التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دروس في التربية


                
الدرس الأول : العزيمة والإصرار

ليست هذه المقالة في البحث في طيات التراث العربي الإسلامي عن دروس في العزيمة والإصرار فتلك الدروس كثيرة جداً ومن أراد التعرف إليها فعليه بكتاب الأستاذ محمد عقيل موسى الشريف حول الهمة. وكتاب الشيخ عايض القرني كيلا تكون كلاًّ،  والمحاضرة الرائعة المسجلة على شريط (كاسيت) للشيخ على القرني (اقصد البحر ودع القنوات)، ولكنه درس عشته في الأشهر الماضية كانت بطلته فتاة لم تتجاوز الخامسة عشرة بكثير تعرضت لمرض طارئ كان عليها أن تتغيب عن الامتحان في الدور الأول ولكنها أصرت على دخول الامتحان في عدد من الدروس واستطاعت أن تجتاز الامتحان بنجاح في كل المواد عدا مادة واحدة.

وجاء موعد الدور الثاني وكانت ما تزال تعاني من الأعراض نفسها التي بدأت قبل بداية امتحان الدور الأول وبدون أن تبذل جهداً كبيراً (هي أساساً غير قادرة على بذله) دخلت اختبار الدور الثاني واستطاعت أن تؤدي الامتحان بثبات وعزيمة عجيبة حتى استطاعت أن تجتاز الامتحان وتنتقل إلى المرحلة الدراسية التالية. لقد شاهدتها وهي تخرج من الامتحان كل يوم وهي تزداد إصراراً على أن تكمل الامتحانات وإن كانت تمر بها لحظات تصر على أن لا تواصل الدراسة وتعزي نفسها بأنها ستعيد السنة وأن غيرها كثيرات مررن بتجربة الإعادة. ثم تعود لها العزيمة وتستيقظ صباحاً لتستعد للذهاب إلى الاختبار وتؤكد إصرارها على النجاح بإذن الله. ومن الطرائف أنها في مادة الرياضيات لم تدرس سوى ساعتين فقط ومع ذلك نجحت.

لقد عشت التجربة ورأيت عدداً من الطلاب يدخلون الدور الثاني وقد تخلفوا في خمس أو ست مواد،  ولكنهم خلال شهرين من الزمان يستطيعون أن يهضموا المادة التي لم يستطيعوا استيعابها خلال سنة دراسية كاملة وينجحون فيها . إنها العزيمة والإصرار حتى إن إحدى المعلمات قالت رأيت من دخل الدور الثاني في كل المواد واستطاعت أن تنجح بينما فشلت بعض الطالبات أن ينجحن في مادة واحدة واضطررن إلى إعادة السنة.

الدرس الثاني : الرحمة والرأفة

      هذه الطالبة دخلت امتحان إحدى المواد ولم تجب بكلمة مما أفقدها الأمل في مواصلة الامتحان لولا أن قيض الله لها من إدارة الامتحانات برئاسة تعليم البنات بالمدينة المنورة من تفهموا الوضع وعلموا أن في النظام سعة إن كانت لم تكتب شيئاً. وجاء دور مراجعة التوجيه النسوي لتوجيهها إلى مدرسة مازال الامتحان فيها قائماً، فكانت المصيبة في أن إحدى الموجهات رأت في الطالبة خصماً لدوداً وعدواً مبيناً فكان أن رفضت أن تسمح لها بالاختبار في مدرسة غير المدرسة التي وجهت إليها أول مرة .

وبالرغم من أن هذه الموجهة رأت الطالبة وشاهدت إصرارها على الاختبار وأنها صادقة مائة في المائة أنها لم تكتب شيئاً في ورقة الإجابة. وكانت هذه الموجهة تتحجج بقضية العدل بين الطالبات . فكأنها قد تصورت أنه سمح لها بإعادة الاختبار في المادة إنما تم محاباة للطالبة وهو شك في غير محله وسوء ظن برؤسائها وزملائها وتجاوز لمكانتها الوظيفية فلم تراع أن من هو أعلى منها رأى أن في الأمر سعة.

إن التعليم أساسه الرحمة ولذلك جاء في الذكر الحكيم وصف النبي صلى الله عليه وسلم )وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين( وقوله تعالى )فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك( وقد حث الرسول e على الرحمة حتى جاء في الحديث الشريف (لله أرحم بعبده من الأم بطفلها) ولو خلت العملية التعليمية من الرحمة فقدت أهم أسسها. فيا أيها المعلمون والمعلمات والموجهون والموجهات ابدأوا بالرحمة فإن لم تكونوا رحماء بينكم كما وصف الله المؤمنين فابحثوا عن عمل آخر فلا يليق بالمعلم إلاّ أن يكون رحيماً. والله الموفق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...