الجزء الأول: التطور في الغرب تدمير للبشرية من كتاب الرئيس على عزت بيجوفتش (الإسلام بين الشرق والغرب)


 بسم الله الرحمن الرحيم

التطور في الغرب تدمير للبشرية

من كتاب الرئيس على عزت بيجوفتش (الإسلام بين الشرق والغرب)

ترجمة مازن مطبقاني

قليل منّا من يعرف الرئيس البوسنوي علي عزت بيجوفتش رحمه الله بصفته عالماً وباحثاً أكاديمياً من الطراز الأول. لقد برز هذا الرئيس خلال الحرب الوحشية التي شنّها الصرب والكروات ضد الدولة الإسلامية الوليدة كزعيم سياسي يسبح عكس التيار في جو مليء بالمؤامرات والخداع.

        وأود في هذه المقالة أن أنقل بعض الصفحات من كتاب بيجوفتش الإسلام بين الشرق والغرب وبخاصة النتائج الخطيرة للتقدم العلمي والتقني في مسيرة المجتمعات الغربية وقد قدّم بيجوفيتش بنبذة موجزة عن معالم هذا التقدم ثم أوضح أبرز الأمراض التي أصابت المجتمعات الغربية

        ينقل بيجوفتش عن العالم الأمريكي يوليوس روبرت أوبنهايمر مخترع القنبلة الهيدروجينية الأمريكية قوله عن الجنس البشري وقد حقق من التطور قوله:" إن الجنس البشري قد حقق من التكنولوجيا والتطور المادي خلال الأربعين سنة الماضية أكثر مما حققه خلال الأربعين قرناً الماضية. فمنذ عام1900م حتى عام 1960 ازدادت المسافات التي أدركها الإنسان من 10أس 10 إلى 10 أس 14 وازدادت درجات الحرارة التي أصبح يقيسها الإنسان ويعرفها من 10 أس م إلى 10 أس 11 وسيتم إحلال محركات الاحتراق الداخلي التي تسيّر القوارب حالياً بمحركات تسيرها الطاقة الذريّة. وإن اليوم الذي ستقوم الأسلاك الكهربائية المركّبة تحت الشوارع بتسيير السيارات أضحى قريباً، ويرى جين روستاند الإمكانية السكرية لعلم الأحياء  حين يمكن فصل المواد الوراثية من الأشخاص الأذكياء جداً واستخدامها في التلقيح الصناعي، وإن العلماء إذا ما استطاعوا إنتاج مركب ال DNA (القاعدة الكيميائية للوراثة المحددة في الكروموزومات) فستظهر إمكانيات جديدة غير محددة. فكل إنسان يستطيع الحصول على طفل حسب رغبته. فالمخ البشري الذي يحتوي على عشرة بلايين خلية يمكن أن يضاف إليها بليوناً آخر مأخوذة من جهة ما أو يتم إنتاجها بعملية خاصة. وسيكون زرع أعضاء الجسم والأجهزة المأخوذة من الجثث سيكون حدثاً عادياً. وإن اكتشاف كيفية حدوث فتور المخ سيجعل من الممكن تحقيق تطلعات الإنسان القديم لإطالة الحياة وذلك بتخفيض ساعات النوم.

        كما أن الإمكانيات الاقتصادية للعالم المتطور ستسمح بتقليص أسبوع العمل حيث ستخفض ساعات العمل إلى ثلاثين ساعة أسبوعياً. وتخفض سنة العمل إلى تسعة أشهر وقد امتلك الأمريكيون سنة 1965 تسعاً وستين مليون سيارة (بلغت في عام 2009 254مليون سيارة) وستين مليون جهاز تلفزيون (والآن 249 مليون جهاز) و7.7مليون قارب ويخت وكان خمس البضائع الشخصية في الولايات المتحدة الأمريكية هي أشياء كمالية. وقد بلغ مجموع ما تنفقه الدول الغنية التي تكون ثلث العالم 15 بليون دولار في السنة على مواد التجميل وحده ، وبلغ مستوى المعيشة في هذه البلدان أعلى خمس مرات مما كان عليه عام 1800م وسيرتفع خمس مرات أخرى خلال الستين سنة القادمة. وبعد هذه النظرة التفاؤلية يمكن أن نسأل أنفسنا هل يعني هذا أن الحياة ستكون أغنى وأسعد وأكثر انسانية بخمس مرات؟ إن الجواب الحاسم هو لا.

        ويوضح بيجوفتش بعد ذلك مبررات الإجابة بالنفي حينما يتعمق في أوضاع المجتمعات الغربية وأمراضها انطلاقاً من نسبة الجرائم المختلفة من قتل وسرقة واغتصاب وانتشار المخدرات والكحول والانتحار وغير ذلك...وفيما يأتي الحقائق التي أوردها بيجوفتش.

الجريمة

     ارتكبت في الولايات المتحدة –أغنى دولة في العالم (حينذاك) خمس ملايين جريمة عام 1965، وقد كانت الزيادة في الجرائم الخطيرة تتفوق بأربع عشرة مرة على الزيادة في عدد السكان (187% مقابل 13%) وفي أمريكا نفسها هناك جريمة كل 12 ثانية وجريمة قتل كل ساعة تقريباً، وعملية اغتصاب كل 25 دقيقة، وحادثة سرقة كل 5 دقائق، وسرقة سيارة كل دقيقة. كان هذا الاتجاه مزعجاً بشكل خاص في الولايات المتحدة التي بلغت نسبة الجريمة عام 1951ثلاثة وواحد من عشرة جريمة قتل لكل مائة ألف فرد وأصبحت النسبة عام 1960 خمسة لكل مائة ألف وتسعة جرائم لكل مائة ألف عام 1967 . وهكذا تضاعف عدد حالات القتل ثلاث مرات خلال ستة عشر عاماً.

        أما في بريطانيا فقد تم تسجيل مليوني جريمة عام 1966م وارتفعت الجرائم إلى 2,413,000جريمة عام 1970، وازداد عدد جرائم القتل مع سبق العمد والترصد 35% خلال العشر سنوات الأخيرة ، وزادت أعداد الجرائم في كندا من عام 1962 حتى عام 1970بنسبة 98,في المئة. وربما كان لإلغاء عقوبة الإعدام عام 1962 تأثير في ذلك غير أنه ليس تأثيراً حاسماً في هذه الظاهرة.

     وفي فرنسا وضع الفرنسيون العنف في قمة مشكلاتهم اليومية وذلك في أحد استطلاعات الرأي وسبب ذلك الازدياد المخيف لعدد الجرائم التي ارتكبها الشباب. فقد ازدادت جرائم السرقة خلال العشرة الأعوام (1966-1976)بنسبة 177% وفي بلجيكا تضاعف عدد الجرائم في الفترة من 1969 حتى عام 1978م.

        وقد أجمع المؤتمرون في المؤتمر الدولي السابع للمتخصصين في الجريمة بأن اللحظة الراهنة تتصف بالزيادة الاستثنائية للجريمة في كل الاتجاهات. ويقول أحد خبراء الجريمة الأمريكيين شارحاً أسباب هذه الأوضاع:"إنّ كوكبنا محبط من الجنوحات وكل البشر جانحون بطريقة ما. وليس ثمة طريقة منظورة للخروج من هذه الحالة، وذكر تقرير الأمم المتحدة " أحوال العالم عام1978" بأن دولة صناعية متطورة (لم يذكر الاسم) كان على الشرطة أن تتعامل مع عدد المراهقين الذين زاد عددهم من مليون في سنة 1955إلى 2,4مليوم عام 1965 ويقول الأمين العام للأمم المتحدة في تقرير آخر: "تعاني بعض الدول الأكثر تطوراً من مشكلات انحراف خطيرة.وعلى الرغم من التقدم المادي لم تكن الحياة البشرية أقل أمنا مما هي في هذه الأيام.وتمثل الأشكال المختلفة من الجرائم (شخصية وعامة) السرقات والخداع والنصب والفساد والسرقات المنظمة ثمناً عالياً للطريقة الحديثة من الحياة والتطور."

الكحول والإدمان

        ومن مظاهر انهيار المجتمعات الغربية انتشار إدمان الكحول والمخدرات والأمراض النفسية المختلفة. فقد أظهر البحث الذي أجراه الطبيب النفسي الروسي هوادكوف نتائج مرعبة حول انتشار الإدمان الكحولي في الدول المتحضرة بعد الحرب العالمية الثانية. فقد ارتفعت مبيعات الكحول في أنحاء العالم مرتين من سنة 1940حتى عام 1960 فقد كانت نسبة الزيادة 2,8مرة عام 1965وارتفعت الزيادة عام 1970 بنسبة 4,3 مرة و5,5 مرة سنة 1973. ولوحظ بصفة خاصة ارتفاع نسبة إدمان الكحول بين النساء والشباب، وقد بلغ عدد المدمنين على الكحول في بريطانيا سنة 1973 وفقاً للمؤسسة الخيرية الإنجليزية "تقديم المساعدة" أربعمائة ألف مدمن من بينهم 80 ألف امرأة. ولوحظ أن نصف عدد هؤلاء النساء يصبحن مرضى في المستشفيات النفسانية بينما تصبح واحدة من ثلاثة منهن حالة انتحار محتملة.

        وتحتل فرنسا المرتبة الأولى في استهلاك الكحول في أوروبا تتبعها إيطاليا ثم الاتحاد السوفيتي أما بالنسبة للوفيات الناتجة عن الكحول فتحتل برلين الغربية المكان الأول بنسبة 44,3 ضحية في كل مائة ألف من السكان ويتبعها فرنسا بنسبة 35 في مائة ألف والنمسا 30 ضحية.

      وفي قرننا هذا أصبح إدمان الخمر مشكلة في الدول الغنية والمتطورة، وإذا كانت الكحول والمخدرات مَهْرَباً، فمم يبحث النهي عن مَهْرب؟ ومما ذا هم يهربون؟ لقد اعتدنا أن نربط بين  الكحول والفقر والتأخر، وكان لدينا بعض الأمل ولكن المعضلة جديدة كلياً الآن.

        ويقول خبير سويدي –حيث يتم الحديث عن هذه المشكلات بانفتاح أكبر-" إن واحداً من عشرة من السويديين –رجلاً أو امرأة- هو متعاط للكحول وعلى الرغم من قيام حكومة السويد بفرض ضرائب ضخمة ومتتالية على الكحول لكن التأثير في ذلك كان في أدنى حد.

الأفلام الخليعة والصور الفاحشة

        ويعود الهجوم الوحشي للصور الخليعة إلى الجذور نفسها وتمثل الدول الأكثر حضارة- فرنسا والدنمرك وألمانيا-المكان الأول. وكانت الأفلام الفاحشة في عام 1975 تحتل أكثر من نصف مسارح السينما الفرنسة ويوجد في فرنسا 2500 سينما تعرض فقط هذا النوع من الأفلام. ولقد أدى هذا إلى إيجاد شعور الحيرة لدى الموظفين العموميين من هذا الوضع. وقد حاول الطبيب النفساني المشهور البروفيسور بلانكارد تفسير هذه الظاهرة بقوله:" إن الإيديولوجية المسيطرة تضطهد الشخصية أكثر وأكثر ، إنها توجه الإنسان إلى الحياة الآلية. ووفقاً لنظرية النوم –الأنبوب- العمل والذي يقدم مستوى معيناً ولكنه يحرم الإنسان من كل التجربة الحقيقية والإثارة. إن كل شيء معد مسبقاً، فالإجازات منظمة ومخططة والمشترك في الإجازة المخططة هذه لا يستطيع تغيير شيء منها، ولهذا السبب فإن معظم الناس يحتاجون غريزياً أن يهربوا من أنفسهم ليجربوا إثارات جديدة ورخيصة وتلك الحاجات يتم الاستجابة لها من خلال الأفلام الفاحشة.

تعليقات

  1. رحمه الله، كان ذا معلومات دقيقة ورؤية ثاقبة، استغرب فعلاً من عمق فكرته وشدة اطلاعه واتساق أفكاره.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية