوني. ويمكن أن تقدم مثل هذه الدورات للعاملين في الإذاعة والتلفزيون. وقد يصبح من الممكن مستقبلاً إنشاء محطات إذاعية وتلفزيونية خاصة في بلادنا أو البلاد العربية المجاورة فمن المناسب أن نبدأ من الآن التفكير في تقديم دورات وبرامج تعليمية لإعداد كوادر لهذه الوسائل.
          ويمكننا أن نضيف أن صحيفة مرآة الجامعة التي تصدرها الجامعة تركز في المقام الأول على الجامعة وقضاياها ولكن أليس من الممكن أن يتوسع اهتمام الصحيفة ليشمل المجتمع المحيط بالجامعة وبالتالي يمكن بيعها في بعض نقاط البيع.

تسويق الكتاب الجامعي والرسائل الجامعية:
          يعد الكتاب الجامعي من أهم مسؤوليات دار نشر الجامعة فلا تكاد تدخل جامعة في الولايات المتحدة الأمريكية دون أن تجد أن لديها مكتبة لبيع الكتب المنهجية (الجديدة والمستعملة) وهذه الكتب في غالبها من منشورات دار النشر الخاصة بالجامعة. فهناك مئات المقررات الدراسية التي يقوم الطلاب في الوقت الحالي بتصوير أجزاء من كتب كمقررات. فلو بدأت الجامعات بتكليف عدد من الأساتذة لتأليف كتب منهجية وتقوم بتحكيم هذه الكتب أو تقوم بنشرها إما على حساب الجامعة أو على حساب الأستاذ –ليكون له الدخل كمساعدة من الجامعة-وبالتالي نقضي تدريجياً على سرقة حقوق المؤلفين ونوفر كتباً منهجية للمواد الدراسية في الجامعة وهذه العملية لا شك ستدر دخلاً طيباً على الجامعات.
فلقد قامت في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا شركة منذ عشرات السنين تقوم بتسويق الرسائل الجامعية حيث يوقع الطالب بمجرد انتهاء المناقشة وإقرار النتيجة على تنازل لشركة ميكروفيلم الجامعية العالمية مقابل نسبة معينة. وتصبح الرسالة من حق تلك الجهة تقوم بنسخها على ميكروفيلم أو نسخة ورقية أو على أسطوانات مدمجة.
وإذا أردنا أن نفيد من هذه الرسائل فلا بد أن نقوم أولاً بطباعة دليل لملخصات الرسائل جميعها ونشرها على شبكة الإنترنت ثم نحدد سعراً معيناً لبيع الرسالة في أي صيغة معينة.
وليست عملية تسويق هذه الرسائل بالأمر الصعب فقد وجدت الكثير من الشركات التي تسوق الكتب والمطبوعات من خلال الشبكة وذلك بالاتفاق مع الشركات المصرفية والبنوك على أن يكون للجامعة حساب خاص بالبيع عن طريق الإنترنت، وبالتالي يتم تسويق هذه الرسائل وحتى مطبوعات الجامعة المختلفة.
ومما يحمد لمعهد البحوث والخدمات الاستشارية بجامعة الإمام مشروعه الرائد لطباعة وإعادة طباعة ونشر الكتب والأبحاث والرسائل الجامعية. فهذا المشروع يعد خطوة جادة في سبيل استثمار مطبوعات الجامعة وتسويق نتاج أعضاء هيئة التدريس بها.

                               المبحث الثاني: الاستثمار في التعليم العالي

-         الاستثمار في مجال التعليم الجامعي:
إن الموارد الطبيعية ورأس المال المادي والعمالة غير المدربة عوامل ليست كافية لتنمية اقتصاد حديث ذي إنتاجية عالية إذ ينبغي توافر كم كبير من القدرات المهارية البشرية حيث تستغل وقوداً في إحداث عملية التنمية، ومن دونها فإن توقعات المستقبل الاقتصادي تبدو كئيبة.
وعلاوة على ذلك فإن خدمات التعليم العالي –في ظل فرص التحديث الحالية– هي الأخرى أمر ضروري، فلكي تستفيد من التقدم في مجال العلوم –أينما كانت في أي مكان في العالم– ومن تقنية الإنتاج الجديد التي هي وليدة هذا التقدم، فإن الدولة مطالبة بتوفير كوادر من العلماء والفنيين المتخصصين، ولا شك أنها وظيفة رئيسية أن يقوم التعليم العالي بتخريج علماء متخصصين وفنيين مهرة.
إن الإنجازات التعليمية التي حققتها الدول النامية تعد إسهاماً رئيساً في مجال تنميتها، ويتضح أن نفقات التعليم ذات قيمة مرتفعة، وهذا الحكم مستمد من طلب الآباء والطلاب لمزيد من التعليم. ونفقات التعليم في الدول النامية وتوزيع الفرص التعليمية على السكان حسب الأعمار لها آثار مميزة وواضحة ([6]).
ثم إن التعليم الجامعي في مضمونه ليس عملية استهلاك خالصة، بمعنى أنها لا تكتسب أهميتها من مجرد الحضور في مراحل الدراسة لإشباع الذات فالنفقات العامة والخاصة توجه إليه من أجل اكتساب عائد إنتاجي يتجسد في الأشخاص الذين سوف يأخذون على عاتقهم تقديم الخدمات في المستقبل. والعملية التعليمية هي استثمار في تنمية قدرات البشر. وهكذا يدعم التعليم قدرة الأفراد في مجال تنفيذ المشروعات والإدارة ودراسات الإنتاجية.
وعليه، فإنه كلما كان التعليم الجامعي استثماراً ذا عوائد ومكاسب مستقبلية فإنه من الخطأ الجسيم أن نعتبر نفقات التعليم استهلاكاً فورياً، فالتعليم ليس كالطعام، كما أن التعليم ليس نفقات للرفاهية، وليس عبئاً على الدولة واستخداماً لمواردها أو استنزافاً لمدخرات كان من الممكن استخدامها في أغراض استثمارية أخرى. إن نفقات التعليم جزء من الدخل الوطني في معظم الدول.
ولقد شهد النصف الثاني من القرن الماضي اهتماماً متزايداً بالتعليم الجامعي كعامل فعال وحاسم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. ومن العوامل التي أسهمت في زيادة هذا الاهتمام نزوع علماء الاقتصاد والتعليم إلى قياس العائد الاقتصادي والاجتماعي للتعليم قياساً كمياً بعد أن تناوله هؤلاء في أزمنة سابقة في كتاباتهم تناولاً أكاديمياً بحتاً. ([7])
ومما لا شك فيه أن الجامعات أصبحت تواجه مسؤولية القيام بدور جديد في عالم اليوم، عالم ثورة صناعية لم يشهدها العالم من قبل وهي مستندة على تقدم علمي يصحبه تطور تقني يسير بذات السرعة، وكلا الأساسين يحددان مدى النمو الاقتصادي والاجتماعي الذي تبلغه المجتمعات.
وإذا كان التعليم الجامعي يتعامل أساسا مع الشباب، فإننا سنعي أن أي محاولة لتطوير التعليم الجامعي في عالم اليوم، ينبغي أن تسند سياسة التعليم العالي القائمة على فهم هذا الشباب والتعرف على احتياجاته وآماله.
إن هذا المفهوم لماهية ما ينبغي أن تكون عليه سياسة التعليم العالي في عالم اليوم بكل ما فيه من متغيرات هو بالتأكيد من أكبر العوامل التي يمكن أن تحمي المجتمعات من خطرين هما: سوق الإعداد (العمل)، وصراع الأجيال.
     ويبقى دور الإعلام بوسائله المختلفة واضحاً في تدعيم سياسات التعليم العالي وتفعيل خططه التطويرية، من خلال إعداد برامج موجهة لقطاعات المجتمع كافة لتنويرها بالمساهمات العلمية والاجتماعية والاقتصادية للجامعات ومؤسسات التعليم العالي، والجهود البحثية والأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس.
إن الدول العربية اليوم أحوج ما تكون إلى مراجعة سياسات التعليم العالي بها وهي تواجه الكثير من التحديات الداخلية والخارجية، كما أنها في حاجة إلي أن يكون تعليماً إعداداً للحياة في القرن الحالي، عليها ألا تقدم لأبنائها الذين سيعيشون في هذا القرن تعليماً على نمط التعليم السائد الآن، أو الذي كان موجوداً في الماضي القريب.
ذلك لأن المعلومات والمهارات اللازمة لمواجهة الغد تختلف بالضرورة عما يصلح للحياة في القرن الماضي، ولذلك يتحتم عليها أن تعيد النظر في سياسات التعليم العالي بما يمكنها من مواجهة عدد من المشكلات، من أهمها: ([8])
1)    زيادة الإقبال على التعليم العالي في العصر الحاضر بشكل مطرد وسريع وقصور المؤسسات في النظم الحالية عن استيعاب هذه الزيادة، حيث أخذت الأجيال الصاعدة تدق أبواب الجامعات في أعداد مزايدة، للأسباب التالية:
                             ‌أ-            زيادة عدد السكان بشكل مطرد.
                        ‌ب-            عدم زيادة الجامعات والمؤسسات العلمية والعالية بنفس نسبة الزيادة السكانية.
                          ‌ج-             زيادة الهجرة من الريف إلى المدن، مما يسمى الاستقطاب الحضري.
                            ‌د-             ارتفاع مستوى المعيشة.
2) ضيق فرص التعليم العالي أمام بعض الفئات في الوقت الراهن من سكان الريف والبادية والنساء والفقراء. . . الخ.
3) العجز الشديد في أعضاء هيئة التدريس.
4) ارتفاع تكلفة التعليم ونقص مصادر التمويل التقليدية.
وهكذا تنوعت مشكلات وقضايا التعليم الجامعي المعاصر نتيجة للتطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتقنية التي ظهرت في المجتمع الحديث، وجاءت كثير من مشكلات التعليم الجامعي لتعبر بوضوح عن نوعية العقبات الفعلية التي تواجه هذا النوع من التعليم في الوقت الحاضر.
كما لا يقتصر نوعية المشكلات التي تواجه الجامعات على الدول العربية والنامية فقط أو الدول المتقدمة بقدر ما تتشابه العديد من عناصر هذه المشكلات ونتائجها ومظاهرها على تأدية الوظائف الأساسية للجامعات في جميع دول العالم. 
إن هناك أموراً أساسية لابد من مراعاتها لإحداث سياسة للتعليم العالي تتفق مع أهداف المستقبل، من أهمها:
أولاً: التخطيط الشامل للتعليم العالي: ويتحقق ذلك من خلال:
      ‌أ)     العناية بالمعاهد العليا في مجالات التعليم الفني والتقني والتدريب، وذلك لإقامة مجتمع منتج ولتحقيق التنمية الاقتصادية.
    ‌ب)  التأكيد على التوسع الكيفي في الجامعات بدلاً من التوسع الكمي، ذلك لأن تركيز الإنفاق على الكيف يدر عائداً أكبر من الإنفاق على الكم.
    ‌ج)    توزيع مؤسسات التعليم العالي على المناطق المحلية دون تركيزها في المدن الكبرى.
     ‌د)    إنشاء قنوات اتصال قوية بين الجامعات ووسائل الإعلام ومواقع العمل ومراكز الإنتاج.
ثانياً: تنويع أنماط الجامعات: حيث ينبغي العدول عن النمط التقليدي الموجه للجامعات، فهو يهدد التعليم الجامعي بالجمود، ولذلك لابد من أن تنظر الجامعة من خلال علاقتها بقضايا التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وذلك من خلال مراعاة تحقيق الآتي:
أ‌)       إقامة جامعات نوعية تتميز في مجالات معينة من التخصص لخدمة نشاطات استراتيجية في مجالات التنمية الشاملة، مثل إيجاد جامعة تتميز بالتنمية الزراعية، وأخرى بالتنمية الصناعية.
ب‌)  العمل على إنشاء كليات متخصصة داخل الجامعة تتولى تمويلها مؤسسات الإنتاج المرتبطة بمجالات عملها، لتوفير التمويل الجيد وإمكان إعداد الطلاب عملياً.
ثالثاً: تطوير أنظمة الدراسة بحيث تحقق أهداف سياسات التعليم العالي، من خلال:
أ‌)       تطوير مناهج التعليم العالي ليتفق مع حاجات المجتمع في ضوء المتغيرات.
ب‌)   تنظيم الدراسة على نحو يغرس في الطالب القدرة على الاعتماد على النفس واختيار ما يتوافق مع ميوله وقدراته.










الاستثمار في مجا ل البحث العلمي:
يعد البحث العلمي ركيزة أساسية من ركائز المعرفة الإنسانية في كافة ميادين الحياة، بل أضحى أحد مقاييس الرقي والحضارة في العالم، فمن خلال البحث العلمي يستطيع الإنسان اكتشاف المجهول وتسخيره لصالح المجتمع بما يحقق التنمية والازدهار في كافة مجالات الحياة. وبفضل البحث العلمي يمكن امتلاك التقنية والمعرفة باعتبارهما الأداة الفاعلة لتحقيق الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة من أجل تحقيق التنمية والتقدم.
ولئن كان البحث العلمي يشكل عنصراً مهماً وشرطاً ضرورياً لتقدم أي مجتمع فإن الحاجة له تبدو أكثر إلحاحاً في عالمنا الإسلامي سيما مع التقدم الهائل للعلوم والتقنية الذي يشهده العالم المعاصر مما يحتم على الدول الإسلامية مزيداً من الاهتمام بالبحث العلمي وتطوير آلياته في ظل الحاجات المتزايدة للتنمية في عصر المعلوماتية والاتصالات.
ومن هنا فقد أولى العديد من الباحثين عملية تقييم البحث العلمي وواقعه اهتماماً واسعاً، انطلاقا من أن البحث العلمي يلعب دوراً أساسياً في تقدم المجتمعات وتطورها، واعتبار الاهتمام به أحد المقاييس الأساسية التي تقاس بها حضارة الشعوب.
إن البحث العلمي يشكل العمود الفقري للجامعات ومؤسسات التعليم العالي، ولهذا خصصت الجامعات العربية مراكز أبحاث متميزة ووضعت في تنظيماتها الإدارية هيئات إدارية متخصصة في تنظيم شؤون البحث العلمي وتنسيقه ومتابعة تطويره ودعمه وذلك من خلال إنشاء العمادات والمعاهد المتخصصة لإدارة شؤون البحث العلمي. ([9])
كما يعتبر البحث العلمي مرتكزاً أساسياً لأي تنمية في العالم العربي اقتصادية واجتماعية وبشرية وتقنية. وعليه يتوقف تطوير المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ولذلك فالعالم العربي يمكنه الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مجال البحث العلمي والتقدم التقني، تلك الدول التي اعتمدت إلى حد كبير على إمكاناتها الذاتية، دون الوقوع في التبعية العلمية والتقنية للدول المتقدمة تقنياً.([10])
لذا فإنه يمكن القول إن أهم مشكلات البحث العلمي في العالم العربي تتمثل في:
1)    تدني مستوى الإنفاق على البحث العلمي.
2)    نقص التجهيزات العلمية والتقنية.
3)    نقص الفنيين والمتخصصين في التقنيات الحديثة.
4)    غياب المؤلفات والمراجع الضرورية لعمل الباحث.
5)    غياب سياسات واضحة للبحث العلمي.
وعليه، صنف أحد الباحثين ([11]) أبرز المشاكل التي تجابه استخدام مناهج البحث العلمي في الدول النامية، في الآتي:
‌أ.       نقص كميات ونوعيات المعلومات المطلوبة، بما يؤدي الى ارتكاب أخطاء في تشخيص المشكلة البحثية، وقد يؤدي ذلك بدوره الى أخطاء في المعالجات المقترحة التي قد يأتي بها البحث.
‌ب.  النسب العالية من المعلومات المتقادمة، التي يمكن أن تقود الى تضليل الباحثين وبالتالي الحيلولة بينهم وبين حل المشكلات.
‌ج.    نقص الإمكانات المادية والتقنية في الأجهزة الإدارية للدول النامية، الذي يعتبر معوقاً إضافياً لعمليات البحث العلمي.
ومن ثم يمكن تملس حالة البحث العلمي ومعوقاته من خلال المحاور التالية:
أولاً: المعلومات: حيث تتصف المعلومات في الغالب بعدم الدقة وبالقدم وبعدم توافر معلومات كافية لدى المؤسسات موضع البحث.
ثانياً: المنهج البحثي المتبع: فلقد تميزت غالبية أبحاث الدول النامية بالبعد عن المنهج العلمي، فاعتمدت المنهج التقليدي الوصفي البعيد أحياناً عن القواعد العلمية.
ثالثاً: الباحثون: حيث لا توجد محفزات مادية أو معنوية لتشجيع الباحث على إجراء البحث.
رابعاً: الإدارة: إذ يواجه الباحث بعدم ثقة الإدارة بقيمة البحث العلمي واللجوء لوسائل تقليدية في حل المشكلات.
خامساً: القارئ: ذلك أن طبيعة البحوث العلمية تتصف بمحدودية قرائها، لان تخصص موضوعاتها قلل من اهتمامات الكثير من القراء بالأبحاث.
سادساً: الناشرون: ويتمثل ذلك في ضعف رغبة الناشرين في نشر الأبحاث العلمية لقلة مردودها المادي.
إن الإحصاءات الرقمية خير مرشد في دراسة واقع البحث العلمي في العالم العربي، ولكن قبل ذلك لا بد من الاشارة إلى أن هناك جهوداً حثيثة تبذل في سبيل نشر الوعي المعرفي واستثمار البحث العلمي وتطويره بما يخدم ويحقق أهداف التنمية الشاملة في العالم العربي، فقد زاد عدد الجامعات العربية من 19 جامعة عام 1960م إلى ما يزيد عن 189 جامعه عام 1999م كما أن عدد مؤسسات العلوم والثقافة ارتفع من 102  مؤسسة عام 1960م إلى 1285 مؤسسة عام 1996م.([12])
ويوضح الجدول التالي نسبة الانفاق على البحث والتطوير إلى الناتج المحلي الإجمالي في الدول المتقدمة والدول العربية، كما تشير إلى ذلك إحصاءات اليونسكو منتصف التسعينات.

نسبة الانفاق على البحث والتطوير إلى الناتج المحلي الإجمالي :
البلد

النسبة المئوية

اليابان
3.5
ألمانيا
2.8
أمريكا
2.8
مصر
0.34
الأردن
0.28
السعودية
0.11

يتضح من الجدول تدني نسبة الانفاق على البحث والتطوير في البلدان العربية، حيث يبلغ متوسطها 0.16% إذا ما قورنت بنظيراتها في الدول المتقدمة التي تنفق المبالغ الكبيرة على البحث والتطوير ويبلغ متوسطها 2.8%.
ومن الأرقام التي تعكس أحد أوجه التحدي التي تواجه البحث العلمي في البلدان العربية، تلك التي نشرتها إحصاءات اليونسكو منتصف التسعينات حول نتائج استطلاع نسبة عدد الباحثين إلى عدد السكان والتي يلخصها الجدول التالي:

عدد الباحثين لكل 1000 مواطن

البلد
العدد لكل 1000 مواطن
اليابان
9
ألمانيا
6
أمريكا
6.9
مصر
0.50
الأردن
0.38
السعودية
0.15

وعلى الرغم من تنوع المشكلات التي يواجهها البحث العلمي في العالم العربي وتعدد مصادرها، إلا أن مزيداً من الجهد والتنسيق والتعاون يمكن أن تخفف حدة تلك المشكلات، وذلك من خلال:
1.    توفير الدعم المادي اللازم وذلك من خلال تخصيص مبالغ كافية في موازنة الدولة والجامعات والأجهزة البحثية لدعم الأبحاث العلمية وإجراء الدراسات الجادة.
2.    التعاون والتنسيق بين أجهزة البحث العلمي المختلفة داخل الدولة ذاتها وبين البلدان العربية لإجراء البحوث والدراسات ذات البعد التنموي التطبيقي.
3.    إنشاء قواعد بيانات لمؤسسات البحث العلمي تتضمن كافة المعلومات ذات العلاقة بالبحث العلمي لتسهيل رجوع الباحث إليها والإفادة منها.
4.    تطبيق مبادئ الجدارة والجودة في تقويم إنتاجية الباحثين وتقديم حوافز مادية ومعنوية مجزية لذوي الكفاءة والتمييز.
5.    تشجيع إصدار المطبوعات العلمية التي تعمل على تقديم أحدث الاكتشافات العلمية والاختراعات الجديدة ونتاج الجهود البحثية العلمية حتى يكون هناك متابعة للمستجدات العلمية والتقنية.
6.    العمل بمنهجية بحثية تعتمد على التخطيط بأسلوب علمي لتلبية الاحتياجات الفعلية للمجتمع.
7.    توظيف نتاج البحث العلمي في دعم حركة التنمية الشاملة باختيار ما يتلاءم وحاجات المجتمع المتعددة.
8.    تسويق الجهد البحثي كوسيلة فاعلة لبلوغ أهداف المجتمع والاستجابة لحاجاته المتغيرة، بما في ذلك الرسائل الجامعية من خلال برامج إعلامية مناسبة.
9.    تنشيط وتفعيل اللقاءات العلمية من خلال عقد المؤتمرات والندوات العلمية ليتم من خلالها تناول الآراء والخبرات بين الباحثين والعلماء العرب، ونقل ذلك عبر التليفزيونات العربية والقنوات الفضائية.
10.     تشجيع المبدعين وتوثيق الإبداعات البحثية وتحسين الأحوال المعيشية ووضع الحوافز المناسبة للباحثين، للحد من هجرتهم نحو البلدان الغربية المتقدمة.
ويبقى الأمل معقوداً بشباب أمتنا وباحثيها لتحقيق الدور الفاعل للبحث العلمي في توفير الأسس العلمية لتحقيق النهضة الشاملة في مجالاتها المختلفة وربط البحث العلمي باحتياجات المجتمع بما يحقق متطلبات التنمية الشاملة على أسس علمية مدروسة قادرة على مواجهة تحديات الألفية الثالثة.

التوقعات والإمكانات والمستقبليات:
على ما يبدو فإن التعليم العالي لا يرضي التوقعات. فمن الانتقادات السائدة أن التعليم العالي في الدول النامية غير مرتبط بالاحتياجات الاجتماعية لهذه الدول، ومن هذه الانتقادات أيضاً أن التعليم العالي يزيد من الفروق الاجتماعية في هذه الدول. كما أن التعليم العالي يعتبر المسؤول عن الهجرات من الريف، كذلك فإن إنتشار البطالة من خريجي الجامعات ومؤسسات التعليم العالي جزء من هذه الاتهامات والانتقادات.
ومن خلال وجهات النظر تلك فإن النقاد ينتهون إلى أنه ليس من الحقيقة أن نقول إن التعليم العالي والبحث الجامعي المنظم في الدول النامية قد أصبحت له جذوره.
إن المساعي من أجل تحقيق التوقعات المعقودة على التعليم التي تتجاوز الإمكانات تسببت في سوء توجيه الموارد، لذا فإن الاعتراف بحدود الممكن هو أمر ضروري في أي تحليل للتوقعات، ومثل هذا التحليل يمكن تطبيقه بالتساوي على إنتاج الشركات والمنازل والصناعات، فأينما تنتج البضائع والخدمات فإن إمكانات الإنتاج دائماً تكون مقيدة بالموارد المتاحة وبقدرات البشر وبتنظيم أنشطة الإنتاج.
وفق ذلك فإن التوقعات في حالة التعليم العالي تبدو في الواقع غير مقيدة عندما ينظر المرء إلى بيانات عدد من النقاد. فمن الواضح أن التعليم العالي في أي مجتمع ليس نشاطاً حراً بل العكس فهو نشاط اقتصادي له تكاليفه.
وكذلك فإن الموارد المحدودة التي تخصص لدعم الجامعات ومؤسسات التعليم العالي وللخدمات التي توفرها ذات قيمة عالية، ونفقات التعليم العالي يمكن تقديرها بسهولة أكثر من استطاعتنا تقدير عوائدها التي تظهر في صورة خدمات.
حيث تقدم مؤسسات التعليم العالي كثيراً من الخدمات للمجتمع من بينها تدريب الموارد البشرية والبحث العلمي ونشر الثقافة وغير ذلك من الخدمات، وهي خدمات تعد في مجموعها جزءاً من مجموع الخدمات أو السلع التي ينتجها المجتمع.
وعلى الرغم من أن النفقات تمثل جانباً واحداً فقط من التعليم العالي فإن نتائج ذات قيمة يمكن أن يستدل عليها من خلال هذه النفقات التي تعد أمراً مهماً في معرفة حجم المخصصات من الموارد لأنشطة التعليم.
إن تأسيس الجامعات ومؤسسات التعليم العالي وتنظيمها وإدارتها الداخلية مسائل مهمة. وإن تخصيص الإسهامات المادية العامة لمؤسسات التعليم العالي يتطلب بصورة محتمة تحديد مسؤولية استخدامات هذه المخصصات المادية.
وغير خافٍ أن بطاقة الثمن في التعليم العالي لا شك أنها لن ترضي أحداً وتثمينه أو تسعيره سوف ينظر إليه على أنه انغماس في مذاق سيئ، ووضعه في مكان أشبه بمزاد يخصص فقط للممتلكات والسلع، علاوة على استياء الدارسين الأكاديميين من أن يكونوا مسعرين.
إن النقاد ينظرون إلى التوقعات والآمال المعقودة على التعليم العالي كأشياء لا سعر لها، ومع ذلك فإن الموارد ستكون دائماً نادرة، ولهذا السبب الجوهري فإن الأسعار مسألة محتمة بغض النظر عن الكيفية التي ينظم بها المجتمع.
إن فكرة إعداد الانسان للتغيير والتهيؤ النفسي له ينبغي أن تكون القيمة الأساسية في التعليم، فالتكيف مع التغير لم يعد كافياً من وجهة نظر بعض الباحثين ([13]) وإنما الأهم هو توقع التغيير والاستعداد له والتأثير عليه. إن الثورة العلمية والتقنية بما تتضمنه من انفجار معرفي ومعلوماتي تفرض على المهتمين بالنظم التعليمية الاهتمام بالقضايا الرئيسية التالية:
1)    التأكيد على مفهوم التعليم الشامل بما يتضمنه من تزواج التخصصات وإعادة تنظيم الجامعات ومراكز البحوث ومعاهد الاستشارات العلمية بما يسمح هذا التزاوج في وقت يسير، ويدخل في هذا إنشاء وحدات بحثية لا تنتمي إلى مجال معرفي بعينه وإنما تسعى لحل مشكلات بذاتها.
2)    الاستفادة من التقنية الحديثة في العملية التعليمية والتفكير في النتائج الفكرية التي تطرحها.
3)    النظر في العلاقة بين نظام التعليم الرسمي (المدارس والجامعات) وأدوات التعليم الأخرى، ففي إطار الثورة التقنية يصبح الإعلام بمثابة مدرسة موازية ويزداد دوره في العملية التعليمية.
4)    إقامة مراكز التميز Centers Of Excellence، ويقصد بها إقامة وحدات بحثية على مستوى عالٍ قادرة على متابعة التطور التقني واستيعاب نتائجه.
5)    التأكيد على دور وسائل الاعلام المختلفة مقروءة ومسموعة ومرئية نحو تسويق قدرات وخبرات أساتذة الجامعات.






















توصيات:

  1-            على الجامعات وجميع مؤسسات التعليم العالي أن تمارس مسؤولياتها باعتبارها أهم أدوات المجتمع التي يحتاجها لتحقيق أقصى قدر من التنمية الشاملة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على النطاق المحلي والإقليمي والدولي.
  2-            ينبغي أن تكون تلك الجامعات ومؤسسات التعليم العالي قادرة على التصدي للمشكلات العالمية بصفة عامة، من خلال مساهمتها الإيجابية في مجالات العلم والتقنية لصالح البشرية.
  3-            على الجامعات أن تشجع التضامن الانسان والتعاون بين كل المواطنين في كافة أنحاء العالم، واضعة في اعتبارها المواقف المتغيرة لمختلف الأفراد والتأثيرات الإعلامية والاتصالية الجديدة.
  4-            على الجامعات أن تُعدّ البرامج اللازمة لتوفير فرص متساوية في التعليم، وبهذا المفهوم يكون للدراسات العليا وللبحث العلمي الأولوية في البلدان النامية.
  5-            ينبغي أن يوجه التعليم العالي بالأسلوب الذي يتحقق للدول من خلاله الاعتماد وعلى النفس في مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ولهذا ينبغي أن تكون البرامج الجامعية وثيقة الصلة بحاجات المجتمع.
  6-            لابد من توجيه البحث العلمي نحو ما يؤكد الحاجات الوطنية في التنمية وتسويق ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة.
  7-            حبذا زيادة التعاون بين الدول وبين الجامعات المختلفة في مجالات البحث العلمي.
  8-            ينبغي الالتزام باستراتيجيات جديدة في التعلم والتعليم وهي استراتيجيات تجعل الطلاب أشخاصاً مثقفين قابلين لتلقي الثقافة أكثر من كونهم مجرد متعلمين، وهذا أسلوب يوفر قدراً كبيراً من الاعتماد على النفس.
  9-            لا بد أن تحظى علوم الاقتصاد والإدارة بقدر كبير من التأكيد والتركيز خلال البرامج التدريبية التي تقدمها الجامعات ومؤسسات التعليم العالي.
10-            ينبغي أن تنتهج الجامعات ومؤسسات التعليم العالي نهجاً يكفل انتشار تلك المفاهيم والأساسيات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


المصادر والمراجع

1-      أنمار الكيلاني ـ "التقويم الاقتصادي للتعليم وأهميته في اتخاذ القرار الإداري التربوي"، مجلة جامعة الملك سعود، العلوم التربوية والدراسات الإسلامية، م7 ، ع2 ، الرياض ، 1415هـ .
2-      بيكاس سانيال ـ التعليم العالي النظام الدولي الجديد، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، 1407هـ.
3-      تحقيق " التعليم والإعلام " ـ مجلة المعرفة، ع28، الرياض، رجب 1418هـ.
4-      تيودور شولتز ـ قيمة التعليم العالي في الدول ذات الدخول المنخفضة ـ رؤية اقتصادية، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض ،1407هـ.
5-      حواس سلمان محمود ـ "واقع البحث العلمي في العالم العربي"، المجلة الثقافية، الجامعة الأردنية، عمان ع46، 1999م.
6-      عاصم محمد الأعرجي ـ الوجيز في مناهج البحث العلمي، دار الفكر، عمان، 1995م.
7-      عبد الرحيم الحنيطي ـ "واقع البحث العلمي وآفاقه في العلوم الأساسية"، ورقة عمل مقدمة للملتقى العلمي الثالث للفائزين بجوائز عبد الحميد شومان للباحثين العرب الشبان لعام 1998م، الأردن، نوفمبر 1999م.
8-      على الدين هلال ـ مستقبل النظام العالمي وتجارب تطوير التعليم، منتدى الفكر العربي، عمان، 1989م.
9-      كيرتر ستيفن ـ دور الجامعة في عالم متغير، ترجمة د. عبد العزيز سليمان، دار نهضة مصر، القاهرة، 1975م.
10-      محمد مصطفى حبشي ـ "سياسات التعليم العالي: إدارة وتمويل"، ورقة عمل مقدمة للدورة الثالثة والثلاثين لمجلس اتحاد الجامعات العربية، الجامعة اللبنانية، بيروت، 2000م.
11-      وانغ يي ـ شان ـ "التعليم الجامعي بواسطة الراديو والتلفزيون في الصين"، مستقبليات، م 14، ع1، بيروت، 1984م.





[1]  - بيكاس سانيال ـ التعليم العالي والنظام الدولي الجديد مكتب التربية العربي لدول الخليج ـ ، الرياض،1407ه ص33
(1) -أنمار الكيلاني. " التقويم الاقتصادي للتعليم وأهميته في اتخاذ القرار الإداري التربوي" في مجلة جامعة الملك سعود – العلوم التربوية والدراسات الإسلامية، م 7، ع 2، 1415هـ/1995م، ص ص 381-400
1)" التعليم والإعلام" تحقيق في مجلة المعرفة ، العدد 28 ، رجب 1418هـ ص ص 52-66.
[4] - مما يحمد لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ما قام به من عقد اتفاقية مع قناة المجد على قيام القناة بتقديم أجزاء من المحاضرات والندوات التي قدمها المركز على مدى أكثر من عشرين سنة لقاء مبلغ مالي معين، بل نص الاتفاق على النشاطات المستقبلية للمركز.
1- وانغ يي –شان، "التعليم الجامعي بواسطة الراديو والتلفزيون في الصين." في مستقبليات، م 14‘ع 1، 1984 ص ص 163-171.
[6]  - تيودور شولتز ـ قيمة التعليم العالي في الدول ذات الدخول المنخفضة  رؤية اقتصادية ، مكتب التربية العربي لدول الخليج ، الرياض ، 1407 ، ص 106
[7]  - كيرتر ستيفن ـ دور الجامعة في عالم متغير ، ترجمة د. عبد العزيز سليمان دار نهضة مصر ، القاهرة ، 1957م ، ص 3-4
[8] - د.محمد مصطفى حبشي ـ "سياسات التعليم العالي إدارة وتمويل" ، ورقة عمل مقدمة للدورة الثالثة مقدمة للدورة الثالثة والثلاثين لمجلس اتحاد الجامعات العربية الجامعة اللبنانية ، بيروت ، 200م ، ص1-2.
[9] - عبد الرحيم الحنيطي ـ واقع البحث العلمي وآفاقه في العلوم الأساسية ، ورقة عمل مقدمة للملتقى العلمي الثالث للفائزين بجوائز عبد الحميد شومان للباحثين العرب الشبان لعام 1998م ، الأردن ، نوفمبر 1999م ، ص2.
[10] - حواس سلمان محمود ـ واقع البحث العلمي في العالم العربي ، المجلة الثقافية ، الجامعة الأردينة ، عمان ، العدد السادس والأربعون ، 1999م ، ص21.
[11] - عاصم محمد الأعرجي ـ الوجيز في مناهج البحث العلمي ـ دار الفكر ، عمان ، 1995م ، ص175.
[12] - د.وليد زكريا صيام ـ "واقع البحث العلمي وآفاقه المستقبلية في العالم" ـ بحث مقدم لمؤتمر إدارة وتمويل التعليم العالي ، الجامعة اللبنانية، بيروت ، خلال الفترة 17-19 إبريل 2000م ص ص 12-14.

[13] - د.علي الدين هلال ـ مستقبل النظام العالمي وتجارب تطوير التعليم ـ منتدى الفكر العربي ، عمان ، 1989م ، ص ص 24-323.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية