أبرز الشبهات حول الخلفاء الراشدين


                          
         إن الحاقدين على الدين الإسلامي الذين حرصوا في كتابتهم  في التاريخ الإسلامي أن يثيروا الشبهات حول الخلفاء الراشدين لأنهم بزعمهم إذا استطاعوا أن يشوهوا هذه الفترة من التاريخ الإسلامي فإن تشويه ما سواها أيسر، ولأن هذه الفترة هي الأساس في الدولة الإسلامية من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهم جيل القدوة. والخلفاء الراشدون المهديّون بنص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ينبغي الحديث عنهم بالإجلال والاحترام والتقدير. فجهادهم في الإسلام أمر واضح أشد الوضوح ولا ينكر ذلك إلاّ مغرض وحاقد. بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن سب أصحابه عموماً فكيف بالخلفاء الراشدين وحبهم بلا شك من حسن إسلام المرء.

       ومصادر الشبهات التي أثيرت حول الخلفاء الراشدين هي أولاّ مصادر الخوارج وهؤلاء عرفنا موقفهم بإيجاز في الحديث عن الفتنة في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما ظهرت فئة أخرى تطعن في الخلفاء الراشدين وهم الرافضة وقد تناول القاضي ابن العربي في كتابه العواصم من القواصم بعض افتراءاتهم ورد عليها، كما إن كتاب منهاج السنة للإمام ابن تيمية فيه ردود رائعة على هؤلاء.

     ولكن هناك فئة تناولت تاريخ الخلفاء الراشدين وأثارت كثيراً من الشبهات حوله وهؤلاء هم المستشرقون وتلاميذهم من أبناء العالم الإسلامي. ويمكن تصنيف هذه الشبهات حول شخصيات الخلفاء الراشدين وحول الأحداث التي وقعت في هذه الفترة. وقد وقع بعضهم في الشبهات بسبب الجهل بالتاريخ الإسلامي وبمنهج المحدثين في تمحيص الروايات التاريخية بينما وقع البعض الآخر في الشبهات بسبب الحقد والعداوة .

    أما الشبهات التي تتناول شخصيات الخلفاء الراشدين فلعل أولها ما زعموا (توماس آرنولد وكايتياني و وليام ميور وبرنارد لويس) من قيام أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبي عبيدة عامر ابن الجراح رضي الله عنهم أجمعين بالتآمر للوصول إلى الخلافة. وقد ردد كتّاب دائرة المعارف الإسلامية (الاستشراقية ) في طبعتها الأولى والثانية هذه المفتريات. وهذا الزعم ناتج عن سوء نية وقصد، فهل يصدق عاقل أن هؤلاء الثلاث العظام كان يمكن أن يتآمروا على الخلافة؟ ويكفي الرجوع إلى كتب المناقب لمعرفة مكانة هؤلاء. بالإضافة إلى أن ما قاد المستشرقين إلى هذه الفرية التفكير المادي الذي يحكم الغربيين فما ذا كانت مكاسب الصديق رضي الله عنه أو عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الخلافة؟ هل سعيا إلى تحقيق أمجاد شخصية ومصالح ذاتيه أو أسرية أو قبلية؟

     كما إن هذه الدائرة وغيرها تناولت الردة وأسبابها هل هي دينية أو سياسية ورأي البعض أنها اقتصادية وان إصرار أبي بكر الصديق على حرب المرتدين كان هدفه الناحية المالية حيث إن ميزانية الدولة تعتمد على هذه الإيرادات. كما ذكرت الطبعة الأولى من الدائرة أن جيش أسامة رضي الله عنه لم يكن له أهمية البتة.

     ومن الكتاب العرب المعاصرين الذين حشدوا كثيراً من الشبهات والأخطاء في دراسة التاريخ الإسلامي الدكتور محمد عبد الحي شعبان الذي كتب عن الصديق بأن سلطاته كانت محدودة ولهذا عندما لم تكفه موارده من حلب شياه الحي وعمله التجاري لجأ إلى عمر ابن الخطاب وغيره من الصحابة ليفرضوا له من بيت مال المسلمين ما يكفيه.

     ومن الافتراءات على شخصيات الخلفاء ما أوردته دائرة المعارف الإسلامية (الاستشراقية) بأن عمر بن الخطاب كان صاحب شخصية قوية فكان الحكم لأبي بكر اسميا وله فعلياً. وافتروا على عثمان بن عفان رضي الله عنه بأنه كان ضعيفاً وكان غير شجاع، بل وصلت بهم الوقاحة إلى اتهامه بالجبن رضي الله عنه. وقد رد عليهم عباس محمود العقاد في كتابه (ذو النورين عثمان بن عفان) بأن الشجاعة التي كان يملكها عثمان بن عفان كان مثار الإعجاب والإكبار فهو الذي كان يرى أن الثوار سيقتلونه لو لم يتنازل عن الخلافة فيصر على التمسك بالخلافة حتى لو كان في ذلك قتله فأي شجاعة أكبر من هذه الشجاعة؟

   ويورد صاحب العواصم من القواصم الشبهات التي أثيرت حول عثمان رضي الله عنه والردود عليها وأهمها: التغيب يوم بدر، وبيعة الرضوان، والفرار يوم أحد ويوم حنين، واتهامه بجمع القرآن الكريم في مصحف واحد وحرق المصاحف الأخرى، كذلك اتهامه بمحاباة أقاربه. واتهامه بأنه حمى الحمى وأعطى من الخمس وغير ذلك من الشبهات الواهية. ويكفي للرد على هذه الشبهات معرفة مصدرها فهي صادرة من أشخاص لم يتمكن الإيمان في قلوبهم أو أشخاص لهم مطامع وأحقاد شخصية ضد عثمان رضي الله عنه. 

      وثمة شبهات للمستشرقين حول الفتوحات الإسلامية بأنها كانت تهدف إلى إشغال العرب بالحروب حتى لا يثيروا الفتن كما ذكر ذلك الدكتور حسن إبراهيم حسن في كتابه (تاريخ الإسلام السياسي والاجتماعي والاقتصادي)، وأن الفتوحات كانت آخر موجات الهجرات السامية من جزيرة العرب بسبب تغير وسائل الإنتاج وازدياد عدد السكان. وهذه الافتراءات لا صحة لها فإن المسلمين خرجوا للجهاد ليؤمنوا طريق الدعوة لتصل كلمة الله إلى البشر أجمعين ولنشر الحق والعدل. أم الزعم بالأهداف المادية والسعي عن الغنائم فيمكن الرجوع إلى تاريخ الفتوحات الإسلامية لمعرفة طبيعة الجنود الذين خاضوا هذه الفتوحات وأنهم أبعد الناس عن السعي للمادة. أليس قادة الجيوش الإسلامية هم الذين ضحوا طوال حياتهم بالغالي والرخيص في سبيل هذه الدعوة فهل كانوا يبحثون عن المكاسب المادية؟ نعم كانت هناك فئة قليلة دخلت المعارك بحثاً عن الغنائم ولكن النظرة المادية تقول إن الأعداد القليلة من المسلمين التي كانت تقاتل جيوشاً يفوقونهم عدداً وعدة ما كانت المغانم هي التي تدفهم للجهاد. لقد "كان الجنود المسلمون رهباناً بالليل فرساناً بالنهار إذا سرق ابن قائدهم أقاموا عليه الحد."

          ومن الشبهات التي أثاروها في الفتوحات الإسلامية الطعن في قادة الجيوش الإسلامية وأنهم كانوا يسعون إلى تحقيق أمجاد شخصية. فمن هذه الشبهات أن خالد بن الوليد رضي الله عنه انطلق إلى العراق بعد حروب الردة دون إذن من الخليفة أبي بكر الصديق. وكذلك اتهام عمرو بن العاص  رضي الله عنه في انطلاقته لفتح مصر بأن ذلك لم يكن بإذن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

     وللتقليل من شأن الانتصارات الإسلامية زعموا أن الدولتين الفارسية والبيزنطية كانتا مرهقتين من حروبهما وأنهما كانتا في حالة انهيار. وقد رددنا على هذه الشبه في معرض الحديث عن الفتوحات الإسلامية. كما شكك بعض المؤرخين الغربيين في أعداد الجيوش الفارسية والبيزنطية مستبعدين انتصار المسلمين على تلك الأعداد الضخمة ذات العدة التي تفوق ما كان للمسلمين.

     وباختصار فإن المستشرقين وغيرهم من الحاقدين على التاريخ الإسلامي بحثوا في الروايات الضعيفة والواهنة في كتب التاريخ الإسلامي كما رجع بعضهم إلى كتب متعصبة مثل تلك التي تتخذ التشيع مذهباً وعقيدة فأخذوا منها ما يحلو لهم .

            وللاستزادة من المعلومات حول هذه القضايا تراجع بعض البحوث التكميلية في قسم الاستشراق بالكلية بالإضافة إلى كتاب الدكتور أكرم ضياء العمري (عصر الخلافة الراشدة)  وكتابه (السيرة النبوية الصحيحة) وكتاب الدكتور محمد السيد الوكيل حول الخلافة الراشدة.وكتاب (الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي: دراسة تطبيقية على كتابات برنارد لويس) لكاتب هذه السطور. 

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية