وما العيش إلّا نومة وتبطح


                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                     

كنت أعتقد أن دروس الدكتور مصطفى محمود مجرد دروس علمية حول عظمة الخالق سبحانه وتعالى من خلال الحديث عن مخلوقات الله أو الكون عموماً ، ولكن قررت أن أشاهد إحدى الحلقات فإذ بالدكتور الفاضل يبدع أيما إبداع في الانتقال من الحديث عن الكون وما فيه من بديع صنع الله عز وجل إلى الحديث عن قضايا اجتماعية تمس جوهر حياتنا وحاجتنا إلى أن ننهض نهضة حقيقية.

أما القضية التي تناولها في معرض حديثه عن بعض المخلوقات ما فيها من تمييز المجد عن الكسول أو حتى التخلص من بعض هذه المخلوقات بعد أداء مهمته، وتشجيع المجتهد وأنه لا وقت لدى هذه المخلوقات لإضاعته في أمور تافهة وإنما الحياة جد وعمل. هذا الحديث شدني إلى درجة أنني قلت ما أحوجنا إلى دروس من هذا النوع وأرجو أن أرى الدكتور متحدثاً في القنوات الفضائية عن الدروس العظيمة التي يستنبطها من هذا الكون الكبير. كما أرجو أن تنشر هذه الحلقات في كتب لتكون في أيدي الناس. 

لقد كان حديثه حول ما شاع في أذهان الناس من خمول وتواكل وأن المحسن مثل المسىء وأن المجتهد كالكسول وأتى ببعض الأمثال الشعبية الدارجة وبخاصة في مصر كقولهم (كله محصل بعضه) وقولهم ( كله عند العرب صابون). وأتى الدكتور حفظه الله بأمثلة كثيرة من الدعة والخمول والكسل الذي يسيطر على كثير من الناس حتى أصبح هذا ديدنهم. ومن هذه الأمثلة أن بعض الموظفين يتندرون فيما بينهم أنه لا داعي للإخلاص في العمل فإن قال زميل لآخر قم وأنجز العمل الفلاني فيأتي الرد لماذا؟كلّه محصل بعضه، وإن حثّ رئيس أحد موظفيه على إتقان عمله رد عليه بمثل هذا الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

ولعل الدكتور مصطفى محمود قد تناول أمثلة من حياتنا اليومية مثل تأخر بعض الموظفين عن العمل أو الرد على المراجعين (تعالى بكره) أو غير ذلك من الصور التي تموج بها حياتنا في العالم النامي.

 أليس هذا الوضع من الكسل والخمول والدعة هو ما دعى الشاعر ليسخر منّا بقوله:

وما العيش إلاّ نومة وتبطح    وتمر على رأس النخيل وماء

     ولله در الشيخ محمد الغزالي رحمه الله حين تحدث في كتابه القيم جدد حياتك عن الكسل والدعة بقوله:"إن الفراغ في الشرق يدمّر ألوف الكفايات والمواهب، ويخفيها وراء ركام هائل من الاستهانة والاستكانة، كما تختفي معادن الذهب والحديد في المناجم المجهولة." ويضيف بعد قليل قائلاً:"وعندي أن العلة الأولى لتخلف الأمة العربية والشعوب الإسلامية ما غلب على أحوالها النفسية والاجتماعية من قعود واستكانة وتقاعس." 

      إن على الشعوب  التي تريد أن تنهض حقيقة أن تفرّق بين المجتهد والكسول وبين الخامل والنابه فلا ينبغي أن يتساوى الجميع، لأنه حينما يتساوى هؤلاء جميعاً فإننا سنفقد روح المبادرة ونفقد روح الإبداع. وما أعظم الدروس النبوية في تربية الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فإننا نجد في كتب مناقب الصحابة من آيات التشجيع والتكريم للمجدين من الصحابة (وكانوا كلهم كذلك) ولكن الله وهب بعضهم من المواهب ما جعلهم يتقدموا غيرهم. فبرزت المواهب في القيادة الحربية ومواهب في الفقه ومواهب في الكتابة وغير ذلك من مجالات الحياة.

       وهذه التربية العظيمة على مدار التاريخ الإسلامي هي التي جعلت هذه الأمة كما قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تتبوأ مركز العالم الأول خمسة قرون لا ينافسها في الأولية أمة أخرى وبقيت العالم الأول كذلك عدة قرون أخرى. فلو رضي المسلمون بما شاع في عصرنا أنه لا داعي للاجتهاد (كله محصل بعضه) لما تقدموا خطوة واحدة ولما أبدعوا في المعارف كلها.

         

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية