دراسة اللغة العربية والإسلام في الغرب


                                بسم الله الرحمن الرحيم

                 

        كتب الأستاذ محمود شاكر(أبو فهر) في كتابه رسالة في الطريق إلى ثقافتنا متعجباً من المستشرقين الذين يبدؤون دراسة اللغة العربية بعد أن يتجاوزوا سن العشرين وعلى أيدي أعاجم مثلهـم، واستبعد شاكر أن يصل هؤلاء إلى فهم اللغة العربية وأسرارها وبلاغتها وبيانها فهماً سليماً. وهذا الرأي فيه شيءٌ من الصواب لكنه لا ينطبق على الباحثين الغربيين عموماً. وحتى نحكم على هذه الدراسات حكماً سليماً فلا بد من القيام بعدد من الدراسات الميدانية لمعاهد ومراكز وأقسام تدريس اللغة العربية في الجامعات الأوروبية والأمريكية .

     وقد أتيحت لي الفرصة لزيارة جامعة برنستون عام 1408 وحضرت اجتماع طلبة قسم دراسات الشرق الأدنى وقد اتفقوا على ترتيب لقاءات للتحدث باللغة العربية وغيرها من اللغات التي يدرسونها كالتركية والفارسية والعبرية وغيرها. كما حضرت في جامعة نيويورك اللقاء الأسبوعي الذي يطلقون عليه (ساعة القهوة العربية) حيث يعقدون مسابقة بين فريقين من الطلاب ويدور الحديث كلَّه باللغة العربية ويشرف عليهم أستاذ عربي. وقد أمضيت بعض الوقت معهم كان الحديث بيننا باللغة العربية الفصحى وقد أعجبت بنشاطهم وحرصهم على ذلك. وتأكد لي أنهم سوف يصلون إلى مستوى رفيع من فهم اللغة العربية.فلو أضفنا إلى صبرهم وجلدهم منطقية اللغة العربية وسهولتها فإذا عرفت مصدراً واحداً استطعت أن تشتق منه عشرات الكلمات (مثال: كتب، يكتب، كتاباً، كُتُباً، كتابة، كاتب، كتّاب..الخ وعلم يعلم علماً تعليماً علما..الخ) فلماذا لا يستطيعون الوصول إلى مستوى جيد؟

    وفي المؤتمر الدولي حول الاستشراق والدراسات الإسلامية الذي عقد في مدينة تطوان باملغرب في الفترة من 15-17 رجب 1417 تحدثت الباحثة الرومانية-من جامعة بوخارست- الأستاذة ناديا انجلسكو بلغة عربية سليمة جداً، كما تحدث البروفسور شويلر باللغة العربية الفصحى وقد كنت أجلس إلى جواره فرأيت الأوراق التي كان يقرأ منها.

        ومن الأمثلة على إتقان بعض الباحثين الغربيين للغتنا العربية أن البرفسور لورانس ميشيلاك نائب رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة بيركلي بكاليفورنيا أمضى في تونس عدة سنوات حتى أتقن اللغة العامية ويستطيع أن يقارن بينها وبين الفصحى ويحدد تأثير اللغة الفرنسية على العامية أو على لغة العوام. وقد نطق أمامي ببعض الكلمات العامية التونسية فكأنه واحد من التونسيين. كما إن من المهم أن نشير إلى أن الجامعات الغربية قد استقدمت أعداداً كبيرة من الأساتذة العرب لتدريس اللغة العربية كما إنهم أقاموا معاهد لهم في بلادنا كالمعاهد الأمريكية في تونس والمغرب ومصر واليمن، والمعهد الهولندي في مصر. كما علمت أن بعض الطلبة الغربيين يلتحق ببعض العائلات العربية-كما في مصر- ليتعلم اللغة العربية بحيث يعيش في جو اللغة العربية تماماً. وقد تحدثت طالبة هولندية بالعامية المصرية كأنها مصرية ، كما سمعت مستشرق هولندي يتحدث العربية بفصاحة.

        ولذلك فمن الصعب أن نحكم على جميع الباحثين الغربيين بأنهم لا يمكن أن يفهموا لغتنا فهماً سليماً، وقد عقد معهد العلوم الإسلامية والعربية التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في واشنطن ندوة حول دراسة اللغة العربية في الجامعات الأمريكية. ولا شك أن بعض المستشرقين الذين لم يصلوا إلى فهم سليم للغة العربية كتبوا حول القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فأساءوا كثيراً، وقد ظهر هذا الضعف في عدد منهم من الذين قاموا بترجمة معاني القرآن الكريم. ولكننا يجب أن نأخذ في الاعتبار الغرض والهوى مع اعتبار بعض الأخطاء في الفهم. وهو أمر قد يقع فيه أحياناً أبناء اللغة نفسها.

        أما بالنسبة لدراسة الإسلام في الغرب فأمر يحتاج إلى جهود كبيرة من المسلمين أنفسهم لتصحيح مسار تعليم الدين الإسلامي في الجامعات الغربية. صحيح أن بعض الهيئات الأمريكية قد قامت بجهود مباركة لتصحيح تدريس الإسلام في المدارس الإعدادية والثانوية وأذكر منها مؤسسة (مصـادر العالم العربي والإسلامي)  في الولايات المتحدة الأمريكية التي ترأسها الأستاذة أودري شبّاز (يظن البعض أنها مسلمة لحماستها الشديدة في عملها) (أسلمت فيما بعد) فقد أصدرت العديد من المطبوعات والأفلام الوثائقية حول الإسلام والمسلمين، كما عقدت الدورات والندوات لأساتذة العلوم الاجتماعية لتعريفهم بالإسلام. ومن الطريف أن المسلمين بنوا قرية في ولاية نيومكسيكو لا يسكنها إلاّ المسلمون وتعقد فيها الدورات والمحاضرات عن الإسلام لأساتذة المدارس الإعدادية والثانوية في أمريكا.

     ومن المؤسسات التي تحاول أن تدافع عن صورة العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية "اللجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز"، وهذه المؤسسة تحتاج إلى كثير من الدعم وبخاصة من المسلمين.

        وبالنسبة لتدريس الإسلام في الجامعات الأمريكية فإن الأمر يتطلب النظر إليه من جانبين: أولهما الأساتذة الذين يدرسون الإسلام وعلومه المختلفة، والثاني: الكتب الدراسية والمراجع المتوفرة باللغة الإنجليزية. وقد علمت أن اليهود بذلوا جهودهم منذ زمن أن لا يقوم بتدريس الديانة اليهودية غيرهم ، كما قاموا بإعداد المراجع الكافية باللغة الانجليزية أو اللغات الأوروبية المختلفة حول الديانة اليهودية. وقد زرت الولايات المتحدة وبريطانيا عام 1408هـ فوجدت أن الكتب حول الدين الاسلامي في المكتاب العامة قليلة جداً وفي زيارة لي للولايات المتحدة عام 1416هـ (1995) وجدت أن عدد الكتب قد ازداد زيادة كبيرة، لكن معظم الكتب المتوفرة ما زالت بأقلام غير المسلمين. ولذلك علينا أن نسعى إلى توفير المراجع باللغة الانجليزية واللغات الأوروبية الأخرى ، وفي الحقيقة لدينا العديد من الكتب التي تصلح أن تكون كتباً منهجية، ولكنها قليلة جداً فيجب أن نشجع الكتابة باللغات الأوروبية المختلفة. كما إن الجامعات العربية مطلوب منها أن تعقد الاتفاقيات مع الجامعات الغربية لإرسال أساتذة من العالم الإسلامي لتدريس العلوم الإسلامية شريطة أن يكون هؤلاء على درجة عالية من فهم المجتمعات الغربية. فإن توضيح الدين الإسلامي لغير المسلمين يتطلب مهارات خاصة وفهماً خاصاً لأحوال المدعوين. ويجب الابتعاد عن اللهجة الوعظية المباشرة حيث إن الغربيين لا يفضلون هذا الأسلوب.

      كما إن من المطلوب أن يكون لنا وجود في المؤتمرات والندوات التي تعقد حول الإسلام والمسلمين في الغرب، فلا نترك المجال للمحاربين للإسلام أو الذين تنقصهم المعرفة الحقيقية به  أن يتسيدوا هذه المؤتمرات كما هو الحال الآن. وقد بدأت جامعة الإمام بتوفير بعض الفرص للباحثين من قسم الاستشراق بالمشاركة في المؤتمرات الدولية حيث شارك كاتب هذه السطور في المؤتمر العالمي الأول حول الاسلام والقرن الواحد والعشرين الذي عقد في رحاب جامعة لايدن بهولندا في محرم من عام 1417، وكذلك المؤتمر الدولي حول الاستشراق والدرسات الاسلامية الذي عقد في المغرب، وقد رشح قسم الاستشراق أحد أعضائه للمشاركة في المؤتمر العالمي للمنظمة الدولية للباحثين في الدراسات الانسانية والاجتماعية حول آسيا وأفريقيا في بودابست بالمجر في يوليه 1997م.  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية