وتنفس المصلّون الصعداء


                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                   

طالما سمعت هذه العبارة التي تعني أن الأمر قد طال على إنسان ما كان قد حبس أنفاسه منتظراً النهاية وعندما قربت النهاية أو أدرك أنه وصل إليها تنفس الصعداء. والخطيب حين يطيل الخطبة ما إن يصل إلى قوله تعالى ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ) الآية حتى يتنفس المصلون الصعداء فكأنك تسمع همهمة أو صوت ارتياح لانتهاء الخطبة.

أما مناسبة هذه العبارة فهي أنني حضرت خطبة جمعة قبل أيام (سنوات) في المدينة المنورة وكان حديث الخطيب عن وقفات مع غزوة بدر الكبرى وقد بدأها في خطبة سابقة وأتمها في خطبة ثانية وأرجو أن لا يكون هناك خطبة ثالثة. فالخطيب سامحه الله استغرق أكثر من نصف ساعة في الخطبة حيث قسّم الموضوع إلى قسمين بدأ في الخطبة الأولى وأتم الباقي في الخطبة الثانية مع أن الخطبة الثانية من المعروف أنها أقصر من الأولى وفيها مضامين خاصة.

 ولم تتجاوز الخطبة أن تكون معلومات تاريخية يقصها أي أستاذ على تلاميذه في المرحلة المتوسطة فلم تتضمن ذلك التحليل العميق أو القراءة الواسعة حول الخطبة ولو كلّف الخطيب نفسه أن يرجع إلى كتاب موجز من كتب فقه السيرة ككتاب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله أو كتاب محمد سعيد رمضان البوطي أو كتاب الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله (دروس في السيرة) أي من كتب اللواء محمود شيت خطاب رحمه الله لجاءت خطبته مليئة بالعبر والدروس ولاستطاع أن يختصرها في نصف الوقت الذي استغرقته الخطبة.

أعرف أن هناك من لا يعجبه أن ننتقد طول خطبة الجمعة وقد كتبت ذات مرة عن خطيب حبس المصلين في الشمس قرابة الساعة ليسمعهم خطبة طويلة في مسألة الحجاب ثم ليقرأ قصار الصور في الصلاة مع أنه كان صاحب صوت جميل فكتب إليّ أحدهم كتابة غاضبة ولم يكن شجاعاً بأن يذكر اسمه متسائلاً كيف تنتقد طول الخطبة مع أن الناس ينشغلون بمشاهدة التلفاز لساعات وساعات أو غير ذلك من الملاهي؟ فقلت يا سبحان الله هذه المقارنة ظالمة فإن الجلوس لخطبة الجمعة له آداب وآداب حتى ورد في الحديث الشريف من مسّ الحصى فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له.

جاء في الحديث الشريف أن من فقه الرجل أن يقصر الخطبة ويطيل الصلاة. وقد كانت خطب الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون والخطباء الفقهاء قصيرة بينما كانوا يطيلون الصلاة ولو جعل الخطيب نفسه مكان المستمع وشعر بما يستمتع به المصلي من سماع القرآن يوم الجمعة ودائماً لما أطال الخطبة ولما قصر الصلاة والقيام.

وأعود إلى الخطبة فإنه ذكر الغلامين الذين كانا يبحثان عن أبي جهل فقتلاه ، فلم يتوقف ليذكر لنا كيف أن أطفال المسلمين كانوا رجالاً فحتى في المواقع التي يكون الخطر والموت قريباً تراهم يحضرون، وكان بعضهم يقف على رؤوس أصابع رجليه ليجيزه الرسول صلى الله عليه وسلم. والأمر الثاني انظر إلى عقيدة هذين الشابين أو الفتيين كيف أنهما غضبا من رجل علما أنه كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقسما ليقاتلن أبا جهل حتى يموت الأعجل منهما ( الذي منيته أقرب).

ومر الخطيب مرور الكرام بالدروس والعبر فيها وإني أنقل إليه هنا بعض ما قاله السباعي رحمه الله من عبر ودروس هذه العزوة العظيمة:" إن شدة عزائم الجيش واندفاعه في خوض المعركة وفرحه بلقاء عدوه ما يزيد القائد إقداماً في تنفيذ خطته ، وثقته بالنجاح والنصر.. إن على القائد ألاّ يكره جيشه على القتال إذا كانوا غير راغبين ومتحمسين حتى يتأكد من رضاهم وتحمسهم كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم من استشارة أصحابه يوم بدر قبل خوض المعركة" (ص112-113)

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية