التخطي إلى المحتوى الرئيسي

خلّوا بيني وبين الناس

                       
لمّا بُعث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحاء وقفت قريش موقفاً عنيفاً ضد هذه الدعوة الجديدة لأنها كانت في نظر الأكابر أو الملأ تعارض مصالحهم المادية لما كانت تتمتع به مكة من مركز تجاري مهم في الجزيرة العربية كما جاء على لسانهم في القرآن الكريم )قالوا إن نتبع الهدى معك نُتَخَطّف من أرضنا ، أَولم نُمَكّن لهم حرماً آمناً ويتخطف الناس من حوله ( (القصص57) كما كانت هذه الدعوة في نظرهم خروجاً على ما كان عليه آباؤهم من اعتقادات وتقاليد )إِنّا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون((الزخرف 22) وأمام هذا التعنت بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل ويقول لهم: ( هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عز وجل )
وما حال الدعوة الإسلامية في العصر الحاضر إلاّ كما كانت دعوة الإسلام في أيامه الأولى في كثير من بقاع الأرض ؛ أي الوقوف في وجه الدعوة ومنع الدعاة من التبليغ، وقد بلغ من عناد بعض الأنظمة والحكومات أن سعت إلى ما يسمى تجفيف منابع التدين وتفتح كل منابع الرذيلة والفساد والانحراف )  يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم،والله متم نوره ولو كره الكافرون( (الصف8)فهل كثير على الدعاة أن يسعوا إلى أن يجدوا لهم فرصة أي فرصة لتبليغ كلام الله.
ولكن بعض الكتّاب ممن يرى أنه حريص على دعوة الله عز وجل وعلى الإسلام يرى أن أي مهادنة للأنظمة التي لا تحكم شرع الله أو محاولة الدخول مع تلك الأنظمة في شيء من التصالح والتواد غير صحيح أو غير جائز ومن هؤلاء القاضي أبو عبد الرحمن في مقالته( ماذا لو وصل الحزبيون إلى السلطة!) (المسلمون ،17ربيع الأول 1419)تناول فيها مسألة الديمقراطية ومشاركة ممثلي الحركة الإسلامية وجاء في المقالة التحذير من أن الإسلاميين حين يقبلون بالنيابات البرلمانية فإنهم يعترفون بشرعية الأحزاب المعادية للإسلام وبشرعية تلك الأحزاب وحقها في مناقشة قضايا الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والدينية والتربوية . ومن الأمور التي ذكرها الكاتب أن مشاركة الإسلاميين سوف تضطرهم إلى القسم على الوفاء لدستور وضعي.
من حق الرجل أن يكون له رأي في هذا الموضوع وينافح عنه، ولكنه غفل عن واقع الأمة الإسلامية وحال الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وأنها بحاجة إلى أي موقع قدم لتنادي من خلاله بتطبيق شرع الله عز وجل ولتمنع فساداً أكبر هو واقع إذا ما ابتعد الإسلاميون عن السلطة. ولو تركنا الأوضاع الداخلية لوجدنا أن الظروف الخارجية في معظم البلاد الإسلامية تقف صامدة في وجه عودة الإسلام إلى حياة المسلمين في السياسة والاقتصاد والاجتماع. وما حديث العولمة ببعيد عن كل ذي لب.
فما العمل إذن ، هل تقف الحركة الإسلامية حتى يترك لها الآخرون الساحة لتكون هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة؟ إن هذا الأمر مستبعد في اللحظة الراهنة ولذلك فلا بد من البحث عن البدائل. وقد كتب الأستاذ جمال خاشقجي تحت عنوان (هل يحل التكنوقراط الإسلامي محل قيادات الإسلام السياسي) ( الحياة 30ربيع الأول1419) مع التحفظ على مصطلح الإسلام السياسي- تناول بعض نماذج أصحاب الفكر الإسلامي ودخولهم إلى معترك السياسة متخلين  (مؤقتاً) عن مشروع الحركات الإسلامية. وذكر الخاشقجي مدى إفادة الدول التي سمحت لهؤلاء بالمشاركة في السلطة من خلال مناصب قيادية سياسية واقتصادية. إن الإسلاميين يريدون مصلحة بلادهم وهم أبعد الناس عن المطالبة بالمناصب والتطلع إليها فلماذا لا يعملون من خلال الأنظمة القائمة؟

لقد أصبح لدى بعض الكتاب فزع من أي شيء له علاقة بالأحزاب أو العمل ضمن الحكومات القائمة التي تسمح بشيء من الديمقراطية فالأحزاب موجودة وقد وجدت في العالم الإسلامي منذ أكثر من خمسين سنة فإن كان الهدف تبليغ كلام الله فليكن الدخول مع الأحزاب الأخرى ، والله الموفق.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...