التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كتاب أغضب الإعلام الأمريكي بل أغضب صانع القرار


 

في الوقت الذي يظهر فيه فيلم (الحصار) وتنطلق الرسالة الإعلامية للفيلم بأن الإسلام دين الإرهاب والتطرف لا بد من وقفة مع الإعلام الأمريكي. والكتب التي تتناول الإعلام الأمريكي كثيرة ولكن ثمة كتاب مهم جداً صدر قبل عدة أعوام بعنوان (مصادر غير موثوقة أو غير مأمونة)(Unreliable Sources) لمؤلفيه مارتن لي و نورمان سولومون. وقد صدرت الطبعة الأولى للكتاب عام 1990 ثم أعيد طبعه عام 1992. ويتكون الكتاب من 420صفحة من القطع الكبير.

يتكون هذا الكتاب من أربعة أبواب أو أقسام: هي :قصة خلف القصة، والنخبة الإعلامية، والروتينات المحلية، والمكائد الدولية.

ويبدأ الكتاب بمقدمة كتبها إدوارد آسنرEdward Asner   تحدث فيها عن أساس الإعلام القائم على العبارات الآتية:" أن تسعى وراء الحقيقة دون خوف أو محاباة، وأن تنشر كلما يناسب النشر، وأن تحارب من أجل حق الجمهور في المعرفة حتى لو كانت هذه المعرفة مزعجة للسلطات." ثم تقول المقدمة إن هذا الصنف من الصحافيين يكاد ينقرض لمصلحة صنف من الصحافيين الذين يحاولون التأقلم مع الجو السائد. ويؤكد على أن الصحافي المستقل يجد صعوبة في التعايش مع جو عدائي.

ومن الأمور اللافتة للنظر أن المؤسسات الإعلامية الكبرى بدأت تفقد استقلاليتها بسعي بعض الشركات الكبرى السيطرة عليها، فأشار إلى أن شركة ITTحاولت أن تمتلك شبكة الإي بي سي ABC فكان هناك معارضة عامة أبدت مخاوفها من أنّ هذا الاندماج سيؤثر في  التغطية الإخبارية للشبكة الإعلامية.

ثم تأتي مقدمة المؤلفان فتشير إلى أن أسطورة الصحافة الأمريكية الملتزمة التي من المفترض أن   تبحث عن الحقيقة وتنشرها مهما كانت الجهة المتضررة من ذكر الحقيقة، وأن الإعلام الأمريكي يفخر بأنه مستقل ويتميز باللباقة والحياد، وأن الصحافة مهما كانت العيوب فإنها تعمل بطريقة حيادية لحماية ثقة الجمهور. ولكن مع كل ذلك يذكر المؤلفان أن الناس تنسى في خضم الحديث عن هذه المثاليات أن الإعلام نفسه إنما هو نوع من التجارة وأن وسائل الإعلام تحصل على سبعين بليون دولار سنوياً من المعلنين وهذا الذي يبرر أن يتكرر إعلان معين مئات أو آلاف المرات. وإن الجمهور بالنسبة لوسائل الإعلام إنما هم زبائن لما يعلنون.

ويضيف المؤلفان إن وسائل الإعلام تحولت نفسها حتى  أصبحت تجارة، وأصبحت تشارك في صناعة الأخبار بعد أن كانت تتلقى الأخبار وتنشرها ويصح ذلك مثلاً عندما نعلم أن شبكة ال إن بي سيNBC أصبحت مملوكة لشركة جنراك إلكتريك أحد أبرز المقاولين الحربيين الذين يحققون أرباحاً ضخمة من الصناعات النووية وبرنامج حرب النجوم.ولذلك فإن هذه الشبكة لا تشير إلى علاقتها بجنرال إلكتريك حين الحديث عن برنامج حرب النجوم. ويضيف المؤلفان أن شركات الخدمات (الكهرباء والماء والغاز وغيرها) عادة ما تكون ممثلة في مجالس إدارات صحف المدن الكبرى ولذلك فإن هذه الصحف لا تتناول ارتفاع أسعار هذه الخدمات أو القضايا المرتبطة بهذه الخدمات.

ويتحدث المؤلفان عن السيطرة الحكومية على الأخبار في أثناء حرب الخليج الثانية حتى إنهما اقتبسا من الأقوال الكثيرة جداً التي تؤكد تأييد الإعلام لسياسة الحكومة الأمريكية. ومن تلك الأقوال ما قاله مساعد وزير الخارجية هولدنج كارتر :" لو كانت أنا الحكومة لقمت بإعطاء أجرة للإعلام لنوعية التغطية الإعلامية التي تحصل عليها الآن" وقال آخر(رئيس مكتب العلاقات العامة في عهد الرئيس ريغان):" لو كنت ستستأجر مؤسسة علاقات عامة لتغطية الأحداث الدولية فإنها لم تكن لتفعل أفضل مما فعله الإعلام الأمريكي."

وبالرغم من بعض الاعتراضات والاحتجاجات من بعض وسائل الإعلام الكبرى والصغرى لكن وسائل الإعلام الكبرى امتنعت عن المشاركة في القضية التي رفعها مركز الحقوق القانونية نيابة عن بعض الجهات الإعلامية ضد المنع والمراقبة التي فرضتها وزارة الدفاع الأمريكية.

لقد أثار الكتاب الكثير من القضايا حول عيوب الإعلام الأمريكي مع أنني لم أتجاوز الصفحات الأولى من الكتاب، ومقالة واحدة لا تكفي ولكني أدعو المتخصصين في هذا المجال أن يتناولوا هذا الكتاب إما من خلال ندوة متخصصة أو مقالات تحليلية حول الدروس والعبر التي يمكن أن نستقيها من أوضاعهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...