الغرب وألف عام من الكوارث

                                
    أفردت مجلة المجلة عدة صفحات في عددها الصادر في نهاية عام 1999م للحديث عن الغرب وإنجازاته في الألف عام الماضية وتنوعت المشاركات بين مادح وقادح ولكن لفت انتباهي مقالة كتبتها جينيت هيس العضوة المؤسسة لحركة الخضر الفرنسية وقد تناولت فيها قضايا عديدة، ولكن قبل أن أعرض ما قالته الكاتبة أذكر أن مهرجان الجنادرية قد دعا الدكتور علي المزروعي رحمه الله في فعاليات الجنادرية التي تناولت علاقة الإسلام بالغرب وألقى محاضرة رائعة ما زلت أذكر منها بعض الأفكار التي سترد في مقالة هيس.

       ذكر الدكتور المزروعي أن تاريخ البشرية لم يعرف حضارة من الحضارات قامت بإشعال نار حربين عالميتين في مدى خمسين عاماً راح ضحيتهما عشرات الملايين ودمرت المدن والقرى، ولم يعرف العالم أمة من الأمم ابتكرت من أسلحة الدمار الشامل ما يكفي لدمار الكرة الأرضية عدة مرات مثل الغرب. ولم يعرف العالم أمة استخدمت التقنية لاختراع أسلحة جرثومية. ولم تعرف البشرية حضارة عرفت محاكم التفتيش التي عرفتها أوروبا لتعذب من خلالها أبناءها وتعذب غيرهم كما عرفته أوروبا.

       ولم تعرف البشرية احتلال شعب أرض شعب آخر ومحاولة إبادة الشعب صاحب الأرض الأصلي كما فعل الأوروبيون في أمريكا وأستراليا. وكما فعل الغرب في مساعدته يهود على استيطان فلسطين ليجعلوها أرضاً بلا سكان لشعب بلا وطن. ولم يعرف العالم حضارة حاولت أن تقضي على الحضارات الأخرى من خلال التربية والتعليم كما فعل الغرب ويفعل حتى اليوم.

     وحتى لا أطيل في تذكر ما قاله الدكتور علي المزروعي في محاضرته في ندوة الجنادرية أعود إلى الكاتبة الفرنسية فأقتبس منها ما يؤيد هذه الاتهامات للحضارة الغربية فهي تقول :"شهدت البشرية في الألفية الثانية سيادة الغرب على ما سواه، وقد حقق هذه السيادة باستخدامه أبشع أنواع العنف والحروب داخل جغرافيته وخارجها: محاكم التفتيش، الحروب الدينية الدامية، والحروب الاستعمارية التي ارتكب خلالها مجازر يندى لها الجبين، نذكر منها مجزرتين لم تعرف مثلهما البشرية من قبل: الأولى الإبادة الجماعية لسكان القارة الأمريكية الأصليين من الهنود الحمر واستعمار أراضيهم بالقوة والوحشية باسم الحضارة، والثانية القيام باصطياد ملايين الأفريقيين وقيادتهم مكبلين إلى أمريكا للعمل كعبيد لسادتهم البيض، وكان غالبيتهم يموتون إبان السفر ومن يعش يلق كل أنواع العبودية والذل طيلة حياته."

    "لقد كان الغرب ومازال مسؤولاً عن قيام الحروب الاستعمارية والعرقية والدينية والطائفية والاقتصادية من دون أن ننسى الحربين العالميتين وبعدهما الحرب الباردة والأسلحة الفتاكة التي استخدمت في هذه الحروب دفاعاً عن المصالح الغربية."

      وتنتقد جينيت هيس بعد ذلك الغرب على اختراعه الأسلحة النووية والكيميائية البيولوجية وتشير إلى أن الولايات المتحدة هي أول دولة استخدمت الأسلحة النووية. وأشارت إلى أن الغرب الذي يزعم حرصه الآن على نشر الديموقراطية هو الذي ابتدع النازية والفاشية وكانتا سبباً في تدمير وقتل وتهجير ملايين البشر في أنحاء العالم كافة. ولم تنس الكاتبة أن تتحدث عما فعله الغرب بالجنوب وأن الدول الغربية التي لا يتجاوز سكانها العشرين بالمئة من سكان العالم يستهلكون أكثر من ثمانين بالمئة من إنتاج العالم وأن هؤلاء العشرين بالمئة يمتلكون ثمانين بالمئة من ثروات العالم.

     ليس الهدف من الكتابة عن الغرب تحقيره والتقليل من شأنه ومن إنجازاته الكبيرة والكبيرة جداً في مجال العلوم والطب والتقنية ولكن علينا أن نفهم الحضارة الغربية فهماً شاملاً وأن على الأمة الإسلامية أن تفيد من معطيات الحضارة المعاصرة وأن تقدم للعالم القيم والمبادئ والمثل والأخلاق وقبل ذلك العقيدة الصحيحة فيا لها من مسؤولية عظيمة فهل نقوم بها عملاً بقوله تعالى (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) وقوله تعالى (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وليعلم المسلمون أننا أمة الشهادة والأمة الوسط وإنه لدور كبير وخطير وقد آن الأوان أن ننقذ العالم مما يتخبط فيه على أن ننقذ أنفسنا أولاً والله الموفق.

         

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية