الصحوة الأمريكية


                                                           
     

عندما كانت الدولة الرومانية توشك على السقوط ظهر حكماء بين الرومان ينذرون قومهم من مغبة ما هم فيه من انحراف وظلم واستبداد .ولا تكاد تخلو أمة من الأمم في أي مرحلة من عمرها من هؤلاء الحكماء، وكانت هذه الأمم تعترف لهؤلاء الحكماء بالحكمة وسداد الرأي ولكن ما هم فيه من طغيان كان يمنعهم من سماع النصح.

   وليست الولايات المتحدة بدعاً في ذلك ففيها من الحكماء ما يبشر بخير لو استطاعوا أن يكون لهم تأثير في بلادهم ،فمن هؤلاء على سبيل المثال أولئك الذين نادوا بوقف تخريب البيئة من هواء وماء بسبب الإسراف في الصناعة واستغلال الموارد الطبيعية .ومن الحكماء من انتقد طغيان الجانب المادي في الحياة الأمريكية. وقد عشت في الولايات المتحدة في الفترة من (1388-1393هـ) فعاصرت بعض هؤلاء ؛فكان أحدهم يظهر في التلفاز يلقى بعض الكلمات ومنها أنه ذكّر الأمريكيين بأنهم أسرفوا في جرائم العنف وبخاصة القتل حتى غدا القتل أحد الأسباب الرئيسة لموت الشباب في السن من الثامنة عشرة إلى الثانية والعشرين. ومن هؤلاء أيضا عالم النفس والفيلسوف اريك فرام الذي أذكر حديثه عن الخداع والكذب  في الإعلانات التجارية. وأذكر أيضا رالف نادر (ذا الأصل اللبناني )الذي كان يرأس هيئة حماية المستهلك .

   ومن مظاهر الصحوة الأمريكية المعاصرة الموقف من فئة من الشعب الأمريكي تعيش بولاء مزدوج فهي أمريكية تنعم بخيرات أمريكا وفرص الحياة الرغيدة ،وولاؤها لهذا البلد ولاء نفعي .أما الولاء الآخر فهو ولاء ديني.وإذا ما تعارض الولاءان  قدمت مصلحة البلد الذي ينتمون إليه دينياً.ولذلك فإن بقاء إسرائيل مرهون إلى حد بعيد باستمرار دعم أصحاب هذا الولاء الديني .ولا يحتاج الأمر إلى دليل فقد تلقت إسرائيل عشرات البلايين من الدولارات منذ تأسيسها حتى الآن،  كما تلقت ما هو أثمن من هذا وهو التقنية المتقدمة التي لا يمكن لأمريكا أن تقدمها لأي دولة أخرى.

     والصحوة الأمريكية هي ظهور طائفة من أبناء الشعب الأمريكي بدأت تتساءل : ما مصلحة أمريكا من هذا الدعم غير المحدود والذي لا يتوقف بل يزداد باستمرار .بل أدرك بعض هؤلاء أن ارتباط أمريكا الحميم بإسرائيل مخالف لمصالح أمريكا أو حتى مدمٍّر لها .وقد كتب جورج بول وابنه دوغلاس بول كتابهما (أمريكا وإسرائيل كتاباً بعنوان (أمريكا وإسرائيل :علاقة حميمة) وترجمه محمد زكريا اسماعيل.وقد أثار هذا الكتاب غضب أصحاب الولاء المزدوج ،وقد عرضت في مقالة سابقة نموذجاً لذلك من خلال عرض للكتاب في مجلة (السياسة الخارجية)

    في هذا المقال أود عرض نموذج آخر لهذه الصحوة ومن مجلة (السياسة الخارجية)أيضا ،حيث كتب دنكن كلاركDuncan Clarke مقالة بعنوان (نقل اسرائيل للأسلحة الأمريكية غير المأذون به) ومثل هذا المقال يستحق الترجمة كاملاً ولكني أعرض لفقرات منه مما تسمح به مساحة هذا المقال.

    لقد أصدرت الحكومة الأمريكية مرسوماً باسم (مرسوم التحكم بتصدير الأسلحة) يقضي بأن لا تقوم الولايات المتحدة بتصدير سلاح لدولة أو جهة إلاّ إذا وافقت تلك الدولة أو الجهة على عدم نقلها (الأسلحة) إلى دولة ثالثة أو استخدامها لغير ما أرسلت من اجله. ولكن إسرائيل منذ بدأ حصولها على السلاح الأمريكي والذي ازداد منذ عام 1970 وتدفق بشكل أكبر منذ حرب 1973وهي تتصرف بهذا السلاح بطريقة مخالفة لهذا المرسوم.

    وقد أورد الكاتب بعض العبارات لوصف سلوك إسرائيل ومنها أن تصرفات إسرائيل بالسلاح الأمريكي يعد من أعمال الجاسوسية الصناعية،وسلوكاً غير مشروع (محرماً) ،وأن استخدام إسرائيل للمعدات العسكرية الأمريكية غير مناسب ،وانّ ما تقوم به إسرائيل يعد تهديداً للمصالح الاقتصادية الأمريكية.

   وقدم الكاتب نماذج  لعملية نقل إسرائيل للسلاح الأمريكي إلى أطراف أخرى ومن ذلك أن 99% من صواريخ باباي الإسرائيلية المصدرة إلى كل من سنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان تعتمد على التقنية الأمريكية. وإن إسرائيل تزعم أن لديها خطي إنتاج أحدهما يستخدم التقنية الأمريكية والثاني إسرائيلي بحت زعم لا أساس له من الصحة كما يذكر خبراء السلاح الجوي الأمريكي.

   وذكر الكاتب أن التقارب بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية يتضمن تبادل الخبرات والتدريب ويقتضي ذلك حضور ضباط إسرائيليين إلى الولايات المتحدة، والذين لو واجه أحدهم أي إيجابية سلبية أو ممانعة من أحد موظفي ووزارة الدفاع الأمريكية من المستويات الدنيا فإن الضابط الإسرائيلي يستطيع أن يصل إلى أعلى المستويات حتى الوزير أو نائب الوزير ،ولو وجد مشكلة بعد ذلك فلا يصعب عليه أن يصل إلى القمة .

     ويشارك هذا الكاتب في هذه الصحوة النائب البرلماني (السابق) الدكتور بول فندلي (والكاتب في هذه الصحيفة) الذي أفشل اليهود إعادة انتخابه ،ولكنه استمر في مواجهتهم ،وهناك آخرين ،ولكن يهمني أن أذكر أن هذه الصحوة قد وصلت إلى مستوى عامة الناس حتى إنني ركبت مع مجموعة من الشباب الأمريكان الذين لم أكن أعرفهم عام 1972 ولما عرفوا أنني عربي بدأوا يتحدثون عن النفوذ اليهودي في بلادهم .

    ومن الطريف أن رئيس تحرير جريدة الحياة كتب في زاويته اليومية حول هذا المقال وبأسلوبه الساخر حذر كاتب المقال الأمريكي من مغبة هذه الصراحة والصدق والوعي فإنه من الممكن أن يصنف في عداد المعادين للسامية ويحرم بالتالي من الوصول إلى أي منصب رفيع.

    والسؤال هل تستمر هذه الصحوة أو أن اليهود سوف يستطيعون السيطرة عليها وكبتها ،ولكن ماذا يمكن للمسلمين أن يفعلوا لتشجيع هذه الصحوة كما يساعد الغرب كثيراً في تشجيع التيارات المنحرفة في عالمنا الإسلامي .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية