الإسلام وفريضة التفكير


 

       لأديب العربية الكبير عباس محمود العقاد رحمه الله كتاب مهم هو " التفكير فريضة إسلامية" اقتنيته منذ وقت طويل ، لكني لم أفكر بحاجة إلى من يقول لنا بأن الإسلام أمر بالتفكير فالأمر أوضح من ذلك . فقد وردت كلمة العقل بصيغها المختلفة ( عقلوه،تعقلون ، يعقلها ، نعقل ، يعقلون ) في القرآن الكريم أكثر من خمسين مرة . وجاءت كلمة فكر بصيغها ( فكّر ،تتفكروا ،تتفكرون، يتفكروا، يتفكرون ) أكثر من خمس عشرة مرة . ومن الكلمات التي تدل على التفكير يفقه ، وكلمة انظروا ، وكلمة رأى ، ويرون ويروا.

        وكنت أعتقد أن هذه المسألة من المسائل البدهية لدى عموم المسلمين ، لكن طائفة من المسلمين ممن تتلمذ على المستشرقين وأصيبوا بالانبهار بالغرب وتياراته الفكرية ابتداء بالفلسفة اليونانية قديما ودعوى العلمانية الحديثة التي ثارت على الكنيسة الأوروبية التي كانت تحرم التفكير واستخدام العقل. هذه الطائفة تزعم أنها تدعو إلى استخدام العقل والمنطق ، وتزعم أن المسلمين عموما والمتدينين بخاصة يحتاجون إلى من ينبههم إلى استخدام العقل.

     إن هؤلاء العقلانيين المعاصرين  لا يختلفون كثيرا عن العوام لأنهم جهلوا إسلامهم وهو ماسماه الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله "الإسلام الوراثي" وأوضح ذلك بقوله :"يولد المرء من أبوين مسلمين فيعد مسلما ،فيشيب ويكتهل ويشيخ وهو يعد من المسلمين ، تجري على لسانه وقلبه كلمات الإسلام وتباشر أعضاؤه عبادات وأعمال إسلامية ، فراق روحه أهون عليه من فراق الإسلام ... ولكنه لم يتعلم يوما شيئا من الإسلام ولا عرف شيئا من أصوله في  العقائد والأخلاق والآداب والأعمال، ولم يتلق شيئا من معاني القرآن العظيم ولا أحاديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم . فهذا مسلم اسلاما وراثيا لأنه أخذ الإسلام كما وجده من أهله".

     ويقابل الإسلام الوراثي عند الشيخ ابن باديس "الإسلام الذاتي" الذي أوضحه بقوله :" فهو إسلام من يفهم قواعد الإسلام ويدرك محاسن الإسلام في عقائده وأخلاقه وآدابه ، وأحكامه وأعماله، ويتفقه -حسب طاقته- في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ويبني ذلك كله على الفكر والنظر بين ما هو من الإسلام بحسنه وبرهانه ، وما ليس منه بقبحه وبطلانه ، فحياته حياة فكر وإيمان وعمل ، ومحبته للإسلام محبة عقلية قلبية بحكم العقل والبرهان كما هي بمقتضى الشعور والوجدان."

    وأوضح ابن باديس أهمية التفكير والعقل قي بناء نهضة الأمم واستشهد بقوله تعالى{قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا} فبالتفكير في آيات الله السمعية والبصرية وآياته الكونية ، وبناء الأقوال والأعمال والأحكام على الفكر تنهض الأمم فتستثمر ما في السموات وما في الأرض وتشيد صروح المدنية والعمران."

     ولما كانت مسألة نهضة المسلمين من أهم القضايا التي تشغل بال علماء الأمة ودعاتها فقد تحدث الشيخ عبد الحميد عن هذه الآية في موطن آخر عن الفكر قائلا:" الفكر هذه هي القوة التي كان بها الإنسان سيد العالم وسيطر على عناصر المادة وأنواع الأحياء..ز وهذه الآية جديرة بأن تدعى آية النهوض الإنساني ..ومعنى القيام هنا هو النهوض من جميع وجوهه لا القيام على الأرجل... ولو كان هذا مرادا وفهمته العرب منه لما سادوا المعمورة. وأما قوله ( لله ) فإن النهضة إذا كانت لغير الله [ كما هي نهضة الغرب المعاصرة] لا تخلو من ضرر يعود على النوع الإنساني من وجهات شتى وإن نفعت قوما من بعض الوجوه."

     فهل بعد هذا يأتي من يزعم أن من علماء الأمة أو المتدينين فيها يعيقون النهضة او التقدم .إن هذه الأمة لم تنهض ولم تتقدم إلاّ حينما كانت متمسكة بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم حتى كتب الملك جورج الرابع إلى الخليفة المسلم يرجوه فيها أن يقبل أبناءه للدراسة في المدارس الإسلامية ،  ويذيل  خطابه ب(( خادمكم المطيع)).

    ليس هذا فخرا بالماضي ، ولكنه تبصير بحقائق هذا الدين وتذكير بها والرد على خصوم الإسلام من العلمانيين والعقلانيين.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية