مشاهدات وطرائف من القاهرة 2009م(قبل الربيع المبارك والشتاء الصقيع الانقلاب)


 

هل يؤثر فيك الانطباع الأول عن أي بلد فتحكم له أو عليه؟ لو كان هذا الأمر صحيحاً لغادرت القاهرة قبل أن تصل وسط المدينة بسبب ما يمكن أن تلاقيه عند بوابة المطار. ما إن خرجت من بوابة المطار حتى ظننت أن هناك خلل في محافظ القاهرة ومسؤول المرور فما أن تصبح خارج الباب حتى يتلقاك ألف شخص يريدون أن ينقلوك إلى وجهتك، وربما تفاوضت مع أحدهم فأعطاك سعراً لم يعجبك فيبدأ بتخفيض المبلغ وكأنه يتحدث عن سعر سلعة قابلة للتفاوض وليس هناك حافلات منظمة تنقلك إلى وسط القاهرة. ولو قبلت الركوب مع أحدهم فيأخذك إلى مواقف السيارات مما يعني أنه غير مسجل في سيارات أجرة المطار فتكون مغامرة أخرى. وقد تسير معه عشرة دقائق حتى تتعب فوق تعب السفر.

      فما الصعوبة في تنظيم السير بطريقة حضارية؟ وما عمل آلاف الجنود حول المطار فما رأيت أنهم لم يكونوا للتنظيم بقدر ما هم يبحثون عمن يعطونه مخالفة أو يأخذون منه رشوة. وكأن هدف الحكومات العربية (قبل الثورة) هو ابتزاز الناس ونهب أموالهم. بل تجد هذه الدول تضطر الناس في أحيان كثيرة إلى ارتكاب المخالفات ليأخذوا منهم الغرامات. فسائق السيارة الأجرة يعيش إرهاب الجنود فهو مهدد بسحب رخصته أو أن تسجل مخالفة ضده فيموت جوعاً هو وأولاده ولذلك ترى سائق السيارة أو المواطن ما إن يقف أمام الجندي (الفرعون الصغير) حتى يبدأ في الاستجداء والاستخذاء. وليس هذا الأمر قاصراً هنا فنحن نعيش في عالمنا العربي (قبل الثورات) في ثقافة العرائض والمعاريض. قدّم عريضة، فقد كنت في إدارة حكومية قبل مدة فطلب مني رئيس الدائرة أن أكتب معروضاً ولمّا كتبته لم تعجبه صياغتي فما كان منه إلاّ أن انتقدني بسخرية دكتور ولا تعرف كيف تكتب معروضاً، فقلت له والله إن لم تتأدب لأشكينك إلى أمير المنطقة. وأتساءل ما سبب تجبر الجنود مع المواطنين؟ هل سبب ذلك أن الجنود يتعرضون للإذلال من رؤسائهم الضباط ؟لدينا فرق كما بين السماء والأرض فيما بين الجنود والضباط، وكم رأيت جندياً يقف ليخدم سيده الضابط) فإذا انتقل الجندي للتعامل مع المواطنين صار شرساً متحجر القلب باطشاً. ومطاراتنا في المملكة ليست أحسن حالاً فمطار الرياض يعاني من فوضى خانقة حيث تنقسم سيارات الأجرة في المطار بين السائقين المواطنين والسائقين غير المواطنين والأخيرين ألين جانباً وأقل طمعاً فيكتفون براكب واحد وفقاً للأجرة المقررة منذ ثمان وعشرين سنة كما أفادني أحد السائقين وهي قديمة بالفعل ولا تناسب طول المشوار، وبعض الركاب بخلاء ظلمة لا يرغبون في دفع أجرة معقولة فيفاصلون على أي شيء ولو قال له السائق مجاناً قال كم مجاناً يريد أقل من ذلك. فيضطر السائق المواطن أن يأخذ أكثر من راكب. وأخيراً قامت إدارة المرور بحصر جميع السيارات الأجرة ضمن صبات لا يستطيعون الخروج منها مهما أرادوا وعلى الراكب أن يرضي بما قسمه الله وقد يتأخر للمفاوضات، ولن تستطيع أن تخرج سيارة من آخر الصف.
وفجأة مرت سيارة أجرة فسألته عن الأجرة بعد أن رفضت مائة عرض وعرض، فكان عرضه مناسباً وكان يتفاوض مع الجندي على رشوة ليسمح له بإركابي لأنه ليس من سيارات أجرة المطار وإنما كان قادماً من القاهرة، وبعد أن تفاهما سرت معه ومع ذلك طلب مني أن أحفظ اسمه حتى لو سألني جندي آخر لقلت له إني أعرف السائق وأنا الذي طلبت منه أن يأتي إلى المطار لينقلني، فهل السلطات تعلّم الناس الكذب بعد أن تكذب عليهم فيصبح المجتمع كذاباً كما فعلها معي سائق آخر في طريقي إلى الأردن حين طلب مني أن أقول للجمارك عن البضاعة المهربة إنها هدايا لأقاربي.
     وهنا فكرت لو كان لي مخ تجاري لاتفقت مع شريك مصري وليكن من علية القوم أو علتهم أو عللهم أو كبرائهم لإنشاء شركة حافلات لنقل الركاب من المطار إلى وسط المدينة ولكان هذا مصدر دخل جيد أفضل مليون مرة من التدريس والعلم الذي رخص حتى كاد يكون بلا ثمن في عالمنا العربي، ومن ذلك أنني دعيت لإلقاء محاضرة في جامعة الملك سعود 2/11/1431هـ الموافق 11/10/2010م وبعد أشهر علمت أن المكافأة ألف ريال ولم أتسلمها بعد (رجب 1432ه)
المدينة الجامعية لجامعة القاهرة الأمريكية
     كنت أتوق لزيارة الجامعة في مقرها القديم فما شاء الله ذلك وها أنا أزورها في مدينتها الجامعية الجديدة الباذخة في القاهرة الجديدة التي كأنها مدينة أوروبية حتى لتتعجب من شكوى المصريين من قلة المال وهم يبنون ما لا يبنيه أصحاب أموال البترول. كان مساحة الجامعة القديمة 23 فدان وأصبحت مساحتها الآن 230 فدان وعدد طلابها ستة آلاف.
     دخلنا الجامعة من بوابة الزوار وكانت تقلنا حافلتان ضخمتان من الصف الفاخر وليست من الحافلات التي يرميها الأوروبيون والأتراك خردة فتستوردها شركاتنا العظيمة ولا تستحي فتبقي الكتابة الألمانية والأجنبية. وبدأت الجولة في مباني الجامعة المتقاربة وكأنها متصلة بممرات مبلطة بحجز جميل لونه يميل إلى البيج، وقطع البلاط كبيرة أما المباني نفسها فأخذت الطراز المصري المملوكي والطراز العربي الإسلامي والطراز المكسيكي (لا أدري لماذا؟) وقد اشتركت ثلاث جهات في تميم الجامعة منها جهة مصرية.
     ومررنا بمجمع المطاعم وهناك عدد من المطاعم الأمريكية (أليس اسم الجامعة الأمريكية) ذات الأكل الزبالة، وهناك مطعم مصري ولكن هل هو واحد أو أكثر يقدم الأكلات المصرية واسمه العمدة، فكأن المصريين حتى إذا التحقوا بالجامعة الأمريكية واعوجت ألسنة بعضهم لا يتخلون عن الفول والطعمية والكشري وربما حتى الكوارع التي يسميها المغاربة كراعين ويسميها أهل الحجاز المقادم والكوارع أيضاً.
       وفي أثناء الجولة مررنا بمبنى مكتوب عليه قاعة يوسف جميل وسرنا قليلاً فرأيت مبنى آخر مكتوب فوقه (عبد اللطيف جميل)، ولا بد من وجود مبان أخرى بأسماء أثرياء آخرين من السعودية فالوليد بن طلال تبرع لهم بكرسي الدراسات الأمريكية (أمريكيون يدرسون الأمريكيين، وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا)-حاول التبرع لجامعة الملك سعود فيما أعلم ولا أدري لماذا لم تؤسس الدراسات الأمريكية عندنا؟
    كان معنا في الزيارة دليل وهو من طلاب الجامعة يدرس الهندسة ويقول ستون في المائة من الطلاب يدرسون بمنح مختلفة وثمة نسبة لأبناء الأثرياء –لا يستحقون المنح لأن مستوياتهم متدنية أو إنهم عازفون عن التقدم للمنح فأولياؤهم يملكون الكثير من المال-. وتحدث الطالب عن تعايش الثقافات في الجامعة التي لم أر فها مسجد، فكيف يكون تعايش ولا يوجد المسجد في المكان الذي يكون فيه الطلاب معظم الوقت.
    لقد أثبت المصريون (حتى وإن كان أمريكية) أنهم يستطيعون أن يبدعوا في البناء والتصميم وتنفيذ المشروعات الكبيرة فهذه الجامعة هي النموذج الثاني بعد مكتبة الإسكندرية التي تعجز الدول الثرية (بالمقاييس البلهاء) أن تبنيها. لقد رأيتهم يضيفون توسعة لمكتبة الملك فهد الوطنية عبارة عن أعمدة وزجاج فكم هو بعيد عن الذوق والجماليات. والله لو كان لي الأمر لجلبت لها الحجارة من آخر الدنيا، إنها المكتبة الوطنية، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية