التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل نـتعلم الشفافية والأمانة من سائق الحافلة الصيني؟


كنت قبل أيام ضمن وفد إلى الصين الوطنية في ضيافة وزارة الخارجية الصينية أو التايوانية، وكانت تنقلاتنا تتم بواسطة حافلة، وكان الجو حاراً نسبياً مع ارتفاع في درجات الرطوبة، فطلبنا ذات مرة من السائق أن يدير محرك السيارة ويشغل التكييف قبل موعد انطلاق الحافلة في مشاويرنا المختلفة. وكان يستجيب لنا ولكن قبل أن يبدأ المشوار بخمس دقائق فقط. وذات مرة خرجت إلى الحافلة قبل الموعد بأكثر من خمس دقائق فوجدت السائق يجلس في الحافلة فاتحاً النوافذ ومحرك الحافلة لا يعمل، فسألته وما السر في ذلك؟ فقال لا أستطيع أن أجلس في السيارة والمكيف يعمل أكثر من خمس دقائق، ولو رآني أحد المواطنين أو الصحفيين لالتقط صورة للحافلة وأنا بداخلها ونشرها في الصحف ليعلن أن موظفي الدولة يستغلون أموال الدولة أو يرفّهون أنفسهم على حساب دافع الضرائب. ولذلك لا أستطيع أن أشغل التكييف قبل أكثر من خمس دقائق من انطلاق المشوار.
تعجبت من هذه الأمانة وهذه الشفافية لدى سائق الحافلة في الصين الوطنية، هو بلا شك يخاف من عيون الرقباء وعقوبة الإدارة التي يعمل بها، وليست القضية قضية ضمير وإن كنت لا أستبعد ذلك ولكن مبررات السائق كانت واضحة. وكم مرة أمر من جوار بعض أسواقنا فأجد السيارات محركاتها تعمل وقد اتخذها السائقون أو أبناؤنا المدللون غرف نوم متنقلة، فقد يعمل المحرك والمكيف نصف ساعة أو ساعة أو أكثر، وهذا كما يقع من أصحاب السيارات الخاصة بسياراتهم أو سيارات مكفوليهم أو يحدث في سيارات الحكومة.
وقد تخيلت مرآب سيارات إحدى الإدارات الحكومية ولنقل على سبيل المثال الشرطة أو المرور فإنك ستجد مئات بل ربما آلاف السيارات وقد أصبحت خردة قبل أن تكمل عامها الثالث أو الرابع، ولم أسمع مطلقاً مزاداً لبيع سيارات الحكومة أو الإدارات الحكومية المختلفة وربما كان السبب أن هذه السيارات تصبح لا قيمة لها في خلال فترة وجيزة، بل علمت أن بعض الجهات الحكومية تحيل بعض سياراتها إلى التشليح في وقت قصير لتصبح مصدراً لقطع الغيار بدلاً من شراء تلك القطع من السوق.
فإذا كان هذا ما يفعله سائق الحافلة التايواني فكيف يفعل غيره من موظفي الحكومة أو القطاع العام في مواقع أخرى. جميل أن نتلقى الدرس من سائق الحافلة الصيني التايواني ولكننا في الوقت نفسه نعلم أن تاريخنا الإداري حافل بالنماذج الرائعة في المحافظة على الأمانة والشفافية. وأول قصة ترد إلى خاطري قصة الرجل الذي كلّفه الرسول صلى الله عليه وسلم بجمع الزكاة؛ فقد روى البخاري عن أبي حميد الساعدي قال (استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة ، فلما قدم قال : هذا لكم وهذا لي ، قال عليه الصلاة والسلام : هلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدى له أم لا).
وثمة قصة أخرى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في الحج فسأل غلامه: كم بلغت نفقتنا في الحج؟ فقال: ثمانية عشر ديناراً يا أمير المؤمنين، فنظر إليه عمر وقال: "ثمانية عشر ديناراً !! لقد أجحفنا بيت مال المسلمين"
ولو نظرنا في أوضاعنا اليوم وما يضيع من أموال الأمة هدراً أو يستغل بعض المسؤولين مناصبهم في منافعهم الخاصة لعجزنا عن إحصاء تلك الحالات. والعجيب أنني مررت بحالات يرفض المسؤول أن يسمح لمراسل الكلية أن يأتي إلى الأستاذ ببريده من إدارة البريد أو أن يوصل بريد الأستاذ إلى مكتب البريد بينما لا يمتنع هو عن استخدام سائق الكلية أو المعهد في إيصال أنبوبة الغاز إلى بيته أو شراء حاجياته من السوق، وكل ذلك والمسؤول يدعي الأمانة والخوف من الحرام.
وقريباً من هذه القصة العميد الذي وضع قانوناً وكان أول من خالفه وبطريقة حاول فيها أن يستغفل أو يضحك على أعضاء مجلس الكلية.

كم نحن بحاجة إلى أن نتعلم من السائق الصيني فنحرص على الأموال العامة من الهدر وأن نحرص على أن لا نكسب إلاّ حلالاً ولا نطعم أبناءنا وأهلينا إلاّ طعاماً طيباً ونتذكر قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (أيما جسد نبت من الحرام فالنار أولى به) 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...